2024- 12 - 13   |   بحث في الموقع  
logo النائب إيهاب مطر: الأسد سقط وبقيت طرابلس الدولة والاعتدال logo ميقاتي للبابا فرنسيس: متمسكون بدور لبنان الرسالة وبالوجود المسيحي logo الجيش الاسرائيلي يُرسي بُنيته التحتية...في المناطق السورية المحتلة حديثاً logo وفا في رحلة بحثها عن والدها: تركونا وحدنا مجدداً logo حملة إسرائيلية-إيرانية-روسية لتشويه صورة المعارضة السورية logo الجيش ينتشر في شوارع طرابلس logo غزة: مؤشرات بلينكن "المشجعة" تكذّبها المجازر الإسرائيلية! logo الكاميرات تحاصر المحررين من سجون الأسد: "كيف تم تعذيبك؟"!
مصرف سوريا المركزي... من هنا تنطلق ورشة التعافي
2024-12-13 10:55:44


مع اندلاع الحرب في سوريا عام 2011 وما رافق ذلك من تدهور اقتصادي وفقدان الليرة السورية أكثر من 90 في المئة من قيمتها، أتت العقوبات الدولية لتضع المصرف المركزي السوري في عزلة عن النظام المالي العالمي، ما قوّض قدرته على إدارة الاحتياطيات الأجنبية.
من هنا لا بد من انطلاق قطار الإصلاحات في سوريا من البنك المركزي السوري وتحديداً من خلال ترسيخ استقلاليته عن التدخل السياسي وتحديث إطاره القانوني لتمكينه من رسم سياسيات نقدية سليمة من شأنها تحقيق الاستقرار للعملة الوطنية ومكافحة التضخم واستعادة الإنخراط في النظام المالي العالمي والامتثال للمعايير الدولية.تاريخ مصرف سوريا المركزييُعد مصرف سوريا المركزي (CBS) أحد الأعمدة الرئيسية للنظام النقدي السوري، حيث تأسس عام 1953 بموجب المرسوم التشريعي رقم 87، وبدأ عملياته رسميًا في عام 1956. على مدار العقود، لعب المصرف دورًا حاسمًا في إدارة السياسة النقدية وتنظيم القطاع المصرفي. ومع ذلك، واجه المصرف تحديات كبيرة نتيجة الصراعات الداخلية والعقوبات الدولية، مما قوض فعاليته. ومع انهيار النظام الحالي، يظهر الأمل في إعادة بناء المصرف ليكون محور التعافي الاقتصادي لسوريا.
بدأ مصرف سوريا المركزي كمؤسسة تُشرف على السياسة النقدية وإصدار العملة الوطنية. تطورت أدواره بشكل كبير مع إصدار قانون النقد الأساسي رقم 23 لعام 2002، الذي مثّل نقطة تحول في تحديث الأطر التنظيمية والإدارية. شملت هذه التحسينات إدخال تقنيات مصرفية حديثة وتحسين الكفاءة والشفافية، مما عزز دور المصرف في دعم الاقتصاد السوري.
مع اندلاع النزاع في سوريا عام 2011، تدهور الاقتصاد السوري بشكل كبير. أصبح مصرف سوريا المركزي أداة في يد النظام لدعم بقائه، مما قوض استقلاليته ومصداقيته. أدى هذا التغيير إلى تفاقم التضخم المفرط وانهيار العملة السورية، حيث فقدت الليرة أكثر من 90 في المئة من قيمتها مقابل الدولار بحلول عام 2024، وتعثرت محاولات توحيد أسعار الصرف وتصنيف الحسابات الراكدة (التعميم 4385/16/ص) التي لم تكن فعالة إلى حد كبير. كذلك، فشلت المراسيم التشريعية رقم 5 و6 لعام 2024، التي شددت الرقابة على استخدام العملات الأجنبية، في معالجة الأسباب الجذرية لعدم الاستقرار النقدي، مما أدى إلى تآكل الثقة العامة.
بالتزامن، ساهمت العقوبات الدولية في عزلة المصرف، مما زاد من صعوبة الوصول إلى الأسواق المالية العالمية. فقد فرضت وزارة الخزانة الأمريكية في عام 2020 عقوبات على مصرف سوريا المركزي، مما جعله معزولاً عن النظام المالي العالمي. أثرت هذه العقوبات بشكل كبير على قدرة المصرف على إدارة الاحتياطيات الأجنبية وتنظيم التدفقات النقدية.
وفي ظل هذه الظروف، ومع انهيار الاقتصاد، أصبحت الحوالات من المغتربين السوريين مصدر دخل حيويًا، وشريان حياة للأسر السورية، رغم ارتفاع تكاليف تحويلها واعتماد الكثيرين على قنوات غير رسمية مثل شبكات الحوالة. في عام 2024، شهدت ممرات الحوالات مثل الأردن-سوريا، والسعودية-سوريا نشاطًا ملحوظًا رغم ارتفاع تكاليف المعاملات، بحيث بلغت تكلفة إرسال 200 دولار من الأردن إلى سوريا في المتوسط 9.75 في المئة، بينما بلغت من السعودية 16.16 في المئة.إعادة بناء سوريامع خروج سوريا من ظل النظام المنهار، يقف مصرف سوريا المركزي في صميم احتمالات الانتعاش الاقتصادي للبلاد. يمكن لمصرف سوريا المركزي، إذا أعيد تأهيله وإصلاحه بشكل جذري، أن يكون حجر الزاوية للاستقرار النقدي والمالي والمصرفي، وإعادة الاندماج المالي العالمي.استقلالية مصرف سوريا المركزييبدأ إحياء مصرف سوريا المركزي بضمان استقلاليته عن التدخلات السياسية، ليتمكن من صياغة وتنفيذ سياسات نقدية فعّالة. تشمل الخطوات الرئيسية:- الإصلاحات القانونية من خلال تحديث الإطار القانوني لضمان استقلالية مصرف سوريا المركزي، وحماية قراراته من الضغوط السياسية، وتشكيل لجنة سياسة نقدية مكوّنة من خبراء مستقلين لتوجيه عملية صنع القرار.- التعاون مع المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي (IMF)، والبنك الدولي، وبنك التسويات الدولية (BIS) لتعزيز المساءلة والامتثال لأفضل الممارسات العالمية.استعادة الإستقرار النقديبعد انهيار النظام السوري، يصبح من الضروري التحضير لاعتماد نظام صرف يحقق الاستقرار النقدي والاقتصادي، وذلك من خلال دراسة معمقة لتحديد التوجه الأنسب. ويجب أن يكون هذا القرار من اختصاص المصرف السوري المركزي حصراً، باعتباره كياناً مستقلاً وسيادياً، لضمان اتخاذ التوجه الأمثل بما يخدم المصلحة الوطنية بعيداً عن أي تدخلات خارجية.
مع الإشارة الى ان تحقيق الاستقرار النقدي يتطلب ممارسة سياسات تقليدية وغير تقليدية بهدف تحقيق استقرار الليرة السورية (SYP)، وكبح التضخم من خلال اعتماد سياسات مالية منضبطة واستخدام أدوات نقدية للتحكم في التضخم، الذي يُعد محركًا رئيسيًا لعدم الاستقرار الاقتصادي، وإعادة بناء احتياطيات العملات الأجنبية من خلال تنويع مصادر الإيرادات، بما في ذلك الحوالات والمساعدات الدولية والاحتياطيات الأجنبية.إعادة الاندماج في النظام المالي العالميإعادة ربط النظام المالي السوري بالنظام المالي العالمي أمر حيوي للتعافي المستدام، وطلب رفع العقوبات بعد زوال سببها. يتطلب ذلك الامتثال للمعايير الدولية واستعادة الثقة:- الامتثال لمعايير مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب (AML/CFT) من خلال وضع أطار قانوني متكامل لتنفيذ تدابير صارمة لمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب تماشيًا مع المعايير العالمية.- استعادة العلاقات مع المصارف المراسلة لتسهيل المعاملات الدولية.- الحصول على دعم أقليمي ودولي فني ومالي من المؤسسات متعددة الأطراف لإعادة بناء البنية التحتية للأنظمة المالية والمصرفية وتفعيلها والاستفادة من قدرات المغتربين السوريين.تحسين إدارة الحوالات: شريان الحياة للتعافيتُعد الحوالات المالية من المغتربين السوريين مصدرًا حيويًا للنقد الأجنبي، وبالامكان تعزيزها من خلال:
- خفض التكاليف وتشجيع المنافسة بين مشغلي تحويل الأموال لخفض رسوم المعاملات.- تعزيز القنوات الرسمية وتقديم حوافز لاستخدام القنوات المصرفية الرسمية لزيادة الشفافية والأمان.- الاستفادة من المنصات الرقمية وتطوير أنظمة دفع رقمية سهلة الاستخدام لزيادرة تدفقات الحوالات.تبني التحول الرقمييتطلب تحديث القطاع المالي السوري الاستثمار في التكنولوجيا الرقمية، ووضع مصرف سوريا المركزي في طليعة الابتكار:
- العملة الرقمية للبنك المركزي(CBDC) : دراسة جدوى إطلاق عملة رقمية لتحسين تنفيذ السياسات النقدية وتعزيز الشمول المالي في سوريا، لاسيما أمام الواقع الحالي والتوزيع الجغرافي.- الخدمات المصرفية عبر الهاتف المحمول: توسيع خدمات المصرفية عبر الهاتف المحمول لزيادة الوصول إلى المواطنين المحرومين.- تطوير البنية التحتية: الاستثمار في أنظمة تقنية آمنة وفعّالة وقابلة للتوسع لدعم الخدمات المصرفية والحلول الدفعية الرقمية.استعادة الثقة والشفافيةإعادة بناء الثقة في مصرف سوريا المركزي أمر ضروري لثقة الجمهور والمستثمرين. بحيث يجب أن تكون هذه الشفافية والمساءلة أساس لجميع الإصلاحات، من خلال تقديم:
- نشر تقارير دورية عن السياسات النقدية، والاحتياطيات، والرؤية المستقبلية Forward Guidance.- تعزيز نظام تأمين الودائع لحماية المدخرات واستعادة الثقة في النظام المصرفي.- إجراء عمليات تدقيق خارجية منتظمة ومستقلة لضمان الالتزام بالمعايير والممارسات الدولية.رؤية لتعافٍ مستدامتتركز الآمال بأن يؤسس مصرف سوريا المركزي دورًا محوريًا في نهضة الأمة السورية والعربية بعد سنوات من المعاناة والتحديات. وكما ناضل الشعب السوري من أجل حريته واستعادة سيادته، فإن هذا النضال يجب أن ينعكس على جميع مؤسسات الدولة، وعلى رأسها مصرف سوريا المركزي، ليكون رمزًا للسيادة والاستقلال، وقادرًا على اتخاذ قراراته بمعزل عن أي ضغوط داخلية أو خارجية، ملتزمًا بسياسات نقدية شفافة وفعالة تخدم الشعب وتلبي تطلعاته.
إن الاستقلال المؤسسي، وضمان الاستقرار النقدي، إلى جانب الشراكات الدولية والإصلاحات الشاملة في التحول الرقمي وإدارة الحوالات، تشكل ركائز أساسية لاستعادة الثقة في الاقتصاد الوطني. هذه الركائز يمكن أن تعيد سوريا إلى النظام المالي العالمي، وتُمهد الطريق لمرونة اقتصادية تجعل الشعب السوري شريكًا في بناء مستقبل وطنه.
في مسيرة إعادة الإعمار، يمكن لتحول مصرف سوريا المركزي أن يكون رمزًا للأمل ودليلًا على قوة المؤسسات في تحقيق التنمية المستدامة وتعزيز التعاون الدولي. قد يكون الطريق مليئًا بالتحديات، لكن برؤية واضحة والتزام راسخ، يمكن لسوريا أن تؤسس لاقتصاد مستدام يلبي احتياجات أبنائها ويعكس طموحاتهم في حياة كريمة ومستقبل مشرق.


المدن



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top