بقيت سياسة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وحزب العدالة والتنمية الحاكم، لسنوات، زاوية مفضلة لأكبر أحزاب المعارضة التركية المتمثل بحزب الشعب الجمهوري، لمهاجمة الحكومة، حيث عمل الحزب المعارض على تكريس صورة نمطية لدى الجمهور تقوم على أن الحزب الحاكم أقحم تركيا في الشأن السوري، وتسبب بموجات لجوء سورية إلى تركيا أثّرت على جودة حياة المواطن التركي، وبناءً عليه بات موضوع اللاجئين السوريين منذ عام 2019، أداة مهمة للنيل من شعبية أردوغان وحزبه مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية الرئاسية والتشريعية والمحلية.
منذ اليوم الأول لسقوط بشار الأسد، ظهرت بعض الآثار على الساحة التركية الداخلية، فقد أتيح للسوريين المقيمين على الأراضي التركية إقامة احتفالات وتجمعات شعبية في مختلف الولايات التركية، وخاصة الكبرى، وشارك محسوبون على الحزب الحاكم التركي في بعض هذه التجمعات التي رُفعت فيها أعلام الثورة السورية والتركية أيضاً، فيما يبدو أنه بهدف لفت أنظار الشعب التركي إلى سقوط الأسد ونجاح رهان أردوغان على الثورة.
تداول نشطاء أتراك من بينهم معارضين بارزين عبارة "الرجل فاز مجدداً"، في إشارة إلى تسجيل أردوغان لنجاح جديد، لكن هذه المرة على مستوى السياسة الخارجية.
انهيار النظام السوري فتح الأبواب أمام فصائل المعارضة السورية (الجيش الوطني) المتحالفة مع أنقرة، لتنفيذ هجمات ضد تنظيم قسد، واستطاعت السيطرة على مناطق مهمة مثل تل رفعت ومنبج، في ريف حلب، ويجري التحضير للمزيد من العمليات العسكرية التي ستتركز على عين العرب (كوباني) والرقة، وهذا سيترك ارتدادات على الساحة التركية فيما يتعلق بتراجع المشروع الذي رفع نبرة التحدي لدى شريحة من الأكراد في تركيا، ودفعهم للإمعان في التصلب تجاه الحكومة والاصطفاف مع أحزاب المعارضة الأخرى، وبالتالي قد نشهد مستقبلاً، انفضاض أكبر للمكون الكردي عن التيارات السياسية التركية المرتبطة بمشروع حزب العمال الكردستاني العابر للحدود، خصوصاً أن الحديث يدور في الأوساط التركية عن توجيه عبد الله أوجلان، مؤسس العمال الكردستاني، دعوة للأكراد للتخلي عن استخدام السلاح.
سقوط بشار الأسد وانكماش النفوذ الإيراني في سوريا، سيترك فراغاً مهماً سياسياً واقتصاديا ستحرص تركيا على ملئه، وهذا سيوفر فرص اقتصادية للمئات من الشركات، خصوصاً العاملة في مجال الإنشاءات، أي دفعة جديدة للاقتصاد التركي الذي أسهم تراجعه إلى نزيف الحزب الحاكم لرصيده الشعبي على مدار السنوات الـ8 ماضية.
لا تقتصر العوامل التي تؤثر في المزاج الشعبي التركي على الملفات الداخلية والاقتصاد والخدمات رغم أهميتها، بل أيضاً يدخل ضمن اعتباراته في عملية التصويت النجاحات في السياسة الخارجية ومدى قدرة الحزب أو الشخصيات السياسية على إدارة السياسة الخارجية التي تنعكس على مكانة تركيا، وفي هذا السياق يمكن أن نتوقع زيادة الرصيد الشعبي للحزب الحاكم، خصوصاً أن رئيس الاستخبارات التركية إبراهيم قالن، كان أول الواصلين من بين المسؤولين الدوليين إلى دمشق، وأدى صلاة الجمعة في المسجد الأموي، فيما يبدو أنه وفاءً من أردوغان بعهده القديم بالصلاة في المسجد الأموي بعد رحيل الأسد، وإن كان لم يفعلها بنفسه لكن من ناب عنه هو أحد الشخصيات المقربة للغاية منه، ولأن الآثار المتوقعة على الداخل التركي لهذه التطورات كبيرة، سارع زعيم حزب الشعب الجمهوري أوزغور أوزال للتقليل من أهمية الحدث، وأشار إلى أن الوفاء بالوعد تم بعد 13 سنة، وخسارة اقتصادية كبيرة للخزينة التركية.
عموماً، اتجاه الأمور إلى الاستقرار في سوريا سيسهّل خلال عام مقبل، عودة مئات الآلاف من اللاجئين السوريين إلى بلدهم، وهذا سيخفف من الضغوطات التي يعاني منها الحزب الحاكم، ويُفقد المعارضة ورقة مهمة في العمليات الانتخابية المقبلة.
من المتوقع أن يتضاعف الإنجاز الخارجي للحزب الحاكم، في حال تمكنت أنقرة عبر مفاوضاتها المستمرة مع واشنطن، والتي تتم بالتوازي مع استخدام التسخين الميداني عند الحاجة، للوصول إلى تسوية تنهي مشروع "الإدارة الذاتية" في سوريا.