بعثت دعوة الخارجية الأميركية مواطنيها إلى مغادرة سوريا، اليوم الاثنين، برسائل "مقلقة" تهدد الدولة التي لم تكد تلتقط أنفاسها بعد إسقاط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد.
وفي بيان، فسّرت الخارجية الأميركية طلبها من رعاياها المغادرة، بـ"الوضع الأمني الذي لا يزال متقلباً وغير قابل للتنبؤ به مع وجود صراع مسلح وإرهاب في جميع أنحاء البلاد".
وقالت الخارجية: "يجب على المواطنين الأميركيين مغادرة سوريا إذا أمكن، ويجب على المواطنين الأميركيين غير القادرين على المغادرة إعداد خطط طوارئ والاستعداد للاحتماء في أماكنهم لفترات طويلة".
ويؤشر البيان إلى تغير اللهجة الأميركية في سوريا، وذلك بعد يومين من الاتصال الأول والمباشر بين واشنطن و"هيئة تحرير الشام" التي نجحت مع الفصائل بإسقاط نظام الأسد.
وكان وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن، قد أكد السبت، أن الولايات المتحدة أجرت اتصالات "مباشرة" مع هيئة تحرير الشام، التي تسيطر على البلاد، مضيفاً أن بلاده "تتشارك في المبادئ المتوقعة من الحكومة السورية الجديدة، وهي احترام حقوق جميع السوريين، وعدم تحول سوريا إلى قاعدة للإرهاب، ووجوب إيصال المساعدات الإنسانية، وأن يتم تأمين مخزونات الأسلحة الكيماوية وتدميرها بشكل آمن".
ويضاف إلى "المبادئ" التي تحدث عنها بلينكن، وهي بطبيعة الحال "المطالب" التي أوصلتها أميركا للقيادة السورية الجديدة، مصير قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، ليبدو وكأن أميركا تريد زيادة الضغط على الفصائل السورية.واليوم الاثنين، نقلت وكالة "رويترز" عن وزار الخارجية الأميركية، قولها: "تواصلنا أكثر من مرة مع هيئة تحرير الشام خلال الأيام القليلة الماضية". وأوضحت أن "أهم النقاط التي بحثتها واشنطن مع هيئة تحرير الشام، هي المساعدة في العثور مواطن أميركي ومبادئ الانتقال". وتابعت: "سنتخذ قرارنا بشأن العقوبات على سوريا والاعتراف بالحكم الجديد بناء على سلوك السلطات الجديدة".
احتواء الحالة السورية الجديدة
ويدرج الكاتب والمحلل السياسي المقيم في أميركا صالح مبارك، كل الإشارات التي تصدر عن الولايات المتحدة بخصوص سوريا بعد إسقاط النظام، في خانة تكتيك "الاحتواء والامتصاص" الذي يمارسه سياسيو البيت الأبيض. ويقول لـ"المدن": "في الغالب تتعامل واشنطن بهذا الأسلوب مع كل التطورات المفاجئة، بهدف توظيفها لمصلحتها".
ويضيف "من الواضح أن الولايات المتحدة لم تخطط لإسقاط النظام، والآن تريد توظيف ذلك في أكثر من ملف ضاغط، من قسد، إلى إسرائيل، خصوصاً أن الأعباء كثيرة على حكومة دمشق الجديدة، بالتالي كل ذلك يجعل الفرصة مواتية أمام واشنطن".
وبحسب مبارك، فإن سوريا لم تسجل وضعاً أمنياً خطيراً بعد سقوط الأسد يستوجب الطلب من الأميركيين المغادرة.
واللافت هو تزامن الطلب الأميركي "المفاجئ" من رعاياها مغادرة سوريا، مع السماح برفع علم الثورة السورية على مبنى السفارة السورية في واشنطن، ما يوحي بأن الأخيرة تستخدم الترغيب والترهيب في تعاملها مع دمشق المختلفة عن السابق.
تقدير أمني
على النقيض، يشير الباحث في "المركز العربي" بواشنطن، رضوان زيادة، إلى أن سوريا لا زالت مصنفة على اللائحة الحمراء الأميركية المتعلقة بوجهات السفر. ويقول لـ"المدن": "بالتالي المطلب من الأميركيين مغادرة سوريا لا يعكس موقفاً سياسياً، بل تقديرات أمنية وسياسية".
ويتفق مع زيادة، رئيس "المجلس السوري الأميركي" فاروق بلال في اعتبار الطلب الأميركي من الرعايا مغادرة سوريا، بـ"الإجراء الطبيعي"، نظراً للأوضاع غير المستقرة في سوريا.
ويقول لـ"المدن": "أساساً لا توجد سفارة أميركية في سوريا للتنسيق مع المواطنين الأميركيين في حال ارتفاع منسوب الخطر على حياتهم، وبذلك الإجراء روتيني ولا يحمل إشارات سياسية".