دخلت سورية مع رحيل الرئيس بشار الأسد لاجئاً سياسياً إلى موسكو في ظروف وملابسات لم تتضح كلها حول تسوية تم التوافق عليها في اجتماعات الدوحة التي ضمت دول مسار أستانة روسيا وإيران وتركيا، ثم اجتماعاً ضمّ ثلاثية أستانة مع خمس دول عربية هي مصر والسعودية والعراق وقطر والأردن، وشهدت كل من حمص ودمشق ترجمة توافقات الدوحة عبر انسحاب قوات الجيش السوري قبيل تقدّم الجماعات المسلّحة نحوها.
الحدث وقع بحجم زلزال هزّ المنطقة، وسط صورة ضبابية حول مستقبل سورية، التي خرجت منها إيران وخرج منها حزب الله وخسرت معها المقاومة عمقاً استراتيجياً تاريخياً مثّلته سورية، رغم بلوغ المقاومة مرحلة الاكتفاء الذاتي التسليحيّ بما تصنّعه، بينما بدت روسيا التي حافظت على قواعدها في الساحل السوري أقرب إلى رهينة لضمانات تركية لا يعلم أحد درجة صدقها من جهة، والقدرة على الوفاء بها مع تبلور صورة الحكم الجديد في دمشق من جهة موازية، خصوصاً أن التأثيرات الأميركية والإسرائيلية بدت واضحة على السياق الذي سوف تتبلور معه صورة الحكم الجديد.
في شمال سورية ليست تركيا لاعباً وحيداً ذلك أن الأميركي يؤكد مواصلة الدعم لقوات سورية الديمقراطية، وكذلك كيان الاحتلال الذي تحدّث عن خصوصية شمالية للأكراد وخصوصية جنوبية درزية، ترجمها حضور رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو إلى خط فصل القوات المعتمد منذ عام 1974 معلناً انتهاء العمل به، مصدراً الأوامر لقوّاته بالدخول الى القمة الأهم استراتيجياً في جبل الشيخ والتوسّع في المنطقة العازلة وتسيير دوريات في جنوب سورية نحو درعا والسويداء، بينما كانت طائرات الاحتلال تشنّ عشرات الغارات لتدمير قدرات استراتيجيّة للجيش السوري في دمشق وريفها.
في المنطقة قلق من زلزال الشرق الأوسط الجديد الذي بدأ من سورية، ويستشعر عدد من دول المنطقة الخطر من هزاته الارتداديّة، سواء في الخليج الذي يجاهر بالقلق من ظواهر الإسلام السياسيّ، أو الأردن الذي يخشى من مشروع تهجير فلسطينييّ الضفة الغربية ومشروع الوطن البديل بلافتة إسلامية، أو مصر التي تُبدي قلقاً من انتعاش خلايا الأخوان المسلمين، وصولاً إلى العراق ولبنان والخشية من استنهاض العصبيات المذهبيّة.
وأمس تابع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي «الأوضاع الأمنية في البلاد، ولا سيما على الحدود مع سورية، باتصالات مع قائد الجيش العماد جوزيف عون وقادة الأجهزة الأمنية».
وشدّد ميقاتي في هذه الاتصالات على “أولوية التشدد في ضبط الوضع الحدودي والنأي بلبنان عن تداعيات المستجدات في سورية”، داعيًا اللبنانيين على اختلاف انتماءاتهم الى “التحلي بالحكمة والابتعاد عن الانفعالات، خصوصاً في هذا الوقت الدقيق الذي يمر به وطننا”.
وأشارت رئاسة الوزراء إلى أنّ “رئيس الحكومة أجرى ايضا اتصالاً بالأمين العام لمجلس الوزراء القاضي محمود مكية، وطلب منه التواصل مع “الهيئة الوطنيّة للمفقودين والمخفيين قسراً في لبنان” التي تمّ إنشاؤها بموجب القانون 105 /2018 الخاص بالمفقودين والمخفيين قسراً، ومع لجنة معالجة قضية اللبنانيين المعتقلين في سورية المؤلفة بموجب القرار رقم ٢٠٠٥/٤٣. وشدد على وضع كل الإمكانات المتوافرة والتواصل مع الجهات المعنية في ضوء الإفراج عن مئات السجناء من السجون السورية”.
وأوضحت أنّ “على الأثر ومن جهته، اتصل الأمين العام لمجلس الوزراء بالهيئة واللجنة، وطلب منهم الاجتماع بصورة عاجلة لإجراء الترتيبات اللازمة لمتابعة الملف. وتبلغ أن الهيئة واللجنة ستجتمعان في الساعات المقبلة”.
وأعلنت قيادة الجيش اللبناني مديريّة التّوجيه، في بيان، أنّ “في ظلّ التّطوّرات المتسارعة والظّروف الدّقيقة الّتي تمرّ بها المنطقة، تتابع قيادة الجيش الوضع على الحدود وفي الدّاخل، منعًا لأيّ تهديد للسّلم الأهلي”.
وأوضحت أنّ “في هذا السّياق، جرى تعزيز الوحدات المكلّفة مراقبة الحدود الشّماليّة والشّرقيّة وضبطها، بالتّزامن مع تشديد إجراءات المراقبة، كما تنفّذ الوحدات المنتشرة على مساحة لبنان تدابير استثنائيّة لحفظ الأمن وحماية السّلم الأهلي”.
أعلن المدير العام للأمن العام بالإنابة اللواء الياس البيسري، أن “معبر المصنع الوحيد الذي يعمل بشكلٍ طبيعي بين لبنان وسورية”، مشيراً إلى “أننا نقدّم تسهيلات للسوريّين الراغبين بالعودة إلى بلدهم، وما يحصل يصبّ في مصلحة حلّ أزمة النازحين”. وقال البيسري: “سمحنا للسوريّين الذين دخلوا خلسةً الى لبنان بالرجوع إلى بلدهم، ونشهد حركة مستمرّة في العودة”.
ولفت إلى أن “المعابر الشرعيّة لم تشهد عبوراً لعناصر من حزب الله من سورية إلى لبنان، وإن حصل الأمر يكون عبر معابر غير شرعيّة”.
وأضاف: “طلبنا من السوريّين مراراً معلومات عن المعتقلين اللبنانيّين في السجون السوريّة والمحاولة الأخيرة حصلت السبت، ولكن لم نتلقّ أجوبةً وسنعمل من جديد على الملفّ بدءاً من الغد (اليوم)”.
وأمس، تنادى مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة، ورئيس الحكومة الأسبق تمام سلام، إلى اجتماع عاجل في دار الفتوى، تباحثوا خلاله في أوضاع البلاد الداخلية وتلك المستجدّة. وتمّ التأكيد على ضرورة دعم الحكومة والوقوف إلى جانبها في مسعاها الأساس بالالتزام بتطبيق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701 بكل مندرجاته والقرارات الدولية ذات الصلة، والحرص على وقف إطلاق النار، والتمسّك بالجيش اللبناني والقوى الأمنية اللبنانية، والتشديد على تعزيز إمكانياتها وقدراتها وجهوزيتها للدفاع عن لبنان وعن سيادته على كل الأراضي اللبنانية، وفي تعزيز الأمن والاستقرار في الداخل اللبناني.
وتمّ التأكيد على أنّ لبنان لا يتخلّى عن سيادته وحماية أرضه ومواطنيه، ولا عن كرامة لبنان وعزّته ولن يتنازل عن أي شبرٍ من أراضيه، ويتمسَّك بنظامه الديمقراطي البرلماني القائم على الحرية والعيش المشترك الإسلامي – المسيحي. فلبنان لا يحتمل مغامراتٍ جديدةٍ بعد أن عانى الكثير من عواقب مغامراتٍ عديدةٍ سابقة.
وأشار المجتمعون إلى أن لبنان لن يقبل باستمرار العدو الإسرائيلي بانتهاك القرار 1701، ويرفض ويدين الانتهاكات والخروقات التي تقوم بها “إسرائيل” للأرض اللبنانية، وهدم المنازل والتعدي على اللبنانيين، ويحمِّل الدول التي رعت الترتيبات والتفاهمات الجديدة لوقف إطلاق النار مسؤولية عدم احترام هذا الاتفاق وإلزام إسرائيل بتطبيقه. وتم التأكيد على دور ومسؤولية الدولة في تحقيق ضبطٍ كاملٍ للحدود اللبنانية.
وناشد المجتمعون جميع اللبنانيين أن يتعاملوا مع هذا الحدث السوري المهم بحكمة ووعي شديدين، وأن لا ينجرفوا لأي نوع من أنواع ردات الفعل العاطفية او ان ينزلقوا الى دعوات مشبوهة متعصبة. فلبنان أثبت في محنته أنه متضامن مع بعضه بعضاً وفي الوقت عينه أن لبنان يتضامن مع الشعب السوري، لما فيه مصلحة الشعبين الشقيقين وتعزيز العلاقات بينهما والقائمة على الاحترام المتبادل. ودعا البيان مجلس النواب إلى القيام بدوره في إعادة تكوين السلطات الدستورية، بدءاً من انتخاب رئيس للجمهورية، ومن ثم تسمية رئيس مجلس الوزراء المكلف بتشكيل حكومة إنقاذ وطني، تكون قادرة وفاعلة ومتضامنة، وتعمل على وضع لبنان على طريق التعافي والنهوض الوطني والسياسي والاقتصادي والمالي والاجتماعي، ومحاربة الفساد، والحرص على التمسّك بالدستور، وحسن استكمال تطبيق اتفاق الطائف، وعودة جميع اللبنانيين بوحدتهم منتصرين إلى الدولة اللبنانية وبشروط الدولة اللبنانية، وإلى سلطتها الواحدة والموحّدة، الدولة القوية والراعية والعادلة، واستنهاض الدعم العربي والدولي لمساعدة لبنان بما يمكّنه من تأمين العودة الكريمة للنازحين اللبنانيين قسراً عن بلداتهم وقراهم، ودعم جهود الدولة اللبنانية في إعادة البناء والإعمار في المناطق المهدمة والمتضررة لإفشال مخططات العدو الإسرائيلي.
أكّد النّائب طوني فرنجيه، في تصريح، أنّ “الأولويّة في سورية هي لانتقال سلمي للسّلطة، يرسّخ استقرار البلاد، يحمي ويعزّز مؤسّسات الدّولة، مع ضمان حقوق جميع أبنائها على تنوعهم. لطالما كان استقرار لبنان مرتبطًا بشكل وثيق باستقرار سورية”.
وأكّد رئيس التّيّار الوطني الحر النّائب جبران باسيل، في تصريح، أنّ “ما يحصل في سورية يخصّ الشّعب السّوري، ونحن نأمل أن يكون لخير سورية ولبنان، وأن يؤدّي لعودة سريعة للنّازحين السّوريّين إلى بلادهم، ولعلاقات إيجابيّة ومتوازنة مع لبنان تحفظ سيادة البلدين، دون تدخّل أي منهما بشؤون الآخر”.
وشدّد البطريرك بشارة الراعي على ضرورة التوصّل إلى توافق وطني لتحقيق الاستحقاق الرئاسي مما يتيح انتظام عمل المؤسسات بعد فترة طويلة من الفراغ والانهيار الاقتصادي والمؤسسيّ ويساهم في تحقيق الإصلاحات وإعادة إعمار ما تهدّم بعد الحربٍ المدمِّرة التي عصفت بلبنان.
وأول أمس السبت، التقى وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان المبعوث الأميركي إلى لبنان أموس هوكشتاين على هامش منتدى الدوحة، وجرت خلال اللقاء، مناقشة التطورات الراهنة على الساحة اللبنانية، والجهود المبذولة بشأنها. يأتي اللقاء بعد قرار وقف إطلاق النار في لبنان وترقب جلسة مجلس النواب في 9 كانون الثاني المقبل من أجل انتخاب رئيس للجمهوريّة.
وأكد هوكشتاين أن “أمام لبنان فرصة لاستعادة البلاد من خلال العمل السياسي واختيار رئيس للدولة”.
ولفت هوكشتاين الى انه “كان لا بد من وجود اتفاق في لبنان يرتكز على القرار 1701 ويكون قابلاً للتنفيذ”، مضيفا :”لا أعتقد أنّنا قضينا على “حزب الله”، لكنّه ربما لا يكون قويًا بما يكفي لمهاجمة “إسرائيل “.
ورأى هوكشتاين ان “واشنطن بحاجة إلى تعزيز دعمها للجيش اللبناني وعلى الجميع فعل ذلك”.
ويوم السبت وافق مجلس الوزراء على “خطة انتشار الجيش في منطقة جنوب الليطاني”، وقد بدأ الجيش بإرسال قواته إلى الجنوب وهو بحاجة إلى عتاد وعديد وتجهيزات كثيرة، وقائد الجيش تحدّث خلال جلسة مجلس الوزراء التي عقدت في ثكنة بنوا بركات عن مساعدات ستصل إلى المؤسسة العسكرية قريباً.
واكد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أن “القرار 1701 الذي سيطبقه الجيش جنوب نهر الليطاني بالتعاون والتنسيق مع قوات اليونيفيل هو الأساس لوقف إطلاق النار وانسحاب العدو من أرضنا المحتلة، ونحن على بعد كيلومترات من منطقة العمليات المتواصلة لجيش العدو وخروقاته المتتالية للاتفاق كما أننا على مقربة من موقع اجتماعات اللجنة الأمنية المكلفة مراقبة تنفيذ الترتيبات التي تمّ التوافق عليها بضمانة أميركية وفرنسية”، مشدداً على أن “وجودنا اليوم في هذا الموقع بالذات يؤكد مجدداً موقفنا الداعم للجيش والتعاون مع قوات اليونيفيل”.
وطالب ميقاتي “المجتمع الدولي بالعمل الجاد والحاسم لوقف الخروقات المتمادية للعدو وانسحابه من الأراضي التي يحتلّها والإسهام الفعلي بتنفيذ وقف إطلاق النار والانتقال إلى وضعية الاستقرار الدائم المعزز بالكرامة والسيادة والحق”.
وأعلن وزير الإعلام زياد المكاري الذي تلا مقررات الجلسة أنه “ستتمّ إزالة الردميات وأنقاض المباني المدمّرة وتنظيف المساحات في الجنوب من القنابل العنقودية”، لافتاً الى ان “الجيش ينتشر على الحدود الشمالية والشرقية مع سورية ويتخذ الإجراءات المناسبة تزامناً مع الأحداث هناك”.
وأضاف: “الجيش سيحمي الحدود الشرقية والشمالية والكلام عن تلقي لبنان ضمانات من الجماعات المسلحة بعدم الدخول إلى أراضيه غير صحيح”.
وكشف أنه “وافقنا على مشروع قانون يرمي إلى إعادة بناء المساكن المهدّمة جرّاء الحرب”.