قال الرئيس نبيه بري قبل ايام إن سليمان فرنجية عماد المرشحين لرئاسة الجمهورية. وقال رئيس القوت اللبنانية اثناء حواره مع أحد نجوم البرامج الحوارية التلفزيونية إننا نحتاج اإلى رئيس قوي، فأجابه النجم "اذن لماذا لا تترشح انت"، وضحك الإثنان ضحكة ملؤها الرضا، وسمعنا تصفيق الحضور في الخلفية. وأمس التقى الزعيم الفلاني مع تجمع نيابي رباعي يضم في عضويته مرشحين للرئاسة للبحث في الانتخابات. واللجنة الخماسية وغيرها من السفراء، يبحثون نيابة عنا في اختيار رئيسنا، ويقومون بغربلة الأسماء من خلال مشاورات مع الزعماء اللبنانيين...الخ. أما نحن المواطنون، فهل علينا السمع والطاعة، لكوننا بلا صوت وبلا رأي، كأننا كتلة صماء غير مرئية في عيون أصحاب الرأي وأصحاب الحل والعقد؟
لقد سقط نظام الأسد منذ أيام قليلة، وهو النظام الذي يمثل أجلى تمثيل لمبدأ الطاعة، الذي جعل من سجن صيدنايا نموذجاً لنظامه السياسي ولمؤسسات الدولة والسلطة. وهذا النموذج "الصيدياني" معتمد في لبنان أيضا في الممارسة السياسية وفي آليات صناعة السياسة وفرض الانصياع، وفرض الطاعة العمياء لها بدءا من الترسيم البحري واتفاق وقف الاعمال العسكرية بين حزب الله وإسرائيل، مرورا بانفجار المرفأ. كل ذلك حصل تحت شعار لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، وفرض ما قرره أصحاب الرأي منفردين على عموم الناس. والان يراد القفز عن كل المتغيرات التي حصلت في لبنان وفي الإقليم والعالم، والتصرف كأن شيئا لم يكن، وكأن الميدان لم يقل كلمته بعد.لا لرئيس ميليشياويولكن ماذا لو قلنا رأينا مثلا في من يفترض أن يكون رئيساً للبنانيين جميعاً، أي رئيسنا نحن أيضا: المواطنون غير المرئيين؟ واذا كنا لا نستطيع التأمل بأن يكون لنا رئيس وحكومة كاملي الاوصاف ويعبران عن كامل طموحاتنا، فنحن نكتفي ببعض البديهيات التي لا خلاف عليها لكون اللبنانيين، ولكون التطورات السياسية والميدانية قد حسمتها خلال السنوات القليلة الأخيرة.
مثلا، ما رأيكم أن نقول إنه في عصرنا، لا يمكن القبول برئيس للجمهورية مستواه التعليمي دون المستوى الجامعي. فهل في ذلك تعجيز او كفر؟
وماذا لو قلنا إنه بعد تجربة الطائف منذ 1990/1989، أننا لا نقبل برئيس له تاريخ او حاضر او مستقبل ميليشياوي. هل يحق لنا ذلك مثلا ام لا؟
وفي ضوء كل ما حصل ويحصل اليوم، هل يحق لنا أن نقول إننا لا نريد رئيساً كان أو لا يزال ملتحقاً بمحاور إقليمية بشكل تبعي، لم يجلب لنا سوى القهر والغنائمية وتعطيل المؤسسات؟
هل يحق لنا أن نقول إننا لن نقبل بأي رئيس عليه شبهة في المشاركة أو الإهمال او التغطية على المجرمين في انفجار المرفأ؟ وهل في ذلك أي مبالغة غير واقعية؟ادعاء العصمة والجدارةوهل يجب مثلا أن ننسى أن الشعب اللبناني – وهناك إجماع على ذلك – قد انتفض في 17 تشرين 2019 ضد من ساهموا في افلاس البلد وسرقة تعب اللبنانيين، وأننا لن نقبل برئيس ساهم او غطى او تغاضى عن فظائع أصحاب المصارف ولا عن المستببين بالافلاس مثلا، ومن يشبههم؟
وفي السياسة هل يجب أن نتجاهل أن الشعب اللبناني في تشرين 2019 قد أسقط التسوية الرئاسية المشؤومة التي أتت بميشال عون رئيسا بشكل غير دستوري، واسقط بالمعنى السياسي أيضا من كان شريكا فيها، وانه من المعيب أن يفكر أي طرف شارك في هذه التسوية في أن يدعى لنفسه العصمة والجدارة لكي يطرح نفسه رئيساً للجمهورية، أو رئيساً للحكومة أو أن يطرح نفسها صانعاً للرؤساء؟
ويمكن للقائمة أيضا لتشمل من فرط بالسيادة اللبنانية في الترسيم البحري وتبرع للإسرائيليين بمياه لبنان الإقليمية وثرواته؛ ومن شن الحروب وفاوض ووافق على اتفاق الإذعان الأخير لصالح إسرائيل، بما في ذلك رئيس الحكومة والوزراء الذي وافقوا دون معرفة ودون اطلاع ودون رأي، والذين امتنعوا عن أي مبادرة سابقة للحؤول دون الوصول إلى هذه النتيجة، ودون ابداء أي ملاحظة ودية للمتفردين بإطلاق الحرب وانهائها في غير مصلحة لبنان في الحالتين. وما زالوا يمتنعون عن اتخاذ أي خطوات جدية للتأسيس للخروج من الوضع الناجم عن الحرب، وأزمة السنوات الماضية.
ليس كثيرا علينا، ولا غير واقعي، أن نقول انتخبوا رئيساً وشكلوا حكومة (لأن الامر لا يتعلق بانتخاب الرئيس فقط)، مع احترام هذه اللاءات البديهية، ولكن حرية التحرك في ما عداها.