تختصر عبارة النائب البتروني، جبران باسيل "مش جنبلاط يلّي بيرشّح عن المسيحيين، هيدا هنري الحلو تاني"، واقع علاقة بعض الزعماء اللبنانيين عموماً والموارنة خصوصاً برئاسة الجمهورية والملف الرئاسي.
والحال أنّ أقطاب الموارنة، وإن فرقتهم حمى الوصول إلى الكرسي وحمى المحاور الإقليمية والاتهامات المتبادلة، لكن تصريحاتهم تنمّ عن جوهر واحد وبنية واحدة في المزايدة، مسيحياً ومارونياً. فجبران باسيل الشوفيني "البارع" في سورنة وأيرنة التيار الوطني الحر، من خلال تفاهم مار مخايل مع حزب الله عام 2006، يصرح كما لو أنه يشكّك في مسيحية النائب هنري الحلو، ابن شقيق بيار حلو، الماروني الجبلي وحفيد ميشال شيحا منظّر الدستور اللبناني، لمجرد أن جنبلاط رشحه للرئاسة. ويدلي بالموقف نفسه تجاه قائد الجيش جوزاف عون، لمجرد أنه خرج عن أوامره ورفض تبعيته وزبائنيته. ومن قبل، قاد باسيل حرباً ضد بعض النواب المسيحيين بزعم إنهم كانوا يأتون بأصوات المسلمين تحت مسمى حقوق المسيحيين والمناصفة (ويتجاهل أن كثراً من نوابه يأتون بأصوات المسلمين، الشيعة خصوصاً). فالمناصفة في ذهنه لا تكون مناصفة إلا إذا كان النائب المسيحي عونياً وربما باسيلياً، وفي كتلة "لبنان القوي" (أو "الاصلاح والتغيير" سابقاً). حصل هذا قبل أن يخوض باسيل حرباً أخرى ضد رفاقه المؤسسين في التيار الواحد وضد أبرز نواب كتلته، وقد أقصاهم وأبعدهم لتفردّه في وراثة الحزب أو التنظيم العوني وقراراته. ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، "المتصوّف" بتعبير تيدور هانف، المهجوس بلبنانية الرئيس وتطبيقه الدستور والقرارات الدولية ونزع سلاح حزب الله، ورئيس أكبر كتلة نيابية مسيحية الآن، حين رشح ميشال عون عام 2016 قاطعاً الطريق على سليمان فرنجية لمجرد أن سعد الحريري رشحه، وبرّر ذلك بأن فرنجية "8 آذار" أصلي وعون "تايواني" يمكنه الاتجاه نحو الوسط، ودب الخلاف حين "خان" باسيل الاتفاق واستحوذ على الحصص المارونية أو المسيحية. وهو كان تعهد بالتقاسم مع القوات، ولم يُفهم التصنيف بين الأصلي والتايواني إلا في إطار البعد الشخصي والمزايدة مسيحياً، وفي إطار من هو الأكثر مارونية. ويطلق جعجع مواصفاة الرئيس التي تنطبق عليه شخصياً، وهو إذ يجد صعوبة في تحقيق هدفه أو حلمه، يعتبر أن معراب هي الممر إلى بعبدا.لا يختلف زعيم المردة سليمان فرنجية عن خصومه في ذهنيته. انطلق في ترشحه من أنه يملك "ثقة السيد حسن نصرالله والرئيس بشار الأسد" (الأول صار في العالم الآخر، والثاني هرب إلى موسكو). أي لديه واسطة قوية، هو ابن "الخط"، و"العروبي". تدرجت المواقف إلى اعتبار نفسه "توافقياً"، أو هكذا يقول حزب الله، مطلقاً مواصفات بأن الرئيس الذي يرضي الجميع "ما بيعمل شي"، ونريد رئيساً فعلياً شرعياً وليس رئيساً قانونياً، وأن يكون عربياً وطنياً ومؤمناً بعروبة البلد، ونريدُ رئيساً "مش على قد الكرسي بل بدنا رئيس على قد الموقع"، و"يعمل على نقل لبنان إلى مرحلة جديدة"، ونريد رئيساً بحجم رفيق الحريري، وكان تهكم على الأسماء التي لا تملك حيثية زعماتية، ووصف أحد الوزراء السابقين بعبارة "مرتب ونعنوع".محنة مواصفات الرئيس اللبناني الماروني ودوره، شائكة ومعقّدة، وعلاقة الزعامات بالقوى الدولية والإقليمية معها معقدة. كل فريق أو زعيم يعتبر نفسه ممراً للوصول إلى الكرسي، وكل زعيم يريدها له، أو تابعة له أو على مقاسه وهواه وتطلعاته. ربما تختصر المحنة سردية للرئيس الياس سركيس 1978 نقلها السياسي كريم بقرادوني ويقول فيها: "كميل شمعون ظاهرة غريبة. فعلى الرغم من أن فؤاد شهاب كان مسيحيًا ممارسًا، فالمسيحيون لا يشعرون بذاتيتهم إلا من خلال كميل شمعون. في كل احتفال ديني كنا نطلب من التلفزيون أن يصوّب أضواءه على فؤاد شهاب عندما كان يرسم إشارة الصليب، أو عندما كان يستعد لتناول القربان المقدس. ولكن بلا فائدة. فالمسيحيون كانوا، وهم الآن، وسيكونون دائمًا مسحورين بكميل شمعون".
لا يوجد كميل شمعون اليوم على الساحة المارونية، لكن الأقطاب الموارنة مسحورون بالكرسي الرئاسي إلى حد استعصاء إجراء انتخابات حرّة. هذا من دون أن ننسى أن الطوائف الأخرى مسحورة بالكرسي، وأتت نتائج حرب الإسناد لتبدل قليلاً في المعادلات والخيارات.