2024- 12 - 12   |   بحث في الموقع  
logo في حضرة عذابات سوريا...فلنصمتْ logo إنتخابات رئاسية من دون أسماء.. وجعجع يجسّ النبض!.. غسان ريفي logo ملامح سوريا المقبلة.. مرحلة انتقالية وكانتونات واحتكار الدولة للسلاح logo قلب العروبة يخفق في الدوحة: سوريا! logo سوريا وتحديات الوحدة الداخلية.. لمواجهة مشروع "بريمر" الإسرائيلي logo خريطة طريق من أجل تسوية العلاقات اللبنانية-السورية logo بالفيديو: كيف نتجنّب الدولارات المزورة؟ logo هذا ما تبلغه بري من “اللجنة الخماسية”
في حضرة عذابات سوريا...فلنصمتْ
2024-12-12 02:26:21

أقلّ الممكن في هذه اللحظة التاريخيّة الفارقة، أن نحترم عذابات السوريين (وعذابات كلّ من نكّل بهم نظام البعث السوري من أيّ جنسيّة كانت) وأن نصمت قليلاً. أو ربما طويلاً. نحتاج إلى وقت طويل أمام رهبة كلّ هذه العذابات والآلام وفقدان الصواب والتنكيل.صمت مضاعف. واحد لأجل احترام سوريا، والآخر لأجلنا نحن. لأجل التكفير عن ذنبنا. ما ذنبنا نحن المتفرجين منذ عقود على أحوال بلادنا؟ ذنبنا أننا تفرّجنا، أننا لم نكن ذاك السوري في السجن أو المعتقل أو المَطهَر أو الجحيم أو حفرة الوأد أو الحرق أو في خيمة لجوء أو على شاطئ يلفظ جثث الفارّين أو في قارب يغرق أو كرسي يُحرق أو كرسي مكهرب... ذنبنا أنّنا عشنا إلى جانب آخرين قالوا إنّ استبداد الطاغية شأن داخليّ خاصّ وتفاصيل لا ثقل لها أمام القضايا الأيديولوجية الكبرى!أقلّ المرجوّ أن نصمت. صمت حاف. لا هدف له إلا الصمت أوّلاً. لئلا يشوّش على صرخات المحرّرين من المعتقلات، على صراخ العائدين إلى أهلهم، على نداءات الشكر والحمد، على أنهار دموعٍ لا تُكفكف من بلاد اللجوء والمنافي إلى المخيّمات المجاورة إلى الوطن الأمّ بذاته. إن لم نصمت في حضرة كل هذه الدموع، فمتى نفعل؟صمت لاستيعاب الصدمة. لاستيعاب التراجيديا العظمى التي هبّت على عقولنا دفعة واحدة. في أيّام قليلة، احتشدت سنوات من الفظائع تُعجِز اللغة، فما بالنا بالتحليلات والاستنتاجات والفذلكات والتنظيرات والشماتة المسبقة أحياناً؟ ألا يمكن تأجيلها؟ إن توجّب علينا قول شيء، فهو أن نعتذر. حقّك علينا يا سوريا، لم نعرف يوماً كيف يمكننا أن نردّ لك حقّك، لكنّه سيبقى في أعناقنا. حقّك علينا يا مدن سوريا وقُراها وأريافها ومقاماتها وأديرتها وشواطئها وجبالها وحدائقها وصحراءها... لن أذكر أسماء الأماكن لئلا أنسى اسماً. فالقلب لن يتحمّل ندماً، آخر وإن على سهو بسيط.حقّك علينا ولا بدّ أن نعيده لك. حقّ أهلك، ضحايا الاستبداد الشرس في عصرنا، أن نصمت الآن، ألا نتوعّدك بالندم، ألا نخوّفك من الغد، ألا نستبصر بحذاقة ونقول إن الأسوأ آتٍ. أي أسوأ؟مجازر الكيماوي؟ قنابل النيترات؟ مذابح السارين؟ أمطار البراميل المتفجّرة؟ إهداء الجولان للمحتلّ؟ حماية سلام وسكينة الحدود مع المحتلّ؟ استجداء محتلّ مجاور بجيشه وعتاده؟ استجلاب محتلّ غير مجاور بقاعدته الحربية وأسطوله؟ إخفاء مئات الآلاف قسرياً؟ تعذيب مئات الآلاف -أطفال نساء رجال شيوخ- حتّى الموت؟ تشريد نصف الشعب؟ تأجيج النعرة الطائفية؟ توطين أجانب على أساس طائفي؟ تخريب الخريطة الديموغرافية أيضاً على أساس طائفي؟ نهب ثروات الوطن كلّها من أصغر قطعة أثرية إلى أكبر حقل نفطي؟ إطعام المعارضين لأُسود حدائق السادة أصحاب السلطة؟ سحق إنسانية الإنسان؟ اغتصاب السجناء؟ تذويب جثثهم بالأسيد؟ طمرهم بالملح؟ كبسهم في مكبس يعصر دماءهم بتؤدة نحو مصرف أحمر وتحوّل أجسادهم إلى رقائق؟ تنفيذ أجندة محتلّ يضع قناع حليف؟ إعاقة الآلاف والتسبّب بجنون آلاف آخرين؟ إعدامات جماعية مصوّرة؟ إحراق جماعي في حُفر- أيضاً مصوّر؟ دفن الأحياء بعد تلاوة شهادة ألا إله إلا الرئيس؟ إحراق البلد لأجل الرئيس؟ تحويل جيش الوطن إلى مستودع لخردة جيوش أخرى؟تعايرون السوريين وقد تحرّر بلدهم من رئيس، بأنهم مرتهنون للخارج. فعلاً؟ والرئيس ليس مرتهناً؟ لم يكن في حماية جيش دولة عظمى وأسطولها، وحماية آخر غير نظامي وثالث ورابع؟ هل كان ليبقى رئيساً من دون الخارج؟ من دون قواعدهم العسكرية وجيوشهم وأساطيلهم؟تخشون الإسلاميين؟ من لا يخشى من التطرّف؟! جميعنا نفعل. لكن هل كانت هذه البقعة من العالم يوماً غير طائفية؟ هل خلت من التطرّف الديني؟ هل من جديد تحت الشمس؟ نعم الجديد هو أن الجميع هناك، في سوريا، يستطيع الآن أن يرى الشمس – باستثناء المفقودين وأسرى السجون التي لا تُعرف لها خرائط أو أبواب بعد، والذين ينتظرون إخراجهم. الشعب السوري منذ لحظة الثورة الأولى قبل 13 عاماً قال: "يا الله ما إلنا غيرك يا الله". هل التدين اكتشاف مباغت؟ وهل أنّ الشعب الذي ناضل لأجل سقوط مستبدّ علويّ سيعجز أمام مستبدّ سنّي أو العكس؟نعم الأمر لم ينته. لعلّه بدأ. وهم قالوا لكم منذ البداية: "الشعب السوري عارف طريقه". لا تهدّدوه بالندم وتعايروه بتجارب الثورات المجاورة. ليس لأجله فقط، بل لأجلكم. فإن كنتم لم تتنبهوا بعد: هذا حدث تاريخي عظيم. لا يشهد التاريخ سقوط نظام استبدادي كلّ يوم، ولا كلّ سنة ولا حتّى كلّ عقد. معاصرة سقوط الطغاة لا مثيل لها. ليس ممكناً أن نسأل عن هذا من شهدوا سقوط فرانكو أو سقوط موسوليني أو نيرون... كان ذلك في فصول أخرى من تاريخنا. فصول فاتتنا. من فاته أن يشارك السوريين في تحرّرهم، ولا يشعر بأنّ تحرّرهم يعنيه وينتظر أن يشمت بهم، لن ينفعه إلّا معطف يدفّئه، فالصقيع يقضم الجسد والروح، إن عثر، بالخطأ، عليها.


المدن



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top