أطلقت "مؤسسة الدراسات الفلسطينية" منصة رقمية جديدة بعنوان "توثيق استهداف الضفة الغربية والقدس"، لتُضاف إلى منصات رقمية أخرى أطلقتها المؤسسة تباعاً منذ بداية الحرب في غزة بين إسرائيل وحركة "حماس"، حيث تركز كل منصة على منطقة فلسطينية أو جانب محدد للانتهاكات والاعتداءات الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني.
ولأن الضفة والقدس ساحة مركزية لمعركة "كسر العظم" التي ازدادت حدتها بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، ارتأت "مؤسسة الدراسات الفلسطينية" أن تخصص منصة ترصد جميع أشكال الانتهاكات والاعتداءات فيهما، بأبعادها المختلفة، في ظل مسابقة الحكومة الإسرائيلية اليمينية الزمن لفرض واقع جديد بالمنطقة، حيث تضم الحكومة الحالية وزراء من المستوطنين الذي يرددون شعار "أصل الحكاية اليهودية في يهودا والسامرة"، أي الضفة الغربية، وهو شعار يحفز مجموعات المستوطنين على تكثيف الاعتداءات والإجراءات الهادفة إلى صياغة جغرافيا وديموغرافيا جديدة في الضفة.وقال المشرف على منصة "توثيق استهداف الضفة الغربية والقدس"، مجدي المالكي، في حدث مع "المدن"، أن الهدف من إطلاق المنصة جاء في ظل تركيز وسائل الإعلام على حرب الإبادة في غزة، باعتبارها حدثاً خطيراً، إنسانياً وسياسياً، رغم أن إسرائيل تشن أيضاً هجمة موازية في الضفة والقدس، من شأنها أن تغير الواقع استراتيجياً، وتنهي ما تبقى من حل الدولتين.وأكد المالكي أن أهم واقع خطير هو الاستيطان والاستيلاء على منطقة "ج" التي تشكل أكثر من 60% من مساحة الضفة، وتهويد القدس، وفرض ضغوطات على سكانها المقدسيين، لإجبارهم على مغادرة المدينة. ودفعت هذه الأسباب إلى إنشاء هذه المنصة، بوصفها "ضرورة ملحة".وأضاف المالكي أن ما تقوم به إسرائيل سيغير الواقع استراتيجياً بالضفة والقدس، وهذا "خطير جداً بالمعنى السياسي"، مشيراً إلى تركيز المنصة على الاستيطان والتحولات الجغرافية على الأرض، وتستعرض قائمة بأسماء شهداء الضفة خلال سنة ونصف، إلى جانب التركيز على ما تتعرض له مخيمات الضفة من قبل تل أبيب، خصوصاً في شمالها، إضافة إلى عرض خرائط متعلقة بالحواجز الإسرائيلية التي قطعت أوصال الضفة، لدرجة أنه لم يعد تواصل بين المحافظات، وبين المدينة وقراها، ما يندرج ضمن تغيرات جوهرية تفرضها الدولة العبرية.ويشرف على المنصة ثلاثة أشخاص، إلى جانب الاستعانة بمساعدين ميدانيين ومراكز رصد، لتقديم قاعدة بيانات مهمة، باعتبارها موجهة بالدرجة الأولى، للإعلاميين والأكاديميين والطلاب، والحقوقيين الذين يحتاجونها في تقديم مرافعات ضد إسرائيل. وشدد المالكي أيضاً على أن المنصة لاقت استحساناً كبيراً من أوساط فلسطينية وعربية مختلفة، لكونها تقدم قاعدة بيانات موثقة، وضمن منهجية مستمرة في رصد الانتهاكات الإسرائيلية، لا تعمل ضمن منطق الموسمية ورد الفعل، وإنما عبر نهج دائم مستمر.واللافت أن المنصة الخاصة بالاعتداءات الإسرائيلية في الضفة والقدس، لا تحصر مهمتها على تقديم أرقام ورسوم وبيانات فقط، بل تنتج "معرفة" أيضاً، لكونها مرفقة بوسائط متعددة، سواء بالخرائط والفيديوهات، مروراً بأوراق الحقائق والأبحاث والدراسات والتحليلات المعمقة، بحسب القائمين عليها.وأوضح المالكي أن العمل على المنصة لم ينته بشكل تام، بل يتم العمل على تطويرها تقنياً ومضموناً، وبشكل متواصل. ورغم أنها ستكون في البداية باللغة العربية، إلا أن القائمين على المنصة يفكرون بترجمتها إلى اللغتين الانجليزية والفرنسية لاحقاً، من أجل التفاعل معها من قبل العالم، وليس فقط فلسطينياً وعربياً.وتم تصميم المنصة على نحو تم فيه تبويب اعتداءات الجيش الإسرائيلي والمستوطنين، كل حسب شكلها ومضومنها، وهذا ربما ما جعل "مؤسسة الدراسات الفلسطينية" تنشئ أقساماً للمنصة، توزعت بين قسم "العدوان على الضفة الغربية"، وقسم "شهداء الضفة الغربية" الذي يقدم الشهيد كقصة، لا كمجرد رقم، وقسم "انتهاكات الاحتلال واعتداءات المستوطنين"، إضافة إلى قسم "أوراق سياسات ومواد تحليلية"، ومهمته تقديم قراءة لفهم سياق هذه الانتهاكات، لأنه لا يكفي معرفة ماهية الانتهاك والاعتداء، بل لا بد من فهم غاياته الآنية والتراكمية لإدراك خطورة ما يفعله الجيش الإسرائيلي والمستوطنون.أما الخرائط، فهي توضع مواقع الحواجز الإسرائيلية، والمتغيرات التي حصلت بين الأمس واليوم، وتقدم خريطة لكل محافظة فلسطينية، والمناطق المستهدفة من المستوطنين، وغيرها.والحال أن أهمية هذا النوع من المنصات التي تقدم قاعدة بيانات بشأن انتهاكات إسرائيل وممارساتها العدوانية، تنبع من كون المعركة مع الدولة العبرية هي معركة "حقائق ومعلومات"، لا تجدي فيها لا بكائيات ولا شكوى، ما يجعل هذا النوع من المعارك أكثر إزعاجاً لتل أبيب، وأهم من أشكال أخرى للمعارك، كما أن المنصة الرقمية توثق ما يجري على نحو يتجاوز مسألة المعالجة الإعلامية الحدثية له، ثم سرعان ما يُنسى وسط هول الأحداث التي تعصف في منطقة الشرق الأوسط، والعالم أجمع.ويُضاف إلى ذلك، أنه يمكن قياس حجم التفاعل مع المنصة الرقمية مع إمكانية الوصول إلى نطاق أوسع من المستهدفين العابرين لحدود الجغرافيا واللغة.