ما لم تحققه المعارضة السورية المسلحة خلال 13 عاما، حققته صفقة دولية لم تتضح كل معالمها بعد بظرف 13 يوما. فسقطت المحافظات السورية الواحدة تلو الاخرى بيد المعارضة وصولا الى سقوط نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد ليل السبت – الأحد. تطورات دراماتيكية كبرى تشهدها سوريا ومعها كل المنطقة التي تبدو مصدومة من تسارع الاحداث منذ ايلول الماضي وحتى يومنا هذا. ما يضعنا امام سؤال كبير:»هل نتجه الى تسوية كبرى او فوضى عارمة؟»
ما هو مؤكد حتى الساعة ان النفوذ الايراني يتراجع في المنطقة على حساب نفوذ اميركي- تركي من دون ان يتضح الدور العربي في هذه المرحلة ولا موقف موسكو الحقيقي من كل ما يحصل.
الموقف الروسي – الايراني
ففيما تردد ان اتفاقا تم التوصل اليه بين «أطراف أستانا»، روسيا وايران وتركيا قضى بالترتيبات التي شهدتها سوريا بالساعات الماضية ولحظ ابقاء مناطق السّاحل السّوري راهنا وبالتحديد طرطوس واللاذقية، مناطق آمنة للمسؤولين السوريين مع تعهد عدم دخول الفصائل المسلحة اليها، أعلنت وزارة الخارجية الروسية انها تتابع الأحداث «المأسوية في سوريا بقلق بالغ»، مشيرةً إلى أنّ «نتيجة للمفاوضات بين الرئيس السوري بشار الأسد وعدد من أفرقاء النزاع المسلح في سوريا، قرر الأسد ترك منصبه ووجه بنقل السلطة سلميا وغادر البلاد». وأكدت الوزارة أن روسيا لم تشارك في هذه المفاوضات.
وفيما حاول الرئيس الاميركي الجديد المنتخب دونالد ترامب الايحاء بأنه استغرب ما حصل في سوريا، معتبرا ان «سقوط الأسد أمر مدهش لأنه بقي لسنوات في ظل ظروف أكثر سوءاً وفجأة بدأ المتمردون الاستيلاء على مساحات كبيرة»، أكدت وزارة الخارجية الإيرانية أن «طهران مستمرة في دعم الآليات الدولية، وبخاصة قرار مجلس الأمن 2254 لمواصلة العملية السياسية في سوريا»، واشارت الى ان «مصير سوريا هو مسؤولية الشعب السوري وحده ويجب أن يتحدد دون فرض أجنبي أو تدخل هدام».
اسرائيل تتمدد
ولعل التطور الابرز بعد سقوط النظام السوري كان اعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو انهيار اتفاق «فض الاشتباك» لعام 1974 مع سوريا بشأن الجولان، وأنه أمر الجيش بـ «الاستيلاء» على المنطقة العازلة حيث تنتشر قوات الأمم المتحدة.
ولفت نتانياهو، الى أن «سقوط نظام الأسد يخلق فرصا جديدة ومهمة جدا لإسرائيل، لكن الأمر ليس خاليا من المخاطر». وقالت القناة 12 الإسرائيلية ان قوات إسرائيلية دخلت إلى عمق 14 كلم في الأراضي السورية، فيما أفادت هيئة البث الإسرائيلية ان «إسرائيل قصفت مركز البحوث العلمية في دمشق حيث تدار برامج أسلحة كيميائية وصواريخ باليستية».
وأكد وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس إن قرارا اتخذ في وقت سابق أمس الأحد، بنشر قوات للجيش في منطقة عازلة تخضع لرقابة الأمم المتحدة على الحدود مع سوريا في إطار خطة لضمان حماية كل الإسرائيليين الذين يقطنون هضبة الجولان.
مشهد خطير
ونبهت مصادر لبنانية واسعة الاطلاع الى خطورة المشهد، معتبرة ان «المنطقة ومنذ اغتيال الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله دخلت منعطفا خطرا، واليوم مع سقوط النظام في سوريا وعدم اتضاح ما سيرسو عليه الوضع هناك دخلنا منعطفا اخطر»، لافتة في تصريح لـ «الديار» الى انه «لا لبس ان هناك صفقة دولية ادت الى عملية تسلم وتسليم بدأت في حلب ووصلت الى دمشق بحيث لم تسجل اي معركة حقيقية طوال الايام الـ13 الماضية، لكن ما هو غير معلوم حتى الساعة ما اذا كانت هناك تفاهمات حول من سيحكم سوريا ووفق اي دستور واي دور سيكون لهيئة تحرير الشام ومحمد الجولاني؟ ما مصير المنطقة الكردية وهل تتجه سوريا الى التقسيم؟»
واعتبرت المصادر انه «في ظل كل هذه المعمعة، لا يبدو واضحا كيف سيكون انعكاس ما يحصل على لبنان، وما اذا كانت اسرائيل سلتزم بما ورد بقرار وقف النار بعد انتهاء مهلة الستين يوما، ام ستتمسك بالبقاء في المناطق التي تحتلها راهنا».
مرحلة انتقالية؟
وكانت وزارة الخارجية السورية بعد سقوط النظام اعتبرت أنّ «اليوم، تُكتب صفحة جديدة في تاريخ سوريا، لتدشّن عهدًا وميثاقًا وطنيًّا يجمع كلمة السّوريّين، يوحّدهم ولا يفرّقهم، من أجل بناء وطن واحد يسوده العدل والمساواة، ويتمتّع فيه الجميع بكل الحقوق والواجبات، بعيدًا عن الرّأي الواحد؛ وتكون المواطنة هي الأساس». وأعلنت الوزارة في بيان، «أنّها وبعثاتها الديبلوماسيّة في الخارج ستبقى على عهدها بخدمة الاخوة المواطنين كافّة، وتسيير أمورهم، انطلاقًا من الأمانة الّتي تحملها في تمثيل الشّعب السّوري، وأنّ الوطن يبقى هو الأسمى».
وتحدث رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية في الخارج هادي البحرة لـ «رويترز» على هامش منتدى الدوحة أمس، عن ان «سوريا يجب أن تشهد فترة انتقالية مدتها 18 شهرا لتوفير بيئة آمنة ومحايدة وهادئة من أجل إجراء انتخابات حرة». ورأى البحرة انه يتعين وضع مسودة دستور خلال ستة أشهر، ستكون أول انتخابات تجرى بموجبه استفتاء عليه. وأضاف «الدستور سيحدد ما إذا كانت سوريا ستتبع نظاما برلمانيا أو رئاسيا أو مختلطا، وعلى هذا الأساس ستجرى الانتخابات ويختار الشعب زعيمه». وأوضح ان «المعارضة طلبت من موظفي الدولة الاستمرار في الذهاب إلى أعمالهم لحين انتقال السلطة وأكدت لهم أنهم لن يتعرضوا لأي أذى».
تدابير استثنائية في لبنان
اما في لبنان، فقد ظل الترقب الحذر سيد الموقف فيما كثفت كل الأجهزة الامنية اجراءاتها في الداخل وعلى الحدود. وقالت قيادة الجيش اللبناني – مديريّة التّوجيه، في بيان، أنّ «في ظلّ التّطوّرات المتسارعة والظّروف الدّقيقة الّتي تمرّ بها المنطقة، تتابع قيادة الجيش الوضع على الحدود وفي الدّاخل، منعًا لأيّ تهديد للسّلم الأهلي». واشارت المديرية الى انه «تم تعزيز الوحدات المكلّفة مراقبة الحدود الشّماليّة والشّرقيّة وضبطها، بالتّزامن مع تشديد إجراءات المراقبة، كما تنفّذ الوحدات المنتشرة على مساحة لبنان تدابير استثنائيّة لحفظ الأمن وحماية السّلم الأهلي».
وتابع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الاوضاع الامنية في البلاد، ولا سيما على الحدود مع سوريا، في خلال اتصال مع قائد الجيش العماد جوزيف عون وقادة الاجهزة الامنية.
وشدد رئيس الحكومة» في خلال هذه الاتصالات على أولوية التشدد في ضبط الوضع الحدودي والنأي بلبنان عن تداعيات المستجدات في سوريا».
كما دعا رئيس الحكومة» اللبنانيين على اختلاف انتماءاتهم الى التحلي بالحكمة والابتعاد عن الانفعالات، خصوصا في هذا الوقت الدقيق الذي يمر به وطننا».
واجرى رئيس الحكومة ايضا اتصالا بالامين العام لمجلس الوزراء القاضي محمود مكية وطلب منه التواصل مع «الهيئة الوطنيّة للمفقودين والمخفيين قسراً في لبنان» التي تم إنشاؤها بموجب القانون105 /2018 الخاص بالمفقودين والمخفيين قسراً، ومع لجنة معالجة قضية اللبنانيين المعتقلين في سوريا المؤلفة بموجب القرار رقم 2005/43.
وشدد رئيس الحكومة «على وضع كل الامكانات المتوافرة والتواصل مع الجهات المعنية في ضوء الافراج عن مئات السجناء من السجون السورية».
وعلى الاثر ومن جهته، اتصل الامين العام لمجلس الوزراء بالهيئة واللجنة، وطلب منهم الاجتماع بصورة عاجلة لاجراء الترتيبات اللازمة لمتابعة الملف. وتبلغ ان الهيئة واللجنة ستجتمعان في الساعات المقبلة.