أسبوع على سقوط النظام السوري. انقلبت سوريا رأساً على عقب. ما يرد من مدنها، ساحاتها وشوارعها، فيه الكثير من التباشير والإيجابية. مضمون الكلام الذي يطلقه القائد العام للإدارة السياسية الجديدة، أحمد الشرع، ينطوي على واقعية، وقراءة موضوعية للوقائع والتطورات السياسية في سوريا وخارجها. هو يعلم حجم التحديات التي تنتظره وتنظر سوريا التي يريد لها أن تبقى موحدة، مع الأخذ في الاعتبار الكثير من المشاريع التي تسعى إلى "تقسيمها". ويمكن للصراع ما بين الوحدويين والتقسيميين أن يأخذ بعداً عميقاً في المعركة السورية المقبلة. دول وجهات كثيرة، ليس في مصلحتها أن تكون سوريا دولة مركزية بهذه الجغرافيا الكبيرة والواسعة وعلى موقع جيوستراتيجي. فهي الدولة ذات الامتداد الحدودي مع الأردن، العراق، إسرائيل، لبنان، وتركيا. وهي قادرة على التأثير في هذه الدول والتأثر بارتدادات ما يجري عليها.
التواصل مع الجميع
الخطاب الذي يقدّمه الشرع على درجة عالية من المقبولية، لا سيما في معرض حرصه على وحدة سوريا، واحترام حقوق كل الجماعات فيها، والحرص على الحرية الفردية والشخصية، وصيانة حرية ممارسة الشعائر الدينية وحرية المعتقد. وهذا ما تجدر مأسسته في إطار قانوني ودستوري واضح وجامع، ينطلق من العمل على توحيد الخطاب، الهتاف والسلوك وفق القواعد التي يتحدث بها الشرع. هناك مؤشرات إيجابية تظهر وأخرى لم تظهر إلى العلن. فسريعاً كان تجاوب الإدارة السياسية الجديدة مع التساؤلات التي طرحت حول بعض "الهفوات" كمثل ظهور رئيس حكومة الإنقاذ محمد البشير وخلفه علم هيئة تحرير الشام أو علم التوحيد، وسرعان ما تمّت معالجة الأمر، ذلك سرى أيضاً على معالجة هفوة الأناشيد الدينية على التلفزيون السوري، والمؤشر الإيجابي حيال الحريات الفردية والشخصية، لا بد له أن يتعمم على كل شرائح المجتمع، وهو ما يطمئن المجتمع السوري، ويقطع الطريق على أي محاولات للنيل من الحقبة الجديدة التي دخلتها سوريا. أما ما لم يظهر، فهو التواصل القائم والمفتوح بين الشرع ومختلف مكونات الشعب السوري قومياً وطائفياً، من خلال تواصل مفتوح مع المسيحيين في حلب ودمشق، ومع الدروز، ومع الأكراد، والشيعة والعلويين، على قاعدة التواصل الجدّي والفعال للانخراط في مشروع إعادة بناء سوريا الجديدة.
حوار وطني
يقول الرجل في معرض ردّه على أحد الأسئلة، إنه يكفيه وجوده في دمشق، وهو الذي يمكنه الانطلاق منها، للقيام بزيارات تشمل كامل الجغرافيا السورية، للقاء مختلف مكونات الشعب السوري، في وادي النصارى، الساحل، شمال شرق سوريا، الجنوب والسويداء، ومدينة سلمية، في إطار التركيز على وحدوية سوريا والنقاش في شكل الحكم الذي يمكن الوصول إليه وإرساؤه من خلال اللجنة الدستورية التي سيتم العمل على تشكيلها. وهذه خطوة على طريق خطوات كثيرة لا بد من سلوكها في إطار الحفاظ على ما تحقق والتأسيس عليه وللمستقبل، لتجنّب أي محاولة من محاولات الإنقلاب، أو إفشال الثورة، أو إدخال سوريا في صراعات لا تنتهي سياسياً، أو عسكرياً، وهنا يمكن تسجيل نقاط عديدة لا بد من الالتفات إليها:
إضفاء أكثر من لون على الواقع السياسي الجديد، وإشراك جميع الفئات في الحكم، خصوصاً أن الناس لا تعرف الأسباب والخلفيات التي على أساسها تم تكليف حكومة الإنقاذ الحالية لفترة ثلاثة أشهر.
حماية سوريا بتعدديتها وتعقيداتها، الثقافية، الفكرية، الاجتماعية، القومية والطائفية.
استيعاب كل فئات المجتمع ومشاربه السياسية، وإعادة تركيب مؤسسات الدولة وإنشاء جهاز أمن داخلي، وإعادة هيكلة الجيش وتأسيسه، بالتعاون مع الجميع.
الدعوة إلى حوار وطني عام، أو مؤتمر سوري عام ينضم إليه الجميع، يطرحون رؤاهم وتوجهاتهم وأفكارهم. فلا تكون الإدارة الجديدة قد اختزلت الحكم أو القرار واستبعدت أي طرف. ومن لا يشارك هو الذي يتحمل المسؤولية.
الانفتاح والتواصل مع قوى المعارضة السياسية في الداخل والخارج، والعمل على استقطابها والتشاور معها في وضع رؤية شاملة للمرحلة المقبلة.
المراكمة على التسويات التي يتم إنجازها بما يتعلق برجال الأمن والجيش، وسحبها على قطاعات أخرى وعدم القطع مع الذين كانوا محسوبين على النظام المنهار.
هذه الأفكار وغيرها الكثير مما يختزنه السوريون بكل ما أنتجوه، من شأنها توفير الحدّ الأدنى من الحماية للواقع الجديد وإطلاقه نحو مرحلة جديدة، ليتمكن من تحصين سوريا بوجه أي سيناريو يمكن أن تحاول جهات عديدة إسقاطه عليها، وذلك لتجنب خيار أي انقلاب عسكري، ولتجنب خيار تكرار تجربة تونس، أو ليبيا، أو السودان.