تطور الأحداث في سوريا وتسارع سقوط نظام بشار الأسد يعطي الأمل لمئات آلاف العائلات السورية بالعودة إلى بلادهم. وقد نشهد في الأيام المقبلة مشاهد ازدحام الطرق بالنازحين السوريين العائدين إلى بلادهم، بما يشبه مشاهد عودة النازحين اللبنانيين العائدين إلى قراهم بعد وقف إطلاق النار. وهذا سيريح النازحين السوريين من بعض النزعات العنصرية التي عاشوها في لبنان، طوال السنوات السابقة. ويريح اللبنانيين من عبء النزوح السوري في ظل مأساتهم الكبيرة عقب انتهاء الحرب.مع توسع الحرب الإسرائيلية على لبنان ازدادت التصرفات العنصرية ضد النازحين السوريين، عندما أعطيت الأولوية للبناني للجوء إلى مراكز الإيواء. وتواصلت هذه النزعة بعد توقف الحرب عندما أعطيت الأولوية للبناني في استئجار البيوت. فمنذ توقف الحرب على لبنان يواجه النازحون السوريون الراغبون في العودة إلى مناطق نزوحهم السابقة في جنوب لبنان عقبات عدّة. فالبلديات التي احتضنتهم سابقاً منشغلة اليوم باستيعاب اللبنانيين الذين فقدوا بيوتهم بسبب الحرب، واتخذت إجراءات معلنة وغير معلنة لعدم تأجيرهم مساكن في نطاقها البلدي. أما الذين غادروا هرباً من الحرب إلى سوريا فإجراءات الأمن العام المشددة على المعابر الحدودية تُقيّد حركتهم لناحية منعهم من العودة إلى لبنان. لكن مع تسارع سقوط الأسد قد لا يحتاج هؤلاء النازحون العودة أصلاً.الأولوية للبنانيشهدت بلدة كفررمان في النبطية دمار 45 بيتاً بالكامل، دفعت البلدية إلى منع السوريين من العودة إلى البلدة. ويبرر رئيس البلدية هيثم بو زيد الأمر بالقول: "نحاول تأمين السكن لكل من فقد منزله، سواء من خلال تقديمات أو تأمين بيوت للإيجار. واتخذنا قراراً واضحاً: أي سوري لا يملك كفيلاً لبنانياً لن يُسمح له بالدخول إلى كفررمان. لهذا، خصصنا المنازل المتوفرة لأهالي البلدة أو المحيط الذين خسروا منازلهم". ويشير بو زيد إلى أن عدد السوريين في البلدة كان 10 آلاف، لكنه تقلص اليوم بشكل كبير بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية.في صور نفى نائب رئيس البلدية، صلاح صبراوي صدور أي قرار رسمي بمنع تأجير السوريين وإعطاء الأولوية للبناني. وبرر أن "أهالي المنطقة اتفقوا فيما بينهم على هذا التوجه، والبلدية تتبنى توجهات مماثلة، لكن المجلس البلدي لم يجتمع بعد لإصدار أي قرار رسمي".صور التي كانت تأوي نحو 50 ألف نازح سوري قبل الحرب، تشهد اليوم تغيراً كبيراً في تركيبتها السكانية. وفق تقديرات البلدية، تدمر نحو 50 مبنى بشكل كامل، ما زاد الضغط على الموارد والبنية التحتية، وجعل مسألة السكن قضية شائكة بين استيعاب النازحين السوريين وتلبية احتياجات السكان المحليين الذين فقدوا منازلهم.ليس من باب العنصرية!في بلدة الصرفند، التي طالتها نيران الحرب، بلغ عدد المباني المدمرة بالكامل 17 مبنى، بينما تضرر 14 مبنى آخر جزئياً. ومع هذا الدمار، توزع أهالي البلدة بين من لجأ إلى الأقارب أو من وجد مأوى مؤقتاً بين الأهل والجيران. وعلى الرغم من عدم صدور أي بيان رسمي من البلدية، إلا أن الأهالي تبادلوا رسائل لإعطاء الأولوية بالسكن لأهالي الجنوب وأبناء الصرفند، كما شرح رئيس بلديتها، علي خليفة.هذه الخطوة التي أقدم عليها أهالي الصرفند ليست بدافع عنصري، بل نتيجة الحاجة الملحة لإيواء السكان المحليين الذين فقدوا منازلهم، في ظل محدودية الموارد والخيارات المتاحة، كما يقول خليفة. ويشرح أنه قبل اندلاع الحرب كان يعيش في الصرفند نحو 4 آلاف سوري، معظمهم يعملون في مهن عدّة. أما اليوم فتقلص العدد بشكل كبير، ولم يبقَ منهم إلا حوالي 400 شخص، خاصة أن العديد من العائلات لم تتمكن من العودة بسبب الظروف الأمنية المستمرة في سوريا.الإجراءات غير المعلنة رسمياً بحق النازحين السوريين، لكن المطبقة على أرض الواقع تطال بلدات أخرى. أدت الحرب إلى دمار 16 وحدة سكنية في بلدة السكسكية، ما زاد من التحديات التي تواجهها البلدة في تأمين المأوى لأبنائها. قبل الحرب، كانت البلدة تضم نحو 900 شخص سوري، إلا أن العدد انخفض بشكل ملحوظ ليصل حالياً إلى حوالي 400 شخص فقط، كما يؤكد رئيس البلدية علي عباس. ويبرر أن البلدية لم تصدر أي بيان رسمي بخصوص النازحين السوريين، لأن "هذه الخطوة ليست لائقة". لكنه شدد على أولوية تأمين المساكن للبنانيين، معتبراً أن "اللبناني يبقى مع اللبناني، والسياسة خربتنا، لكننا دائماً نلتف حول بعضنا البعض".اللبناني ناطر!منطقة بعلبك تعرضت لدمار كبير أدى إلى بروز تحديات بين استيعاب النازحين السوريين وتأمين احتياجات السكان المحليين. في بلدة دورس، كشف رئيس البلدية إيلي الغصين أن أزمة السكن بدأت حتى قبل الحرب، ما دفع البلدية قبل ثلاثة أشهر من اندلاع النزاع إلى ترحيل السوريين بسبب نقص الوحدات السكنية. والوضع اليوم ازداد تعقيداً مع تهدم أكثر من 700 وحدة سكنية بالكامل، ما جعل الحاجة إلى السكن أكثر إلحاحاً.
ويلفت الغصين إلى أنه قبل الحرب، كان يعيش في البلدة حوالي 6,000 نازح سوري. أما اليوم فقد تقلصت نسبتهم إلى نحو 20 بالمئة، تعيش في الخيم، كما يقول. ويلفت إلى أنهم "متشددون الآن أكثر من السابق بموضوع النزوح السوري. وأهالي البلدة يعملون على ترميم بيوتهم بسرعة لتأجيرها إلى اللبناني الذي ينتظر بفارغ الصبر".