ما بين لبنان وسوريا مخاوف كبيرة وهواجس كثيرة. تحكم الجغرافيا السياسية والمسارات السياسية أن يتأثر لبنان بما يجري في سوريا، أو أن يكون مؤثراً فيها. ينتظر لبنان إعادة تشكيل السلطة فيه بشكل متوازن. وهو ما تنتظره سوريا أيضاً بعد سقوط نظام بشار الأسد. تحديات كثيرة تواجه البلدين معاً، واستحقاقات كثيرة تنتظرهما، ولا بد من النظر إلى وقائعها وتداعياتها، ومنها:
مطامع إسرائيلتواجه سوريا توغلاً إسرائيلياً في الجنوب ومحاولات لقضم مناطق ومساحات جغرافية وفرض أمر واقع عسكري وسياسي. المواجهة نفسها تنطبق على لبنان في ظل المطامع الإسرائيلية والتوغل الذي حصل لبضعة كيلومترات ومحاولة فرض شروط سياسية أو أمنية وعسكرية لتأمين شروط الانسحاب من المناطق التي دخلتها.
وجهت إسرائيل ضربات قوية جداً لمقدرات الجيش السوري ولكل بنية سوريا العسكرية. كذلك فعلت مع حزب الله وقدراته العسكرية والصاروخية ولا تزال تصرّ على منعه من إعادة بناء نفسه. بناء القدرات العسكريةتحديات إعادة بناء القدرات العسكرية بدمجها وتوحيدها من خلال إعادة بناء الجيش في سوريا وتوحيد الفصائل ضمنه، وهو ما يقابله تحديات لبنانية في تعزيز قدرات الجيش اللبناني لتحقيق الاستقرار والحماية في الجنوب وعلى كل الحدود، بالإضافة إلى إيجاد صيغة ملائمة لمسألة سلاح حزب الله عبر استراتيجية دفاعية.الحفاظ على الوحدةتجابه الإدارة السورية الجديدة في مرحلتها الانتقالية تحديات كثيرة، بينها الحفاظ على وحدة سوريا وإعداد الدستور والعمل على إنجاز الاستحقاقات بدءاً بانتخابات رئيس للجمهورية وتشكيل للحكومة. لبنان أيضاً ينتظر إنجاز استحقاقه الرئاسي وتشكيل الحكومة.
لدى البلدين مهام صعبة على المستويات الاقتصادية والاجتماعية في ظل الانهيار المالي والاقتصادي، وسط حاجاتهما إلى مساعدات مالية كبيرة لن تتوفر إلا من قبل قوى دولية وإقليمية واستثمارات ستكون مرتبطة بشروط سياسية قاسية.
لا يمكن إغفال تحديات الحفاظ على الوحدة الوطنية ووحدوية الكيان أو بنية الدولة، وسط دعوات كثيرة في سوريا إما للانفصال أو للحكم الذاتي. وهناك أصوات أيضاً تتعالى في لبنان، حول الانفصال أو الفيدرالية في حال عدم الاتفاق على صيغة سياسية، والذي بحال توفر فهناك دعوات نحو توسيع هامش اللامركزية.
تقدم الإدارة السياسية الجديدة في سوريا بعض المؤشرات والمواقف الإيجابية تجاه الفئات والبيئات الأخرى، فمع الأكراد هناك مفاوضات جدية تجري وسط تقاطع أميركي تركي على الوصول إلى نقاط وقواسم مشتركة. تصرّ الإدارة الجديد على وحدة سوريا وعدم حصول أي انفصال أو تقسيم، في المقابل هناك مطالبات كردية بما يشبه الحكم الذاتي، وسط طروحات تتعلق باللامركزية ولكن تحت كنف الدولة السورية الموحدة، وعنوانها الجمهورية السورية. يرسل القائد العام للإدارة السياسية أحمد الشرع رسائل كثيرة للعلويين، الشيعة، والمسيحيين في إطار تعزيز التنسيق والتعاون، لإعادة بناء سوريا والإقلاع عن أي فكرة انتقامية من شأنها إعادة تعزيز الشرخ المذهبي والطائفي. هناك تعميق للتواصل مع المرجعيات المسيحية المختلفة في حلب ودمشق وريفها للاتفاق على سوريا الموحدة، كذلك الأمر بالنسبة إلى العلاقة مع الدروز المعروفين بمواقفهم المؤيدة للوحدة السورية التاريخية على الرغم من محاولات إسرائيلية كثيرة لزرع الشقاق وتوسيع الشرخ. سوريا الجديدة ولبنانمخاطر كثيرة قد تعصف في ظل هذه التطورات والتحديات، قد تتشابك فيها جهات إقليمية أو دولية في محاولة لإضعاف سوريا أكثر أو إبقائها في صراع وفوضى، وهو ما لا يغيب عن بال المعنيين، وهنا لا بد من الترقب والحذر أمام المحاولات الإسرائيلية للمشاركة في صياغة "سوريا الجديدة" بعد العمليات العسكرية التي نفذها الإسرائيليون لضرب الجيش وإضعافه بشكل كامل، فإسرائيل تريد لسوريا ككل أن تبقى ضعيفة أو غارقة في فوضى وصراعات سياسية أو طائفية أو ذات توجهات مختلفة. ولا بد للإدارة الجديدة من مراجعة التجارب في دول أخرى ولا سيما في مصر أو في ليبيا، كي لا تتعرض لأي انقلاب أو الغرق في فوضى والتي قد ينتجها التضارب والتصارع الإقليمي والذي قد يفضي إلى حكومتين وجيشين ويتجدد الصراع في سوريا وعليها.
يترقب لبنان لكل المآلات السورية وهو على يقين بحجم الارتداد والتأثر:
ففي حال طغى الخيار الإسلامي وتعزز في الدستور والممارسة السياسية، فإن لبنان سيصاب بمثل هذه الموجة.
أما بحال ارتفعت أصوات الانفصال أو التقسيم في سوريا، أو الصراع ما بين الأقليات والأكثرية، فإن هذه النزعات ستتعزز في لبنان أيضاً.
أما في حال اختيار النهج الأكثر عقلانية في الارتكاز على دولة مدنية وطنية، تشترك في بنائها وإدارتها كل المكونات من خلال صيغة تلائم الجميع وتحفظ أدوارهم وتأثيرهم وقد يكون ذلك من خلال لامركزية متوازنة يتحقق بموجها التوازن السياسي وفي الحقوق والواجبات، فإن ذلك سيكون حلاً أمثل لسوريا ولبنان معاً.