2024- 12 - 21   |   بحث في الموقع  
logo الحشيمي دان عملية دهس أحد الدركيين: لاتخاذ أشد الإجراءات logo بعد 13 عاماً.. قطر تعيد افتتاح سفارتها بسوريا logo أسعد الشيباني وزيراً للخارجية السورية.. راسم سياسيات تحرير الشام logo ثلاث فصائل فلسطينية: صفقة غزة قريبة ولكن logo هذا ما ينتظر الدولار واليورو عام 2025 logo خطوة على طريق السيادة: الجبهة الشعبية تسلم موقعين logo تملّك مكتبك الآن في العوالي رايز - الرياض logo شقة فخمة للاجار برسا الكورة
الوهم العربي تجاه عبقرية الغرب والمخطّطات السياسيّة!.. بقلم: حمد رستم
2024-12-16 04:25:43

في عالمنا العربي، يسود اعتقاد شائع بأنّ الغرب يتمتّع بعبقريّة خارقة وقدرة غير محدودة على التخطيط والتلاعب بالأحداث السياسيّة والاقتصاديّة في العالم، وأنّ كلّ ما يحدث في منطقتنا من حروبٍ أو أزماتٍ هو نتيجة مباشرة لهذه المخطّطات.



 يعزّز هذا الوهم شعورٌ عميقٌ لدى البعض بأنّ شعوب المنطقة ليست أكثر من “قِطعان” تُقاد بعقلانيّة الغرب وعبقريّته ودقّة تخطيطه، على اعتبار أنّه يمتلك جميع أدوات التحكّم بمصير البشر والتنبّؤ بالمستقبل، ووضع نوتات الأحداث بالشكل الذي يحقّق فيه مصالحه، بعيداً عن أيّ اعتبار لديناميكيّات التاريخ والثقافة وإرادة الشعوب؛ وقد استطاع الغرب من خلال عدّة عوامل سوف نعدّدها أن يُلغي إيماننا بتلك الإرادة، وجعل من العقل العربي رهينة للتبعيّة، والانكسار، والشعور بالدونيّة، وعدم القدرة على التأثير بالأحداث.



وهنا يكمن الخلل في فلسفة التغيير ومدى ثقتنا بالقدرة على صياغة التحوّلات الوطنيّة المُجدية في الخيارات الشعبيّة المرتكزة على إرادة التاريخ والثقافة والانتماء.



وهذه النظرة بالشعور الدونيّ لها جذور عميقة:



أوّلاً: حقبة طويلة من الاستعمار ثبّت فيها الغرب نفسه في عقولنا بوصفه المتحكّم بمصائر الشعوب.



ثانياً: التفوّق التكنولوجي، الذي واظب الغرب على إبهار الشعوب بامتلاكه، وتنصيبه كأنّه البديل الحضاري عن ديناميكيّات التاريخ والثقافة وإرادة الشعوب.



ثالثاً: الضخّ الإعلامي المسموم، الذي لا يكلّ ولا يملّ – ليل نهار- عن إشعارنا بالخضوع لتفوّق الغرب العبقريّ، وبالمقابل تمييع أيّ إنجاز من صنع شعوبنا، والعبث به، والمسّ بالرموز والعناوين الكبرى والقضايا وجعلها خاوية، وأحياناً اعتبارها تُهماً رجعيّة تتناقض مع مسار تحضّر الشعوب.



وهذا في الحقيقة ما نسميه تعطيل دوافع التقدّم الحضاري، لأنّ الأمم التي ليس لديها قضايا ولا رموز، لا بل تجعل منهم مادّة للتهكّم والتنمّر، لن يكون لها حظوظاً في التحرّر والنهوض.



في هذا السياق، هناك سؤال يطرح نفسه ربطاً بالحدث السوري: هل ما جرى في سورية هو ضمن إطار قوّة تخطيط أميركا وعبقريّتها في السياسة الدوليّة، أم أنّ ما حصل هو نتيجة عوامل عدّة اجتمعت وأنتجت هذا المشهد؟



في الحقيقة أنّ هناك عدّة شواهد تعزّز النظرة القائلة أنّ تأثير أميركا وإسرائيل في مشهد سقوط النظام كان محدوداً، رغم أنّنا لا ننكر أنّ أميركا -بطبيعة الحال- تملك العديد من الأوراق ونقاط القوّة، وتمسك بالكثير من الخيوط التي تخوّلها أن توظّف نتائج الأحداث -كيفما جرت المجريات- لصالحها.



ولتحليل تلك العوامل التي أدّت إلى تغيير المشهد في سوريا وسقوط النظام، علينا أوّلاً أن نتحرّر من النظرة الدونيّة لأنفسنا، ومن نظرة التبعيّة لذلك الغرب المتحكّم في مصائر الشعوب والمتفوّق على جميع سنن الدنيا من تاريخ وجغرافيا سياسيّة وتكوين ثقافي.



ما حصل في سوريا هو اجتماع عدّة عوامل منها ما هو خارجيّ ومنها ما هو ذاتيّ يخصّ سوريا ونظامها، وقد كان لتركيا الدور الأكبر، إذ شكّلت الدينامو الذي حرّك العمليّة بدافع رفع الصوت وتقديم أوراق اعتماد للأمريكي إثباتاً لقدرة أنقرة على لعب دور إقليمي يمكّنها أن تضغط على نظام الأسد لضبط توريد السلاح للمقاومة، وقد كان ما حصل فيه نوع من التلقّف لمواقف ترامب التي كانت بنيّة تسليم ملفّ سوريا لبوتين ومقايضته بالملف الأوكراني على قاعدة أَرِحنا من التوتّر في الشرق الأوسط واضبط حليفك بشّار وسوف نريحك في أوكرانيا وتهمد حرب الاستنزاف، إضافة لكلام ترامب عن عزمه حلّ الملف الكردي، وإذ بتركيا تتلقّف هذا الجو، وتسعى لإثبات دورها بِنِيَّةٍ مبدئيّةٍ كان أقصى طموحها احتلال أرياف حلب وإدلب، وخلق نقطة توازن تدفع النظام للتفاوض بشأن توريد السلاح للمقاومة وإخماد التوتّر في المنطقة.



هذا العزم التركي فوجئ بهشاشة النظام والجيش السوري المُنهك جرّاء الأزمات والحروب، وإذ بتسارع الأحداث يضغط بنفسه على مشهد التوازن، ممّا جعل النظام عُرضة للخرق في صفوف ضبّاطه، وهذا أدّى لمزيد من الانهيار، وبالتالي كبّل حلفاءه وولّد الارتباك في مواقفهم، حيث عبّرت روسيا أنّها ليست بصدد الدفاع عن جيشٍ لا يريد أن يقاتل.



وهناك العديد من الشواهد على أنّ ما حصل هو اجتماع عوامل ظرفيّة، وليس عبقريّة من الأمريكي، منها:



الشاهد الأوّل: هو مساندة الجيش الروسي في بداية المعركة للجيش السوري.



الشاهد الثاني: هو تصريحات قادة الدول العربيّة في بداية هجوم الفصائل المسلّحة، التي دعمت نظام بشّار الأسد، ومنهم السعوديّة ومصر والإمارات والجزائر؛ والسؤال هنا موجّه لكلّ من يشعر بالدونيّة تجاه الغرب: لو أنّ تلك الدول العربيّة أو بعضها أقلّه استشعرت أنّ هناك تسوية ما تُطبَخ، أما كانت عدّلت في حدّة اندفاعها لدعم النظام السوري حينها يا تُرى؟؟ ثمّ ألا يُفترض أن تكون أميركا قد أخبرت أو ألمحَت لبعضهم بأنّ الأحداث المتسارعة مخطّط لها؟



الشاهد الثالث: هو ذهاب عناصر من حزب الله لمساندة الجيش السوري، والسؤال: لو أنّ إيران كانت تعلم أنّ هناك تسوية ومخطّط غربي عبقري، أما كانت أوعزت للحزب بالتريّث وعدم الانجرار؟



الشاهد الرابع والأهمّ: هو مقابلة أحمد الشرع على قناة الCNN عشيّة الهجوم على حمص، فمن يشاهدها يدرك من لغة جسده وطبيعة إجاباته أنّه لم يكن واثقاً بنتائج المعركة، حيث كانت الإجابات مليئة بالترقّب والحذر، خشيةٍ من فشلٍ ما؛ وهذا دليلٌ أن ما خطّط له من أهداف من هذا الهجوم مختلف عن النتائج، حيث فوجئ بانهيار جبهة خصمه، إذاً ما حصل حقيقةً هو هزيمة النظام وليس انتصار الفصائل بفعل قوّتها.



الشاهد الخامس: هو تساؤل نطرحه: لو أنّ عبقريّة أميركا وإسرائيل هي من خطّطت، لماذا لم تبدأ إذاً بالهجوم على نظام الأسد قبل العدوان على لبنان، وبالتالي تجعل حزب اللّه مرتبكاً في خضمّ المعركة معه؟؟ وهذا كان له أن يعزّز فرص نجاح إسرائيل في الاجتياح البرّي بكلّ تأكيد.



ما أودّ قوله: كفانا تمجيداً لعبقريّة الغرب، وكفانا خلقاً للإنجازات وإسنادها له، وكفانا تكريساً لشعورنا بالدونيّة أمامه، دعونا نثق بالحدّ الأدنى بأنّ للأمم دوافع ومحرّكات وقضايا تشكّل رافعةً لحركة شعوبها، ربطاً بالتاريخ والجيوبوليتيك والثقافة، فجميع تلك العناصر هي في غالب الأحيان من تشكّل الديناميكيّات السياسيّة والتاريخ، وليس فقط ما يخطّطه الغرب.



ختاماً، احتراماً لأنفسنا ولموقعنا الحضاري والتاريخي، واحتراماً وتعزيزاً لثقة الشعب السوري بنفسه وبخياراته، الذي لا بدّ أن يشعر بأنّه هو صاحب الحدث وفاعل التغيير، وأنّ خياراته هي التعبير الأسمى عن الوطنيّة والانتماء، حيث بدونهما لن يستطع حماية سيادته ووحدته وحرّيّته؛ إذاً إنّ التحرّر من تمجيد عبقريّة الغرب، والتخلّص من عقدة الدونيّة، هما السبيل الوحيد لنجاح خيارات التغيير.

موقع سفير الشمال الإلكتروني





ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top