في صيف العام 2021، توجهت المخرجة الأفغانية ساهرا ماني، إلى أوروبا لحضور أحد المهرجانات السينمائية. كانت تلك رحلة اعتيادية في جدول أسفارها المزدحم بعدما حقق فيلهما الوثائقي "ألف فتاة مثلي"، نجاحاً عالمياً قبلها بثلاثة أعوام.تتبّع الفيلم قصة أمرأة أفغانية أجبرت والدها على المثول أمام القضاء بتهمة الاعتداء الجنسي عليها لسنوات. وبالإضافة إلى الصدى في الخارج، أثار الفيلم جدلاً في الداخل أحرج الحكومة الأفغانية. حينها كان الفيلم ونجاحه، دلالة سينمائية على التغيّر في أوضاع النساء في المجتمع الأفغاني.وبعد أقل من شهر من مغادرة ساهرا، سقطت كابول في يد طالبان، لتصبح رحلتها بلا عودة. من المنفى ستعمل على فيلمها اللاحق "خبز وورود" الذي يتطرق على مدى عام، لمقاومة عدد من النساء لطالبان حرمانهن من حقوقهن. من خلال مقاطع فيديو سجلتها نساء يعشن تحت حكم طالبان في هواتفهم الذكية، تتكشّف مقاومة شرسة وشجاعة غير معروفة تقريباً للعالم الخارجي.
يركّز الفيلم على ثلاثة شخصيات. زهرة محمدي، طبيبة أسنان تجبر على إغلاق عيادتها، فتحولها إلى مقر للقاءات مع نساء أخريات لتنظيم الاحتجاجات ضد الطالبان. في الشوارع ستستخدم شرطة النظام الجديد قنابل الغاز ومدافع الماء ضد طوابير من المدرسات تهتف: "عمل، خبز، تعليم!"، وفي أحد المشاهد الاستثنائية، تسجّل كاميرا الهاتف القبض على واحدة من المحتجات، وفي داخل السيارة التي تقاد إليها تصرخ في عضو طالبان المسلح الذي يهددها بالقتل: "اقتلني إذاً... هيا اقتلني"، وتكررها حتى يتراجع هو أمام عنادها. بالقدر نفسه من الشجاعة، تخاطر زهرة بعيادتها وبحياتها أيضاً. فعبر كاميرا مراقبة مثبتة أمام عياداتها، نرى المشاهد الأخيرة لاختطافها في سيارة تغادر مسرعة.تارانوم سيدي، ناشطة تحاول في البداية الوصول إلى مطار كابول لكن بلا جدوى، هناك طوابير طويلة من السيارات، وطالبان تطلق النار على من يحاول الاقتراب. لاحقاً، تُجبر على الفرار عبر الحدود إلى باكستان. هناك في منطقة نائية ومعزولة، وفي أحد البيوت الآمنة المخصّصة للنساء الأفغانيات، تتحدّث تارانوم إلى الكاميرا بغضب ممزوج بالحنين إلى وطنها وعائلتها التي تركتها وراءها، ويتزايد غضبها مع رحيل رفيقاتها الواحدة بعد الأخرى. في ظهورها الأخير، تسجّل مقطعاً وهي داخل سيارة أجرة، نعرف إنها طردت مع غيرها من البيت الآمن وبعدما نفدت نقودها ليس ثمة مكان تذهب إليه.شريفة موفاهيدزيده، وهي من إثنية الهزارة المهمّشة، كانت لديها وظيفة حكومية واعدة قبل أن ترغم على البقاء في البيت مع والديها. مع تقلص حياتها إلى مساحة غرفة صغيرة تشبه السجن، يتنامى حزن ثقيل ووقور تعكسه ملامحها. وفي سبيل ألا تتلاشى حياتها، تنضم شريفة بعد تردّد طويل، إلى المقاومة. يتحوّل سطح المبنى حيث تسكن، منفذها الوحيد على العالم، وسبيلنا نحن لإقامة علاقة حميمة مع كابول، المدينة التي يبدو كل شيء يتعلّق بها مقبضاً، لكن جمالاً من نوع خاص تكشف فيها، على وقع الأغنيات التي تستمع إليها شريفة وتفرس كاميراتها في معالمها البعيدة والمحرّمة عليها.يقدّم "خبز وورود" خليطاً من يوميات شخصية ولقطات من اجتماعات سياسية مغلقة وخطرة، وبضع شواهد على القمع الرهيب في الخارج. وبالرغم من الغضب والدموع، يزخر الفيلم بالضحكات والغناء والإصرار على الفرح، وبنموذج للأختية في زمن عاصف. في هذا كله، تظهر النساء وحدهن تماماً بلا دعم من أحد، وتذهب كل محاولاتهن لاستدعاء التضامن من الخارج بلا جدوى. وفي خاتمته يشير الفيلم إلى إن عشرات من النساء قتلن أو سجن أو تعرضن للاختفاء.