من البديهي أنْ تفرح شرائح كبيرة من الشعب السوري بسقوط النظام الذي حكمهم منذ ٥٤ عاماً، لحظة استيلاء حافظ الأسد على السلطة، لا بل منذ ٦١ عاماً إذا احتسبنا انقلاب البعث في ٨ آذار ١٩٦٣، قبل أن يتقاتل "الرفاق" في شوارع دمشق عام ١٩٦٦ بين جناحين، وتبدأ "اللجنة العسكرية" بالإنقسام تحت وطأة الطموحات السلطوية الجارفة. فلا طبيعة لشعبٍ ترغب بالتسلط الأمني، والمستحكِم في البنية السورية منذ تولي عبد الحميد السراج السلطة الفعلية خلال مرحلة الوحدة مع مصر الناصرية.
ومن البديهي أيضاً، أن يطرح إنهاء صفحة النظام السوري بهذا الإخراج الدولي - الإقليمي المُتقن، والسريع، أسئلة عن الغد. فسورياً، هناك تحديات إعادة البناء في مجتمع بالغ التنوع مذهبياً وقومياً، وطبقياً، وإنشاء سلطة جديدة على أسس الحرية الفعلية، والديموقراطية التعددية، لا التطرف، إضافة لكيفية الإستنهاض الإقتصادي. لكن الأهم، هو القدرة السورية الذاتية، على مواجهة نفوذ القوى الإقليمية والدولية، التي لم ترحم سوريا في السابق، لكنها تُطبِق عليها بشراسة اليوم، وأخطرها إسرائيل التي سارعت إلى احتلال المزيد من الأراضي وتدمير القدرات العسكرية السورية المؤذية لها.
وفي هذا الوقت، واصلت إدارة الوضع الناشئ توجيه رسائل الطمأنة إلى المكونات المسيحية والعلوية، وتابعت توجيه الوزارات والإدارات، فيما كانت الغارات الإسرائيلية تستبيح سوريا جواً وبرّاً.
أما التداعيات على لبنان، فتمثلت في ضغط نزوح جديد وكثيف على المصنع، تحاول الأجهزة المعنية تداركه.
لبنانياً، هناك من احتفل و"دبَك" حتى لو سبق واحتفل باقتحام الجيش السوري المنطقة الحرة عام ١٩٩٠. وهناك من بارك ولو استفاد من السلطة السورية السابقة على مدى عقود ليفصّل قوانين انتخاب على مقاسه ويحكم سيطرته على الموارد المالية. وهناك من يترقب حذِراً متوجساً.
لكن من يحق له وبكل فخر، أن يرفع رأسه دائماً، هو حالة وطنية سياسية إسمها التيار الوطني الحر. هذه الحالة، نادت بالسيادة الحقيقية واحتفلت في ٢٦ نيسان ٢٠٠٥، فكانت بعيدة عن "السيادة المقلوبة" التي انتهجها من استفاد من النظام ثم انقلب ولحق به ثأرياً إلى "باب الدار". وبهذه "السيادة المقلوبة"، سكتوا عن قضية المفقودين والمخفيين، وهاجموا النظام ولكن برروا احتلال أجزاء من أرض لبنان في خلال الحرب السورية، وغطوا الهجمات على أفراد الجيش اللبناني البطل.
هؤلاء، ينظرون إلى سوريا كوظيفة في خدمة سلطتهم، أما "التيار"، مؤسِّساً ورئيساً، فهو لا يرى سوريا إلا من خلال باب السيادة الوطنية، ويحفظُ بالتالي المصلحة اللبنانية لا غير، ولذلك كان دعا أمس الأحد إلى أنْ يكون الحدث السوري باباً لعودة النازحين، وبناء علاقات إيجابية ومتوازنة بين البلدين.
ومن هذا الفخر، والقناعة، والإيمان، يُطلِق رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل الموقف اللبناني الواضح، في مؤتمر صحافي غداً الثلثاء عصراً بعد اجتماع المجلس السياسي.