بعد ساعات من الغموض والتأويلات المتناقضة في إسرائيل، روّج صحافيون إسرائيليون بأن سبب تأجيل جلسة الاستماع في المحاكمة الجنائية لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، هو سفره إلى مكان غير معلوم. ثم عادت وسائل إعلام عبرية لتنفي النبأ.
تمويه بشأن الوجهة.. ومسار الطائرة
وأظهر الموقع المتخصص بحركة الطيران، أن طائرة نتنياهو، قد حلقت ظهر اليوم الثلاثاء، باتجاه أوروبا، لكن دون معرفة إن كان سيحط في دول أوروبية، أم لا. بينما تحدثت وسائل إعلام عبرية عن منع الرقابة الإسرائيلية النشر حول الجهة التي توجه إليها نتنياهو، بعد خضوعه للعلاج في إسرائيل صباحاً. ولا يُستبعد أن تكون قصة علاجه بمثابة وسيلة للتمويه والتضليل؛ لتحقيق التشتيت الخادم لسفره "الآمن".
ويُرجح أن الدافع من هذا الغموض الذي أحاط سفر نتنياهو المزعوم، هو الخشية من أوامر الاعتقال التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية بحقه مؤخراً، ذلك أن قرارها يحثّ الدول الأعضاء على المساعدة في اعتقاله، حتى لو مرّ في أجوائها، وليس فقط بالنزول على أراضيها.
وكانت وسائل إعلام عبرية قد ذهبت إلى التأويل والتخمين لسبب إرجاء جلسة محاكمة نتنياهو، إذ ربط بعضها الأمر بحدث أمني متعلق بضربة للحوثيين في اليمن، أو لعمق إيران، وبعضها الآخر ربطها بتقدم في مفاوضات تبادل الأسرى مع حركة "حماس"، وغيرها من التخمينات التي كان سببها إمعان الرقابة الأمنية الإسرائيلية في حجب المعلومة؛ ذلك أن التضليل والتمويه بشأن سفر نتنياهو هو إجراء أمني أولاً وأخيراً؛ لحمايته من الاعتقال، بموجب قرار "الجنائية الدولية" على إثر اتهامه بالمسؤولية عن الإبادة في غزة.
نتنياهو لم يكن في الطائرة؟!
في المقابل، رصدت "المدن"صورة أوردها موقع عبري غير معروف، لنتنياهو لحظة خروجه على متن مروحية من على مدرج مستشفى هداسا، وهو محاط بعناصر الأمن، توطئة لانتقاله إلى طائرة سفره إلى الخارج. لكن الموقع نفسه ومواقع إعلام عبرية أخرى، عادت لتزعم أن نتنياهو لم يسافر، وأن الطائرة التي ذهبت نحو جزيرة قبرص هي طائرة نتنياهو بالفعل، لكن الأخير لم يكن على متنها، وأنه كان مجرد تدريب لطائرة "رئاسة الوزراء على الإجراءات الكاملة لتقديم وتقديم الوجبة وتدريب المضيفات في حالات الطوارئ".
وهو تبرير أثار مزيداً من الغموض والتساؤلات بشأن حقيقة السفر، بالنظر إلى التوقيت والسياق.
سابقة إسرائيلية
ولا يُمكن الجزم إن كان سفر نتنياهو حقيقياً، وما إذا كان فعلياً وطارئاً، لأمر متعلق بتطورات المنطقة، أم مخططاً له مسبقاً، ولكن بشكل سري، للحيلولة دون اعتقاله. وبغض النظر عن السياق والتفاصيل والسيناريوهات، فإنه في حال حصل السفر فعلاً، فإن ما جرى يُعد سابقة منذ نشوء إسرائيل، بأن يضطر رئيس وزرائها إلى إخفاء نيته السفر، وأيضا وجهته، خشية اعتقاله نتيجة ملاحقته بفعل قرار محكمة دولية.
مع ذلك، يبدو أن منهجية سفر نتنياهو ستكون على هذا النحو، أي فيها غموض وتضليل، بما يضمن ذهابه وإيابه "آمناً" على الأقل. في حين، رجح بعض الصحافيين الإسرائيليين أن نتنياهو ربما قد ذهب إلى دولة قريبة، لدرجة أنه سيعود في نفس اليوم، وسيحضر جلسة المحاكمة المقررة له غداً الأربعاء.
نتنياهو لم يسافر منذ شهر
ويلفت المتخصص بالشأن الإسرائيلي أحمد سلامة، إلى أن هناك خشية إسرائيلية حقيقية من تداعيات قرار "الجنائية الدولية" في حق نتنياهو، لدرجة أن الأخير لم يسافر نهائياً إلى الخارج منذ نحو شهر، أي منذ لحظة صدور قرار إدانته بالمسؤولية عن حرب الإبادة في غزة.
ويوضح سلامة لـ"المدن"، أن المكان الوحيد الذي يمكن لنتنياهو السفر إليه "آمناً" هو الولايات المتحدة، لكنه يخشى أيضاً أنه إذا حدث خلل بطائرته، أن يضطر للنزول في أرض دولة عضو بالمحكمة الجنائية، تقوم بدورها باعتقاله وتسليمه لجهات الاختصاص.
مع العلم، أن تقارير إسرائيلية ذكرت أن نتنياهو قايض فرنسا الشهر الماضي، بخصوص انضمامها للجنة المراقبة الدولية لاتفاق وقف إطلاق النار في لبنان، مقابل منحه تطمينات بعدم تسليمه للجنائية الدولية، إذا ما مر من أجوائها، أو نزل في أراضيها، وهو أمر حصل عليه نتنياهو، بحسب التقارير العبرية.
وبالتالي، يمكن الافتراض أنه في حال صح الادعاء بأن طائرة رئيس الوزراء الإسرائيلي سافرت في مهمة تدريبية، فإنها كانت تتمرن على المسارات والتحليق في أجواء دول، بطريقة تحمي نتنياهو من الاعتقال، ضمن مساعي التحايل على قرار الجنائية الدولية.
ويوضح سلامة أن إسرائيل بادرت منذ لحظة صدور قرار المحكمة الجنائية، إلى حملة للتأثير على القرار وإلغائه، أو إفراغه من مضمونه، لكنها لم تنجح حتى الآن، مشيراً إلى أن نتنياهو والدوائر الرسمية الإسرائيلية تعول على وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وذلك للضغط على الجنائية، ومنع تطبيق القرار الذي تسبب بعزلة لنتنياهو، لدرجة أنه قيد حركته، وبات سفره محفوفاً ب"خطر الاعتقال".
ونوّه سلامة إلى أن الخوف الإسرائيلي من قرار المحكمة الدولية، دفع إلى منع ضباط إسرائيليين من السفر إلى الخارج، حتى لو كان بغرض السياحة.