سبعة أشهرٍ مرّت على فضيحة "التيك توك"؛ حادثة استدراج واغتصاب عشرات الأطفال وتصويرهم وبيع المقاطع المصوّرة لدوافع ماليّة. لم تطوَ أوراق هذه الحادثة داخل القضاء اللبنانيّ، بل هي بانتظار القرار الظنيّ للقاضي نقولا منصور. وإن كانت تفاصيل هذه القضية تصنّف على أنها من أكبر الفضائح التي هزّت تفاصيلها المجتمع اللبنانيّ، إلا أن روائح "العفن" تفوح من داخل مكتب مكافحة جرائم المعلوماتيّة، المولج إليه ملاحقة ومتابعة كل الجرائم الإلكترونيّة وأعمال القرصنة وقضايا الإبتزاز، بعدما تبيّن أن أحد العناصر إبتزّ شابة مشهورة على تطبيق "تيك توك" بهدف الحصول على المال.ضحايا الإبتزازحقّق مستخدمو تطبيق "تيك توك" ملايين من الدولارات خلال السنوات الأخيرة، من خلال نشر المقاطع المصورة على التطبيق وحصد ملايين المشاهدات وتلقي الهدايا الماليّة عبر البث المباشر من قبل الداعمين، وتحوّل مئات الشبان والشابات لضحايا الإبتزاز من قبل الممولين المتوزعين على الأراضي اللبنانيّة وخارجها.
جذبت الشابة (إ.ح – 21 عامًا) ملايين المشاهدات على تطبيق "التيك توك" بمقاطعها المصورة، وحظيت بشعبية كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي، لكنها تورطت بعملية إبتزاز من قبل أحد الداعمين لصفحتها، بعد أن طلب منها تسليمه مقطع إباحيّ لها مقابل الحصول على مبلغ 20 ألف دولار أميركي، فوافقت وتسلّمت المبلغ، وبدأ بتهديدها بتسريب المقطع المصور في حال عدم إستعادة المبلغ بالكامل، فأرجعته، لكنه سرّب المقطع على تطبيق "تيك توك" وانتشر بين آلاف المتابعين.
ألغيب صفحات الشابة عن مواقع التواصل الاجتماعي، وانتشرت معلومات حول تعرضها للقتل على يد عمّها ودفنها في بعلبك، ليتبيّن لاحقًا أن كل المعلومات غير صحيحة والشابة لا زالت على قيد الحياة ولم تغادر الأراضي اللبنانيّة. وحسب مصادر "المدن" فقد لجأت لمكتب مكافحة جرائم المعلوماتيّة لمساعدتها والتخلّص من التهديدات، وملاحقة الممول المُتسبّب بتسريب المقطع المصوّر وانتشاره، إلا أن أحد العناصر المسؤول عن متابعة مجرى تحقيقات هذه القضية، وبعد استدعائها للمكتب للاستماع إليها، ومتابعة قضيتها، قام بسرقة محتواها الإلكترونيّ على "التيك توك" وبدأ بإبتزازها مقابل الحصول على المال!
بديهيًا، من المفترض أن تكون مهمة العناصر تأمين الحماية لكل من يتعرض لتهديد إلكترونيّ أو إبتزاز، لكن ما حصل كان مختلفًا تمامًا. لم تؤمن أي حماية للشابة، بل سُرق محتواها وتعرضت للتهديدٍ مرة أخرى!
وحسب مصادر أمنية لـ"المدن"، فإن تفاصيل هذه القضية قد فاحت داخل مكتب مكافحة جرائم المعلوماتيّة، وتدخلت مديرية قوى الامن الداخلي في هذه القضية وخضع العنصر لتحقيق موسع، وعوقب مسلكيًا، حيث أصدر قرار بنقله من مكتب مكافحة الجرائم المعلوماتيّة إلى شرطة بيروت، وبناء لإشارة قضائيّة من القاضي عماد سعيد، فإن التحقيق العدلي بانتظار كتاب من مصرف لبنان للتأكد من تلقي العنصر لمبالغ مالية من حساب الشابة المصرفيّ بهدف التوقف عن تهديدها.شكاوى ومخالفاتوبمعزلٍ عن أشكال العقوبات المسلكية، وعما إن كانت كافية لردعه عن تهديد أي ضحية أخرى بأساليب مختلفة، فما لا يمكن تجاوزه اليوم هي المخالفات التي ترتكب باستمرار داخل هذا المكتب الذي أنشئ في العام 2005، بعد أن ترأس اللواء أشرف ريفي المديرية، وكان الهدف منه تطوير مديرية قوى الامن الداخلي، ومواكبة التطور التكنولوجي، وألحق بعدها بقسم المباحث الجنائية الخاصة التابع للشرطة القضائية في المديرية العامة لقوى الامن الداخلي. ويضم مكتب مكافحة الجرائم المعلوماتيّة حوالى 45 عنصرًا وضابطًا، وأعطيت صلاحيات واسعة تجيز للمحقق لأي قضية أن يكون نفسه الخبير الفني (أو ما يُطلق عليه المُشغل). للتوضيح أكثر، لدى تلقى المكتب لأي قضية إبتزاز على سبيل المثال، تفتح التحقيقات، والعناصر التي تباشر بالتحقيق في قضية ما، هي أيضًا الخبيرة الفنية في القضية نفسها، الأمر الذي من شأنه أن يؤثر على مسار التحقيقات.
طيلة العقد الأخير، فضائح كثيرة كُشفت داخل المكتب، أكان لناحية تلفيق تهم العمالة، وانتقاء ملفات محددة من دون سواها، والعديد من الشكاوى من أصحاب الحق. والتساؤل الأهم هل الخلل يكمن في "تركيبة" هذا المكتب وفي آلية توزيع الضباط في أقسام مديرية قوى الأمن الداخلي؟ أم أن العقاب "المُخفف" لم يكن رادعًا لهم؟