2024- 12 - 21   |   بحث في الموقع  
logo حجّار: لن نرتاح حتى يعود آخر نازح إلى منزله logo خطوة على طريق السيادة: الجبهة الشعبية تسلم موقعين logo تملّك مكتبك الآن في العوالي رايز - الرياض logo شقة فخمة للاجار برسا الكورة logo الإنتربول يُطالب لبنان تسليمه مجرمي الحرب في سوريا logo “حزب الله” شيّع الشهيد علي نايف أيوب في زفتا logo عن طرق النجاة الفردية logo إزالة اسم حافظ الأسد من جدار المسجد الأموي بدمشق
"وهذه الأنهار تجري من تحتي": العمارة السلطوية في مصر
2024-12-21 11:55:45


في افتتاح قمة الدول الثمانية النامية للتعاون الاقتصادي يوم الخميس الماضي في العاصمة الإدارية الجديدة، شاهد المصريون لأول مرة بمزيج من مشاعر مختلطة مقاطع مصورة لمجمع الرئاسة الجديد. يصطف أكثر من 20 أسداً على الجانبين، في طريق يشبه طريق الكباش الفرعوني، ليقود إلى قلب المجمع الذي ينتصب فيه مسلتان تطلان على بحيرة صناعية بها عدد من زهور اللوتس الخرسانية، ويحيط بهذا كله مساحات خضراء شاسعة. يحتوى المجمع عشرات المباني ومهبط طائرات هليكوبتر وملاعب تنس وكرة قدم ومسجدا وساحات انتظار سيارات وقصوراً بواجهات هائلة على شكل جناحي حورس وتحيط بها أرضيات مزينة بزهور لوتس ضخمة ومفاتيح الحياة.
من أعلى يشبه المجمع محطة فضائية على كوكب مقفر تحيطها الرمال من كل أتجاه أو أحد لقطات الخيال العلمي الأميركية لمبان يسكنها فضائيون، ثمة لمحة من غرائبية مقبضة تغلف المشهد. من الخارج وعلى طراز الفرعونية الجديدة يذكرنا المجمع بديكورات فيلم كليوباترا نسخة إليزابيث تايلور ولكن من دون مجموعات الكومبارس، فذلك الفضاء المعماري معقّم ومعزول عن السكان. الخيال الهوليوودي الذي انطلق مع استعراض موكب المومياوات يتشكّل بالكتل الخرسانية فانتازيا مثبتة في الأرض، وكأن الاستعراض العابر تحوّل إلى نصب راسخ للبذخ والأبهة الملوكيين. من الداخل يتغير الطراز المعماري من الفرعوني إلى الإسلامي. كان الطراز المملوكي الجديد الذي ابتدعه معماريون أوروبيون نهاية القرن التاسع عشر هو العلامة الجمالية المميزة للعمارة الخديوية في مصر وظل كذلك في عهد الجمهورية. إحدى القاعات الرئيسة في المجمع تمزج عناصر من طرز إسلامية شتي، مملوكي وفاطمي وفارسي ومغربي وأندلسي، أما النوافذ الملونة فعلى نسق الكنائس القوطية. ذلك الخليط المبهرج من الطرز والألوان والجغرافيات والحقب الزمنية يظهر وكأنة مولد عبر عملية قص ولصق نهمة ومفرطة. والحال أن تلك القاعة هي أكثر ما يلفت الانتباه في المجمع، فمن جانب تبدو كعمل كولاج ما بعد حداثي بنكهة تهكمية تسخر من نفسها ومن جانب آخر تظهر وكأنها لقطة استشراقية من فيلم ديزني عن إحدى قصص ألف ليلة وليلة. والأقرب هو أنها مزيج عشوائي من الإثنين معاً.
النسخ والقص واللصق سمة تتضح أكثر في قاعة الاجتماع الرئيسة التي التزمت بالطراز المملوكي الجديد، وهي نسخة طبق الأصل من قاعة العرش في قصر عابدين الملكي وإن كانت نسخة بألوان فاقعة. وليس من الواضح إن كانت عملية النسخ تلك ناتجة عن نقص الخيال أم مقصودة لعقد توأمة بين القصرين وبين العاصمتين، وبين الماضي الملكي والنسخة الحاضرة من الحكم شبه المطلق. الصفة الملكية تترسخ في النظر إلى الآية القرآنية المنقوشة بخط مذهب على السقف الدائري لإحدى القاعات "أليس لي ملك مصر، وهذه الأنهار تجري من تحتي". استخدام الآية الواردة على لسان فرعون وهو يخاطب قومه مثال آخر على النسخ دون فهم أو هي نوع من زلة لسان فرويدية حيث يكشف الخطأ ما يدور في الذهن.
ليس هناك مواصفات بعينها تحدّد العمارة السلطوية، وإن كان ما يطلق عليه العمارة الشمولية قد حظي بالكثير من الدراسة. تميزت العمارة الفاشية بالكلاسيكية الجديدة وكان الطراز الستاليني في الاتحاد السوفيتي بدوره نوع من الكلاسيكية الروسية الجديدة، والقاسم المشترك بينهما هو إيديولوجيا للعظمة مستعادة من الماضي السحيق. وفي مرحلة لاحقة تبنت العمارة السوفيتية الطراز الوحشي والذي اعتبر حينها طليعياً، وإن ظلت تشترك مع الكلاسيكيات المحدثة في الأبعاد الهائلة والأحجام المفرطة. هناك الكثير مما تتشاركه عمارة المجمع الرئاسي في العاصمة الإدارية الجديدة مع عمارة الشمولية، الفارق الجوهري هو الأنظمة الشمولية في الماضي صممت عمارتها لتكون تجسيداً لإيديولوجيتها بحيث تتقاطع مع الحياة اليومية للمواطنين وتشكلها، فيما يظهر مجمع القصور المصرية معزولاً وبعيداً عن الجمهور، وكأنه مشيّد لساكنه وحده.


المدن



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top