في غمرة الاحزان مع سعي تجاوز سنتين واكثر لتحقيق ابسط مقومات وطن عاثت يد الدهر فيه، حدد رئيس البرلمان التاسع من الشهر القادم موعد المبتغى رئيسٌ للجمهورية، تزامنآ اتت المفاجأة المُرَّة من خارجٍ على لسان لبناني الاصل مستشار الرئيس المنتخب دونالد ترامب للشؤون العربية والشرق الأوسط مسعد بولس، اذ اعطى حديثآ لمجلة لوبوان الفرنسية مختصره: “يمكن للبنانيين الانتظار شهرين أو ثلاثة إضافيين لإنجاز الأمور بشكل صحيح في إطار اتفاق شامل. ولا يجب التسرع لانتخاب أي شخص بشكل عشوائي. كما يجب الحرص على ضمان مشاركة الأغلبية المطلقة لممثلي الشعب اللبناني، وليس الاكتفاء بانتخاب رئيس بأغلبية 65 صوتًا فقط”.
قد يمكن اعتبار ما أُدليَّ به رأي شخصي او غلطة شاطر، لكن كلام بهذا العمق والوجهة لا يُلقى على عواهنه، سيما ان ارتداداته اوحت بكثير من تفسيرات، ليس اقلها ان ادارة الرئيس ترامب لا ترغب بإنهاء الشغور الرئاسي قبل تسلمها مهامها وترتيب اولوياتها، كما تحديد استراتيجيتها على خارطة الشرق الاوسط ولبنان ضمنآ..
ثم ان مهلة الستين يومآ التي وردت في اتفاقية تطبيق القرار 1701 تتعلق بآليات وقف اطلاق النار والاعمال العدائية على الجبهة الجنوبية، وبديهيآ لا يدخل ضمنها وقبل انتهائها وجوب العثور على رئيس، كما ان تبريد لجنة السفراء الخمس حراكها الديبلوماسي قد يكون مشتقآ مما تقدم او لُمح اليه، اذ ان ازالة العقبات على المستوى الداخلي لا تكفِ دون إيماءة ايجابية من واشنطن لا تزال مبهمة ثبوت تناقض بين موقفي بولس-هوكشتاين حيث كواليس عين التينة تنقل عن الاخير تشجيعآ وبالحد الادنى لا معارضة..!
تاليآ، تلمست باريس جدية احتمالية عقم الجلسة الموعودة، فكان طرح الملف اللبناني على طاولة لقاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في الرياض حيث “الدعوة الى إجراء انتخابات رئاسية هدف جمع اللبنانيين وإجراء الإصلاحات اللازمة لاستقرار البلد وأمنه”. توازيآ بقيت المشهدية ضمن تكرار مع تعديل السيناريو، فالرئيس بري ما اطال الفترة عن موعد خبط عشواء هو القارئ المجلي والضامن المحلي إلا لمزدوجين، توافق داخلي بالحد الادنى على ثلاثة مرشحين ورضى خارجي عن مسار العملية الديمقراطية في آن، اما دعوة السفراء الاجانب لحضور الجلسة فشبه تسطير تواقيع على المحضر من باب حسن النية وتسجيل النقاط..
في السياق، تكثيف الاتصالات يقارب الترقب مع عرض الالتزامات. ثم ان فتح قنوات التواصل ووعود الزيارات المتبادلة من هذا وذاك ففي خانة الوقت المستقطع المعتاد؛ اما قمة السخرية فعبارة برزت على سطح فطر العفن: “التشاور بدأ يتطرق إلى إطار الأسماء العام كمقدمة للبحث العميق في المرشحين”..
أنى للعجزة عثور على اكسير الحكمة السياسية والمصلحة الوطنية، هم الجالسون امام صندوق الفرجة فيما الاقليم يحترق، صُمٌ عن قصيدة عمر الزعني ثلاثينيات القرن الماضي: (شوف احوالك عالمكشوف، سوريا وجبل لبنان كانت قطعة من الجنان؟ اما اليوم يا حسرة الارض حفرة نفرة الخ…)..! ثم ان اللجوء الى التنبؤ حتى التاسع لولادة قيصرية فتكهن وتخمين لا تبنى عليهما اوطان؛ ليصبح تبادل الادوار في خانة الانكار، رفض اقرار، شكلٌ من كبتٍ وحظر افكار مقلقة من ذاكرة او واقع حال فيما الحقيقة دليل، “تعطيل” من الثنائي في زمن مضى ليجير بعد تسرب نوايا الى المعارضة في الحالي..!
ختامآ؛ اتت الزيارة الثالثة لرئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي لمدينة صور وترؤسه جلسة مجلس الوزراء في ثكنة بنوا بركات ببعديها الزمني والتواتري لِتصبح وتَصُح عقيدةً يُلام من يحاول مخالفتها إن اصاب الجنوب مهلكة، ما يعطي رئاسة الحكومة حصانة رمزية يركن اليها رسوخ ثقافة ومقام؛ تفوق قرع الطبول وتقديم السلاح إحتفاءً.. ثم ان اصوات القصف المدفعي للعدو على قرى وبلدات الجنوب تردد صداها، رهان صمتها إثر اجتماع اللجنة العسكرية الخماسية لوضع خطة تنسيق (فك الاشتباك) ومراقبة وقف اطلاق النار الثلاثاء المقبل في مقر قيادة اليونفيل في الناقورة..!
الكاتب: العميد منذر الأيوبي
عميد متقاعد، كاتب وباحث
موقع سفير الشمال الإلكتروني