سلوى النعيمي
لم يعرف النظام البائد من القضية الا "فرع فلسطين " المخابراتي
أحمد بيضون
بالعنف الساحق وبالاحتلال، بوسائل العدوان المختلفة، تجتهد إسرائيل في القضاء على الجيش السوري: على ما بقي منه بالأحرى، بعد أن كان الحكم الأسديّ (وهو، بالدرجةِ الأولى، نسيج طائفيّ من أجهزة المخابرات المتراكبة والمتداخلة) قد جعله عبرةً لمن اعتبر. تجتهد إسرائيل في الإجراء العنيف لحلّ الجيش على غِرارِ ما كان الاحتلال الأميركيّ وحلفاؤه، في أوّل عهده، قد أجراه بقرارٍ إداريّ في العراق. وهو الإجراء الذي سهّل تمزيق العراق على النحو الذي كان البطش الصدّاميّ قد مهّد له السُبُل والذي لا يزال العراق يعاني نوباته إلى اليوم.
ينتظر السوريّون، بطبيعةِ الحال، وننتظرُ معهم مواجهة الحكم الجديد لهذا السَعْيِ العدواني، وهي مواجهةٌ منوطةٌ برؤيته لمستقبل سوريا ولموقعها في هذا الشرق.
رشا عمران
شيئان أحب أن أنوه لهما.
اولا: تحرير سوريا لا ينسب لفرد او لفصيل. من حرر سوريا هو تراكم نضالات السوريين منذ زمن طويل ضد الاستبداد، هم ثوار ٢٠١١ وهم الشباب الثوري الذي نقل قضية سوريا من محفل دولي لآخر. هم المنظمات السورية المدنية التي لا يعرفها أحد والتي تعمل مع الداخل منذ سنوات طوبلة. هم شهداء الثورة ومعتقلوها، هم من كتب عن الثورة ومن غتى لها ومن وثق كل أحداثها بكل أنواع الفنون. هم المنشقون عن الجيش والأمن والنظام حماية لشعبهم. هم أصدقاؤها الذين آمنو بها وبنا وظلوا معنا ومعها حتى لحظة التحرير. هم الصامدون في الداخل ممن كاتوا يعملون خفية من أجل أن لا تنتهي حكاية الثورة. هذا التراكم كله هو من حرر سوريا لا فصيل عسكري لديه في تاريخه ارتكابات بحق الثوار السوريبن لم يعتذر عنها حتى وسلمت سوريا له في مرحلة نتمنى أن تكون قصيرة كي لا يحصل ما لا يحمد عقباه.
ثانيا: هناك طابور خامس يروج ويلفق ويفبرك على السوشال ميديا أخبارا وفيديوهات وأحداثا وصورا تهدف الى شيء واحد فقط هو التحريض المتواصل والاستفزاز الطائفي يتزامن هذا مع محاولات الهيئة جعل هذا الوقت يمر بسلام(وهو ما يحسب لها) ريثما يتمكن السوريون من انجاز عقد اجتماعي جدبد أساسه العدالة الانتقالية التي تحاسب كل مرتكبي الجرائم وتطمئن الجميع. أما التطمينات التي يقوم بها شخص واحد لرجال طوائف. فهذا سلوك لا يمت لسياسة دولة حديثة بصلة. هذا سلوك زعماء عشائر وسوريا ليست عشيرة. سورية دولة لا يمثلها رجال الدين بل هم جزء منها. عاشت سوريا حرة.
ياسين الحاج صالح
بعد 54 عاماً من طغيان أسري وسلالي، حكم بالاعتقال والتعذيب والمذابح، سورية الجديدة لا يمكن ان تكون أسدية بلا أسد، أو بأسد إسلامي سني، يتبدل فيها العلم والإيديولوجية الرسمية ومظهر الحكام وألقابهم، ويبقى الناس أتباعاً بلا حقوق سياسة وحريات عامة، بما فيها حرية الاعتقاد الديني. من شأن ذلك أن يكون خيانة لسورية وكفاح السوريين خلال جيلين ونيف، ودخولاً في طريق مسدود سلفاً، نهايته الانهيار الاجتماعي والسياسي والاقتصادي.
سورية مجتمع يضج بتعدديته المتعددة المستويات، والتعددية السياسية وحدها ما يمكن أن تصون وحدته.
المواطنة المتساوية والحريات العامة ونظام حكم تمثيلي وأوسع مشاركة سياسية للسوريين، هي ما افتقدنا لعقود، وهي ما نتطلع إليه اليوم مع هذا البداية الجديدة المفعمة بالتحديات.
عدنان بوريني
لكن، تمحو ما قبلها
ليس من حق أحد أن يحتكر المعاناة، ولا أن يجبر قضايا الآخرين ومعاناتهم على العبور من تحت قنطرة بابه، وإن كنا ككل لسنا آخرين بين بعضنا البعض.
لم يكن الأسد وأبيه يوما حماة لحدود فلسطين-هذا أمر لا نكتشفه اليوم-، ولا حماة لبيوت السوريين، وكلنا ندرك بيت الرعب الذي كان كائنا هناك، كنا ندركه من أول زيارة تعسر فيها دخولنا لأن صديقا معنا لديه تشابه أسماء فكان مخيرا بين مزاج الضابط (بالدخول أو العودة) أو السجن أو 50 دولاراً توضع بالجيب. وكنا ندركه من قصص الناجين واليوم نتيقنه من
قصص الذين لم يحالفهم الحظ.
من حقنا جميعاً أن نتساءل ونحلل ونقول ونتشاءم أو نتفاءل لكن.
أي عبارات استدراكية للحديث عن مستقبل سوريا مبنية على الخوف من المجهول هي مشبوهة أو تعبر عن توهان أولئك الذين يحاولون القفز برشاقة بين المراكب الصاعدة إلى الموجة الأعلى آنيا.
لا يوجد أساسا مجهول أسوأ من الذي نعيشه منذ عقود..
سيف الرحبي
أضحى ما يشبه البداهة أن أنظمة الانقلابات العسكرية أكثر من غيرها بجانب سحق وتفكيك البُنى الاجتماعية والروابط الأهلية التي تشد عَصَب المجتمع ومكوناته في سياق وطني واجتماعي واحد، وإنْ كان ثمة عناصر من الخصائص والفروقات لكل جماعة في النسيج العام، وتسحق المنجزات التي سبقت الانقلابيين من اقتصادية وحدوداً معينة من حرية فكرية صحافية وعامة، بجانب هذا تأتي القضية الفلسطينية كرافعةٍ رئيس من روافع أعمدة الحكم الطغياني ليضفي إجماعها العربي الإسلامي الذي يصل في الوعي العامّ حد القداسة ليعطي النظام الجديد شرعية في نسق شعاراته الكبرى التي يتبين بالممارسة الفعلية نقيضها الفظ على طول العقود والسنين. ولا تشذ قضية الشعب الفلسطيني عن هذا السياق لهذه الأنظمة بل بمثابة المركز فيه وفي مقدمتها النظام الأسدي يتوحد بها إعلاما وخطابا ظاهريا حد التطرف ويعمل في الواقع والممارسة تدميرا وتفتيتا وتقسيما بين أطرافها ويصل لاحقا إلى الإبادة المسلحة المباشرة كما حصل في مخيم (تل الزعتر) في لبنان وما بعده الكثير الكثير. هذا المخيم الواقع بين أحياء مسيحية في بيروت يسيطر عليها حزب الكتائب اللبنانية المنادي بترحيل الفلسطينيين من لبنان آنذاك ولم يستطع كسر إرادة مقاتلي المخيم حتى دخل الجيش الأسدي وظل أياما وأسابيع عديدة يقصف المخيم بأعتى الأسلحة والراجمات وأحدثها بحيث ارتكب إبادة كاملة الأوصاف والفظاعات. كتاب الزميل والصديق د. محمد العلي من فسطينيي لبنان بعنوان (تل الزعتر) الذي بذل فيه جهداً بحثيا واستقصائياً مضنيا عبر الوثائق وشهود العيان، يعطي صورة وافية عن تلك المجزرة. وما أعقبها حين انسحبت منظمة التحرير الفلسطينية وقيادتها بعد الغزو الصهيوني الشامل برا وبحرا وجوا الذي أطبق على لبنان من كل الجهات. دافع الفلسطينيون وحلفاؤهم في الحركة الوطنية اللبنانية بقيادة كمال جنبلاط ورموز الحركة ببسالة نادرة في حين أن جيش النظام لم يطلق رصاصة على ما يبدو ضمن اتفاق مسبق كالعادة مع دولة العدو رغم أن العدو حطم كل قواعده في البقاع!؟... تلك المعركة المفصلية التي وجه فيها العقيد القذافي نداء إلى كل الفلسطينيين بلبنان بأن يقاتلوا حتى آخر فرد منهم، أي انتحار جماعي هو الأكثر فداحة في التاريخ المعاصر يتبعه منطقيا انتحار لبناني حتى آخر فرد بالضرورة. وبعد انسحاب الفلسطينيين حفاظاً على البلد الذي استضافهم من التدمير شرعت قوات النظام الساقط مع حلفائها في تدمير قواعد المنظمات وتوسيع المجازر الجماعية في المخيمات من بيروت حتى طرابلس وهذه وقائع مشهودة.
وذات فترة تسلل أربعة فدائيين عبر الجبهة السورية المتاخمة لإسرائيل وهي بمسافة أكثر طولا من كل جهات دول الطوق، كانت أعين العَسس الأسدي وكاميراته بالغة اليقظة فقُبض على الشبان وشُنقوا وعُلّقوا أياما في (ساحة المرجة) وسط دمشق عبرة لمن لا يعتبر. ولا تسل عن المؤامرات التي خاضها النظام لتفتيت عناصر الثورة الفلسطينية وزرع الفرقة والشقاق... وذات يوم إبان الغزو الصهيوني إياه كنتُ مع الصديق الناقد والمترجم الفلسطيني يوسف سامي اليوسف في مخيم اليرموك، حين دخل أخوه (أبو النور) وكان قائدا لفصيل في منظمة (فتح) كبرى المنظمات الفلسطينية عددا وعدّة، حين أخبرنا أن المخابرات السورية على الحدود لا هم لها إلا إهانة الفلسطينيين الذاهبين إلى قتال العدو بالكلام المهين الذي يصل حد الضرب وقصص أخرى منها حين يؤتى بالشهداء من لبنان لدفنهم بالمخيم يفرض الأمن طوقا على المشيعين والجنازات.
كان حافظ الأسد وفق ما يروى يقول لمقربيه من الرؤساء والحكام، إذا أردتم أن تحكموا فاتركوا قضية فلسطين على لسانكم دائما. طبعا لتعطي شرعية لمن لا شرعية له في الحكم والقيادة والتاريخ...
وهكذا مضت هذه الأنظمة في علاقتها بالقضية الفلسطينية وفي مقدمتها النظام الأسدي وذلك التبجح والتخوين الذي ينثرونه بسخاء على المختلفين معهم حين وراء الأكمة ما وراءها.
والاستخلاص الذي ليس بحاجة إلى جهد أن الأسد إثر تربّعه على سدة السلطة الكلية كأنما جاء مبرما صفقة مع قوى النفوذ العالمي والصهيوني حول تدمير القضية الفلسطينية ولبنان لاحقا عبر احتلاله وإذلاله، كل هذا معطوفاً على السحق والذبح الأساس للسوريين بشرًا تاريخًا حياةً وطبيعةً حيث جف نهر بردى والأنهار الأخرى والمنابع وتصحّرت الأرض السورية بعد محاولة تصحير النفوس والإرادات التي ظلت على وتر الحياة والحلم رغم التصفيات والأهوال.
أي كارثة سيرويها التاريخ حلّت بسوريا والمنطقة؟ بحيث صارت شعوب في المنطقة العربية تفاضل بين هذه الأنظمة كاستعمار واحتلال داخلي أكثر فتكا واستئصالا لإنسانية الإنسان من الخارجي الموصوف. يالمفارقات التاريخ وسخريته ومكره. وما دمنا في القضية الفلسطينية فلا أحد يتفوق على نظام الأسد وأشباهه العرب إلا نظام الوليّ الفقيه بإيران الذي صارت القضية الفلسطينية الأولى بالنسبة له ومصدر حيويةٍ واندفاعٍ في (تفتيت المُفَتَّت) وتمزيق المُمزَّق، خالقا ميليشياته وأنيابه التي حلَّت محل بعض الدول في بلدانها. لقد تفوق الولائيون على أشباههم العرب بشكل ساحق في تحويل قضية الشعب الفلسطيني المحقة أيما استحقاقٍ إلى بازار واستثمار خاص.
إنهم ملوك السجاد العجمي في نسيجه المتقن لهَذَر الشعارات و الخطاب.
لكن كل ذلك على ما يبدو في طريقه إلى الزوال بإذن الله.