قبل 25 يوماً من موعد الجلسة النيابية المرتقبة في 9 كانون الثاني التي دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه برّي لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، بدأ التباين والتباعد في الآراء يظهر بين المعنيين بالإستحقاق الرئاسي، داخلياً وخارجياً، ما أعاد الأمور إلى المربع الرمادي، أو أقله عدم التفاؤل، بأن تسفر الجلسة المنتظرة عن إنهاء الفراغ في سدّة الرئاسة الأولى بعد انتظار دام سنتين وشهرين.
مظاهر التباين والتباعد هذه كشفت عن نفسها في مواقف سفراء اللجنة الخماسية المُكلفة معالجة الملف الرئاسي وهم السّعودي وليد البخاري، الأميركية ليزا جونسون، الفرنسي هيرفي ماغرو، القطري سعود بن عبد الرحمن بن فيصل آل ثاني والمصري علاء موسى، الذين التقوا برّي في الـ11 من الشّهر الجاري، ليناقشوا معه مصير الإستحقاق الرئاسي والجلسة النيابية معاً.
مفارقتان ظهرتا في ذلك اللقاء، الأولى أنّها جاءت متأخرة أيّاماً عن دعوة برّي في 28 تشرين الثاني الماضي المجلس للإنعقاد، أيّ أنّ زيارة السّفراء الخمسة جاءت متأخرة أسبوعين غداة دعوة برّي، وهو أمر لم يكن يفترض أن يحصل من قبل سفراء معنيين ومكلّفين من دولهم متابعة الملف الرئاسي، ما بدا أنّهم لم يأخذوا دعوة برّي على محمل الجدّ، خصوصاً أنّ برّي دعا النوّاب إلى جلسة إنتخابية بعد انقطاع قرابة 18 شهراً عن دعوتهم منذ جلسة 14 حزيران العام 2023، وهي الجلسة رقم 12 لمجلس النوّاب منذ الفراغ الرئاسي من غير أن يستطيعوا إنتخاب رئيس للجمهورية.
أمّا المفارقة الثانية فهي أنّ زيارة سفراء الخماسية إلى برّي جاءت بعد 48 ساعة من إسقاط المعارضة السّورية الرئيس السّوري السّابق بشّار الأسد، ما فُسر على أنّ تطورات الأوضاع في سورية هي التي حرّكت سفراء الخماسية تجاه برّي، وليس دعوته النواب لجلسة إنتخابية.
هذه الإشكالية اللافتة في تحرّك سفراء اللجنة الخماسية ظهرت أيضاً في مواقفهم في أعقاب لقائهم برّي. فما قالوه بعد اللقاء، تسرّب عنهم على لسان مصادر مقرّبة منهم، العكس، ما أثار الكثير من الهواجس والتساؤلات حول جديّة تحرّك سفراء الخماسية ومصير جلسة الإنتخابات الرئاسية معاً.
فعقب لقاء سفراء اللجنة الخماسية مع برّي تحدث باسمهم السفير المصري علاء موسى، الذي قال إنّه “تحدثنا بشكل واضح مع الرئيس برّي، وأكّد دولته أنّها جلسة مفتوحة بدورات متتالية، بمعنى أنه مستمرون في الإنعقاد في البرلمان وصولاً إلى إنتخاب رئيس للجمهورية، هذا الإلتزام هام”، وهو موقف عاد السفير المصري وأكد عليه أمس في مقابلة تلفزيونية.
لكن قبل أن يجفّ تصريح السفير المصري، باسم اللجنة الخماسية، تسرّب عنهم ما يشير إلى العكس. فقد أبدت مصادر مقرّبة من اللجنة الخماسية “الخشية من أنّه إذا كان عدد الأسماء الجديّة للمرشحين المطروحة للرئاسة يفوق الثلاثة، فإنّ ذلك قد يؤدي إلى تشتت الأصوات الناخبة في كلّ دورة، ما قد يدفع بالرئيس برّي إلى رفع الجلسة إلى وقت قصير ثم عقدها مجدّداً، أو تأجيلها لأيّام عدّة”.
فهل بدأت تلوح منذ الآن أجواء التشاؤم وعدم التفاؤل بإمكانية خروج الدّخان الأبيض من جلسة 9 كانون الثاني، أم الأمر لا يتجاوز كونه جس نبض وتبادل أدوار ومناورة الأيّام الأخيرة؟..