بعد إقفال قسري فرضته الحرب المجنونة، حددت إدارة متحف نقولا سرسق العودة المنتظرة مع ناسه في لقاء "حميم" الساعة 4،00 بعد ظهر الجمعة 20 كانون الأول في الباحة الخارجية لهذا المعلم الباهر، رغم أن المتحف لم يقطع تواصله مع المارة ومحيطه المباشر من خلال إضاءة واجهته الخارجية، التي تحولت في الأزمنة كلها، العين الساهرة على بيروتنا الجريحة ولبناننا المأزوم. هذا الجمع المتوقع هو فرصة للتلاقي في جولة على الأقسام الداخلية في المتحف ومشاركة نخب العودة بين الجميع، صغاراً كانوا أو كباراً، في الباحة الخارجية وشراء هدايا عيد الميلاد المنتظر في سوق نظمه متجر المتحف، وذلك على وقع موسيقى ليارا أسمر الدامجة بين آلالات موسيقية عدة ومؤثرات موسيقية مسكونة بالحيوية، مع "هدية" من المتحف لزواره قضت بعرض ثلاثي الأبعاد على الواجهة الخارجية للمتحف لبعض الأعمال الفنية من المجموعة الدائمة المعروضة في داخله.
(من أعمال من المجموعة الدائمة في المتحف... تصوير وليد رشيد).لندخل في التفاصيل. يمكنكم أن تروا مثلاً في هذا العرض إحدى لوحات "جبل تامالبايس" في كاليفورنيا لإيتيل عدنان وهي "تتحرك ضاحكة" بأجزائها على الواجهة الخارجية لتعكس من خلالها " دينامية" في رسم لوحة عدنان وإنسانيتها وقدرة العمل بحد ذاته على كتابة اللون.
هذه المنهجية، التي قد نراها أيضاً في عمل فنّي لشفيق عبود، هي الطريقة المثلى لجذب الجيل الناشىء والفئة الشبابية ليأتوا إلى هذا الحفل، الذي يستمر بفرح شديد يومي السبت والأحد 21 و22 كانون الأول من العاشرة صباحاً الى السادسة مساء.
"اللقاء مع أهلنا في بيروت عائلي"، قالت مديرة المتحف كارينا الحلو لـ"المدن". أكدت أن "ما نصبو إليه هو تجسيد المفهوم العصري والمتطوّر للمتحف ودوره المتحرك في التفاعل مع ناسه ومد يده لهم في مشاركة فعلية مع يومياتهم"، مشيرة إلى أننا "حصرنا على تخصيص للأولاد ركناً خاصاً يضاف على فاعليات لقاء العودة إلى أهلنا من خلال تنظيم ورش تدريبية تفاعلية لهم في الطائق الأرضي من المتحف".
(من أعمال من المجموعة الدائمة في المتحف... تصوير وليد رشيد).اعتبرت الحلو أن "الزوار، الذين سيقصدون المتحف سيجالسون في الباحة الخارجية أعمالاً باتت "العين الساهرة" على المكان نفسه، بدءاً من العمل النحتي "للباكيتين" ليوسف الحويك، وصولاً الى إبداع "المركب" بإزميل ميشال بصبوص مروراً بمنحوتة "أيوب" لفيولا كساب، وما تعكس هذه الأعمال من عمق في أهمية التماسك الوطني، والمدّ والجذر في مفهوم تأصلنا في عالم البحار الواسعة المدى وإرتباطه "العضوي" بجذورنا الفينيقية وصولاً الى توقنا للصبر وللهدوء في هذه الأزمنة الصعبة جداً".
بموازاة ذلك، أعلنت الحلو لـ"المدن" أنّ "إدارة المتحف دأبت في إعادة هيكلة المتحف إدارياً، مع حرصنا الشديد على جذب الدعم المالي له من خلال مشاركة القطاع الخاص المحلي، مع ما يرافقه من مُنح أجنبية مهمة لضمان إستمرارية عملنا". كشفت أيضاً أن "السنة المقبلة 2025 تحمل روزنامة سخية بالمحطات الفنية، منها تنظيم معرض فني لأعمال الفنان التشكيلي الراحل عبد الحميد بعلبكي، وهو يأتي كتحية للجنوب، ولاسيما ان عائلته خسرت بيتها الأبوي في بلدة العديسه خلال نكبة الحرب الأخيرة ومآسيها، إضافة إلى إقامة معرض مهيب لأعمال جبران خليل جبران، وما يرافقها من غوص في فضاء جبران وعالمه المتشعب".
(العرض الثلاثي الأبعاد في الباحة الخارجية المنتظر... تصوير مو شقير).
قاطعناها سائلين عن موعد عودة "صالون الربيع" إلى فاعليات المتحف، لتبادر مجيبة أننا "نطمح لعودة "صالون الربيع" في سنة 2026، وهو خطوة محورية مهمة لإنطلاقة أسماء لامعة إلى حركة الفن الحديث والمعاصر كما الحال مع من شقّوا طريقهم من هنا إلى الشهرة، مع الإشارة إلى أنّ سنة 2025 تحمل تغييراً جذرياً في لوحات المجموعة الدائمة لتكون مساحة لقاء جديد مع زوار المتحف "الدامج" والمجهز لإستقبال ذوي الحاجات الخاصة وتسهيل انتقالهم في طوابق المتحف".
غادرنا المتحف مطمئنين على عودته إلينا كفعل مقاوم أساسي في قلب العاصمة بيروت وورشة التحضيرات على قدم وساق في الخارج وفي البال سؤال واحد: هل طوت عودة المتحف إلى ناسه فصلاً من فصول المأساة الإنسانية الموجعة في لبنان؟