2024- 12 - 25   |   بحث في الموقع  
logo استغل نزوح سكان راشيا الفخار في الحرب وهذا ما فعله.. قوى الأمن بالمرصاد logo البطريرك الراعي في عظة قداس الميلاد: ميلاد المسيح حدث تاريخيّ ذو مضمون لاهوتيّ logo البطريرك روفائيل بيدروس: الرجوع إلى انتمائنا وإلى وطنيتِنا رمز الانتماء logo زاخاروفا: نظام كييف يهدد الغرب logo بالفيديو: قتيل واصابات بانفجار في مركز تجاري جنوبي روسيا logo مقتل متظاهر ورجال أمن بتظاهرات الساحل السوري:المقطع المسرب قديم logo أبرشيّة أنطلياس المارونيّة: الأبرشيّة لا توافق على الطريقة التي اعتمدها الكاهن logo ماذا يجري في الناقورة؟ هذه آخر المعلومات
كيف نقتل الأسد وندفنه...ثم نكرر ذلك!
2024-12-10 01:25:41

رغم بعض الكتابات التي تشكّك في أحقية السوريين جميعاً بالفرح، نجزم بأن معظم الذين كانوا خائفين من التغيير "قبل أسبوعين لا أكثر" فرحوا بحدوثه؛ فرحوا بسقوط الأسد. لا نستبعد أن يكونوا هم أنفسهم قد فوجئوا بفرحتهم، واكتشفوا أنهم صادقون جداً بها، بخلاف أي مشكك فيهم يحيل انقلابهم إلى محض انتهازية رخيصة. التغيير السريع المفاجئ ساعد بالتأكيد أولئك الخائفين، وحتى الموالين منهم، على الانقلاب بسلاسة تُجاري الواقع، فالسقوط السريع السلس للأسد منع حتى الآن تحقق أسوأ المخاوف.هنا سبب آخر وجيه للفرحة المشتركة العابرة لعداوات السوريين؛ لقد نجونا معاً من سيناريو دموي جداً لسقوط من لا يستحق هذا الثمن، ولا يستحق بالطبع الأثمان الباهظة جداً التي دفعناها من قبل. ومهما قيل عن تفاهمات دولية ساهمت في تفادي السيناريو الأسوأ فهي وحدها غير كافية، وليست معبِّرة عن توق السوريين للخلاص على النحو الذي عبّر عنه وزير خارجية إيران قبل يومين؛ من التلفزيون الرسمي الإيراني قال عباس عراقجي إن "الجيش السوري لم يكن لديه الدافع للمواجهة".كانت كلمة محمد الجلالي، آخر رئيس وزراء في عهد الأسد، والتي أعلن فيها استعداده لتسليم السلطة، بمثابة التأكيد الأخير الحاسم على سقوط الأسد، لتشتعل الفرحة الكبرى. ومن المرجّح أن الفرحة منعت معظمنا من الانتباه إلى الرجل الذي ألقى الكلمة، الرجل الذي لا يعرفه كُثر، ومن المرجّح أن الباقين كانوا ينظرون إليه كأي إمّعة من أتباع الأسد. بفعل الحرية، ظهر الجلالي "الذي لا نعرفه" شخصاً مناسباً للّحظة، قال ما يصلح أن يُقال بلا فذلكات تفصح عن عته لغوي على شاكلة خطابات بشار الأسد. وكأنّ الجلالي، بفعل لحظة الحرية ذاتها، تحلّى بمواصفات المسؤول كما يجب أن يكون.ولحظة الفرح المشتركة، المستحقة للمشتركين فيها، لا تنسينا الاختلافات بينهم، وبعضها قديم وبعضها سينكشف في وقت قد لا يطول. ما يجدر الاحتفاظ به من هذا اللحظة هي القلوب الحارة. يعرف الذين كتبوا ويكتبون في السياسة بإحساس بالمسؤولية أن القاعدة الذهبية هي: الحفاظ على قلب حار ورأس بارد. سنحتاج، نحن السوريين، إلى تذكُّرَ هذا للإبقاء على الجذوة التي في القلب، كي تكون دافعاً لمواصلة العمل في ظرف استثنائي لن يكون على الإطلاق سهلاً. وأصعب ما قد يواجهنا جميعاً هو العكس تماماً، أي أصحاب الرؤوس الحامية الذين بقلوب باردة أو ميتة.بسبب ما هو معروف جيداً عن فظائع الماضي القريب ومرتكبيها، ستكون حرارة القلوب ضرورية للحفاظ على السعي إلى العدالة، وستكون معها الرؤوس الباردة ضمانة لعدم الانزلاق إلى عمليات انتقام وثأر، فرغم التلهّف للعدالة يجب التفكير والاقتناع بأن طريقها يمرّ حتماً عبر سلطة تحظى باعتراف سوري، وعبر محاكم خاصة تناسب الحالة السورية. ونعلم أنه سيكون من الصعب جداً الاقتناع بشرطين، شرط القوانين التي بطبيعتها نسبية وأدنى من حلم العدالة، وشرط الرحمة التي هي أعلى وأولى من العدل.في انتظار السلطة "غير الاستثنائية"، المناط بها النظر في التركة الثقيلة للماضي، السوريون مطالبون اليوم بمهمة عسيرة حقاً، وهي الخروج من عقلية الحكم المركزي التي كان تفرض عليهم عدم المبادرة في الشأن العام، و"تعفيهم" تالياً من التفكير فيه. الإحساس بالمسؤولية العامة يجب أن نتدرب عليه للتو، بدءاً من الانتباه إلى أثر الكلمة. اليوم، بسبب الظروف الاستثنائية، تمسّ الحاجة إلى تنظيمات مدنية تطوعية، تعتمد على القادرين الذين يحظون بثقة ومقبولية اجتماعية، من أجل بناء شبكات أمان محلية تساعد السلطة الجديدة مؤقتاً.ثم، أبعد مما سبق، ستكون التجربة تمريناً عاماً على الإمساك بالشأن العام، وعدم تركه مستباحاً كي تحتكره أي سلطة مقبلة. من الضروري أن تؤخذ المبادرة سريعاً كي لا يُعاد تكريس حكم شديد المركزية، لأن أي حكم من هذا القبيل سيؤدي إلى الديكتاتورية، حتى إذا أتى عبر صناديق الاقتراع وعبر شعارات الديموقراطية. ومن الضروري أن يخرج سوريون، كانوا في الأمس منقسمين بين موالاة ومعارضة، من هواجسهم المشتركة التي تخيفهم من أن تكون اللامركزية توطئة للتقسيم، فتقسيم سوريا لن يكون إلا بموجب إعادة رسم خريطة المنطقة كلها، وهو ما لا يحدث حالياً.الإمساك بالشأن العام من قاعدة الهرم هو مدخل للديموقراطية بمعناها الأوسع، وأيضاً المدخل للممارسة الديموقراطية بوصفها تداولاً بين سلطة ومعارضة. وهذا تعويض ملحّ عن عقود من منع السياسة في سوريا، ومن التضييق على النشاط السياسي ليبقى في إطار الرأي من دون أي ممارسة مجتمعية. المتخوّفون من السلطة الجديدة هم أولى من غيرهم بالمبادرة إلى تشكيل تنظيمات تمنع استفرادها بالساحة، وهي مسؤولية جماعية لأن الجميع سيكونون ضحايا السلطة المطلقة، وكي لا يُستغفل السوريون مرة أخرى من قبل استبداد جديد.لم يمت بشار الأسد، بالأحرى لم يُقتل على النحو الذي لاقاه القذافي في بدايات الربيع العربي. وبخلاف من تمنّوا له مصيراً مشابهاً، فما حدث ربما هو أفضل السيناريوهات، إذ كان لتحصُّنِه وأخيه في دمشق أن يتسبب بدمارها وبحمامات من الدم. قهر السوريين يجعلهم أشبه بالحكاية المتداولة عن رجل ذهب طالباً مقابلة الحجاج يوم وفاته، فقال له الحارس: الحجاج مات. فذهب الرجل مراراً وعاد ليسأل الحارس في كل مرة، ليقول له الحارس أخيراً: ألا تفهم! قلت لك: الحجاج مات. فيجيب الرجل: أعلم، لكني أستمتع بسماع الخبر.اليوم ثمة سوريون يصدّقون خبر سقوط الأسد، ثم يعودون إلى عدم تصديقه ليستمتعوا بإعادة تصديقهم له كل مرة. ولنكون صريحين، هناك مَن كانوا، بسبب القهر الشديد والمديد، يتوقون إلى قتله مراراً وتكراراً كحال ذلك الرجل الذي راح يستمتع بخبر موت الحجاج. ومن المؤكد أن هذا، على قسوته، يستمد تبريره من المجازر التي ارتكبها بشار الأسد، ومن تلك التي ارتكبها أبوه وعمه من قبل.لدى السوريين مخزون ضخم جداً من القهر والغضب، ما يجعلهم محقّين في أقسى رغباتهم تجاه مَن تسبب في ما وصلوا إليه. ولن يكون على سبيل تزيين الواقع القولُ أن تصريف الغضب في اتجاه إيجابي هو الأفضل، والمسار الأفضل لهم هو الشروع في امتلاك سوريا التي سُرقت منهم، امتلاكها عبر السياسة، وما يوصل إليها أو يتفرع منها في الفضاء العام. واقعياً، هذا هو السبيل الواقعي رغم وعورته، وبهذه الطريقة يستطيعون قتل الأسد مرة تلو الأخرى، حتى يصبح منسياً تماماً.


المدن



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top