رغم التحفظ والقلق وحالة الفوضى التي يعيشونها، أبدى قاطنو الساحل السوري التزاماً كبيراً بالقرارات الصادرة عن غرفة عمليات "ردع العدوان"، وإعلانها فرض حظر للتجوال في محافظتي اللاذقية وطرطوس، بعد ساعات من دخولها المنطقة وإعلان سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، مع تصاعد الدعوات المنادية بطي صفحة الحرب والتلاحم الوطني.
وطالب المتحدث باسم مشايخ الطائفة العلوية في سوريا محمد مهيوب، المعارضة السورية بإصدار عفو عام يطال جميع أطياف الشعب السوري ومكوناته، وضمانات كافية لعودة النازحين واللاجئين إلى منازلهم، والتأكيد على حصر السلاح بيد الدولة الجديدة.
ويأتي بيان شيوخ الطائفة بعد دخول الفصائل العسكرية إلى المدن الساحلية وإعلان تحريرها دون قتال، سعياً منها لتبديد مخاوف الأهالي من أعمال انتقامية ضد أبناء الطائفة وغيرهم من قاطني الساحل المحليين والوافدين إليها.
ومع بدء الفصائل العسكرية عملية "ردع العدوان"، شكل الساحل وجهة رئيسية للنازحين والفارين من بيوتهم بحثاً عن ملاذ آمن، وبالتحديد الفارين من حمص وحماة ودمشق، من الموالين للنظام أو المنخرطين في أجهزته الأمنية والعسكرية من مختلف الطوائف، الذين دفعهم الخوف من تقدم المعارضة إلى المغادرة.
وسبق أن قدمت فصائل "ردع العدوان" الأمان لعناصر الجيش السوري وميليشياته فور تركهم السلاح، وضمان حياة الأهالي في منازلهم وداخل دور العبادة، وإقرارها بملاحقة ومحاسبة حاملي السلاح من غير القوة العسكرية والأمنية، والتشديد على عدم انتشار المظاهر المسلحة داخل المناطق السكنية.
وفي حي المزة 86 في دمشق، ظهر قيادي من غرفة عمليات "ردع العدوان" في تسجيل مصور يخاطب سكان الحي من الطائفية العلوية الذين لم يتمكنوا من مغادرة العاصمة، مقدماً تطمينات لهم.
الوضع في الساحل السوري
لكن ورغم دعوات الصلح، تبدو مخاوف السكان أعمق من مجرد بيانات وقرارات التي يجري المطالبة بإصدارها، في ظل انتشار السلاح المتفلت، بعد تسليم مئات العناصر أسلحتهم للمدنيين قبل فرارهم، إضافة إلى انتشار الخلايا التي لا تزال تدين بالولاء للأسد بين الأهالي، وهي أمور تجعل من المنطقة بيئة لانتشار الفوضى والصراع المسلح.
ويخشى المدنيون تحولهم إلى بيادق لافتعال حوادث العنف تحت مسمى الطائفية والعمليات الانتقامية، في ظل انتشار بعض الجيوب التي يتحصن داخلها عناصر المليشيات وأقارب عائلة الأسد في مدينة القرداحة، بريف اللاذقية، ووجود مجموعات سورية كانت تتبع لحزب الله في عدد من القرى الحدودية مع لبنان، في ريفي طرطوس وحمص.
وبدأت الفصائل حصار مدينة القرداحة مسقط رأس عائلة الأسد، منذ مساء الأحد، بعد استقدامها تعزيزات عسكرية من مدينتي اللاذقية وطرطوس، ما شكل مخاوف من تعنت عناصر المليشيات ورفضهم تسليم أنفسهم وأسلحتهم.
لكن مساء الاثنين، أصدر وجهاء مدينة القرداحة، مسقط رأس حافظ السد، بياناً مماثلاً أكدوا فيه التزامهم بمحددات سوريا الجديدة التي أعلنت عنها إدارة العمليات العسكرية، ما يشي بانتهاء هذا الملف.
وبحسب مصادر خاصة لـ"المدن"، لا تزال بعض القرى لإي ريفي طرطوس وحمص، إلى جانب القرداحة، خارج سيطرة الفصائل العسكرية، ومنها قرية زيتا في ريف مدينة القصير، على الحدود السورية-اللبنانية، وعدد من المزارع والقرى المحاذية لها، حيث تنتشر مجموعات تابعة لحزب الله مع أسرهم في المنطقة.
وتؤكد المصادر أن معظم الأسر تفترش العراء، بينما تمكن عدد قليل منها من تأمين خيام نصبوها على الشريط الحدودي، بانتظار إيفاء الحزب بوعده بتسهيل دخولهم إلى الأراضي اللبنانية، فور الانتهاء من عملية "إعادة التجميع الداخلي".
البعض يواجه مخاوفه
لكن وعلى الجانب المقابل، فقد بدأت عشرات الأسر النازحة إلى الساحل السوري بتفكيك خيامها التي كانوا قد نصبوها على الشريط الحدودي مع لبنان، قبل نحو أسبوعين، بعد وصول الفصائل العسكرية إلى المنطقة وتقديمهم تطمينات بحفظ سلامتهم وتأمين إيصالهم إلى قراهم.
وبحسب العديد ممن تواصلت معهم "المدن" في الساحل السوري، ومنهم "نهلة" وهي نازحة رفقة والدتها وشقيقاتها الأربع من قرية كفر عبد، في ريف حمص، إلى الحدود السورية اللبنانية، فقد فوجئ النازحون من طريقة تعاطي المسلحين معهم، وأسلوبهم "اللائق" بالتعامل معهم وتقديمهم الخبز والطعام الجاهز للأهالي، بحسب تعبيرها.
وتقول نهلة لـ"المدن"، إن "عدداٌ من المسلحين وقفوا بجوار الخيمة وطلبوا الإذن بالحديث إلينا، وبعد تقديمهم الطعام والماء والخبز، أكدوا على أن صفحة الماضي قد طوت بسقوط بشار، وأن سوريا الجديدة للجميع".
وتضيف "بعد مغادرة العناصر الذين أبلغونا بوجودهم داخل القرية لحفظ الأمن وتلبية احتياجات السكان، بدأت بعض الأسر بتفكيك خيامها والتوجه إلى مدينة طرطوس، خصوصاً وأن الوضع في المخيم لا يحتمل، ما دفعنا للضغط على والدتي المتخوفة جداً للمغادرة باتجاه مركز المدينة".
بينما أكدت "سلمى"، النازحة من قرية مصياف، في ريف حماة، إلى العاصمة دمشق، موافقة والدها الذي غادر إلى العراق رفقة مقاتلي حركة النجباء، على عودتهم إلى المنزل، بعد أسبوعين من العيش داخل حسينية قرب مقام السيدة زينب، في ريف العاصمة.
وتؤكد سلمى أن "المسلحين لم يتعرضوا لأحد بأي أذى أو يقتحموا الحسينيات والجوامع في المنطقة، رغم معرفتهم المسبقة بانتمائنا المذهبي، حيث يعيش داخل الحسينيات عشرات الأسر من النساء والأطفال من مختلف المدن".
ومع ذلك لم تخفِ كل من نهلة أو سلمى وغيرهما ممن استطاعت "المدن" التواصل معهم، خشيتهم من ظهور حوادث انتقامية أو تعرضهم للمضايقات والأذى في حال عودتهم إلى منازلهم وقراهم المحاطة بالمناطق التي ثارت على النظام السابق، الأمر الذي تؤكد السلطة الجديدة اتخاذها كل التدابير اللازمة لمنعه.