المعارضة المسلحة السورية صححت خلال 11 يوماً خطيئة تاريخيّة متمادية منذ 11 عاماً. سقوط النظام السوري كان مقدراً عام 2013. يومها، تضافرت ظروف دولية وتدخلات إقليمية حالت دون ذلك، أبرزها قرار إيراني بإنقاذ النظام "مهما كلّف الأمر"، باعتبار سوريا عقدة الوصل في ما سمي بداية "محور الممانعة" ثم "وحدة الساحات". حزب الله قَبِل هذا التكليف، من دون نقاش يذكر. أوجد الذرائع اللازمة، وانخرط بكل قواه العسكرية والمجتمعية في مهمة قمع المعارضة السورية، التي كانت ما تزال يومها، بمعظمها، مدنية وسلميّة وتعددية. باقي القصة معروف: الثورة الشعبية أخلت المكان لحرب أهلية طائفية طاحنة، والصراع بين الأسد وشعبه استجلب قوى عظمى ودولاً إقليمية أخرى ومنظمات ارهابية من كل اصقاع الأرض. فتحولت سوريا إلى رقعة شطرنج كبيرة، يتبارى فيها اللاعبون قتلاً ونهباً وتدميراً.***انخراط حزب الله ضد الثورة السورية، الذي كنّا وثّقناه باكراً في دراسة موسعة منشورة وفنّدنا محاذيره الاستراتيجية في ندوة دراسية جامعة نهاية 2014، لم يكن وبالاً على سوريا والشعب السوري فحسب. بل هو دشّن مسيرة انحلال الدولة في لبنان، وهيمنة حزب الله على قرارها الاستراتيجي، وتكريس تحوله إلى أداة صافية للاستراتيجية الإيرانية.هو يخوض، في السياسة والإعلام والحرب، معاركها التوسعية، من أقاصي اليمن جنوباً إلى أقاصي سوريا والعراق شمالاً، وصولاً إلى دول نائية بعيدة كل البعد عن العالمين العربي والإسلامي، وهي تفاوض وتجني الثمار الاستراتيجية. استفحل الأمر إلى حد زوال المسافة الفاصلة الحامية لأدنى مصالح لبنان الدولة والمجتمع والاقتصاد والأفراد، ولبنان الحرية والتعددية والميثاق الوطني والعقد الاجتماعي، لبنان اللبنانيين، مقيمين ومغتربين. تدريجاً أدخل هذا الانخراط لبنان في عزلة دولية وعربية غير مسبوقة. المعالم الجدية لفداحة هذا التحول تبدت في انهيار النظام المصرفي الذي لم تقوَ عليه سابقاً عقود من الحروب الداخلية والخارجية. وتزامن الانهيار مع انتفاضة مدنية واسعة طالبت بإسقاط سلطة الفساد والنهب المسؤولة عن الانهيار والإفقار، فما كان من حزب الله إلا أن تولى بنفسه إسكات هذه الانتفاضة وقمعها الوحشي.
***التفرد بالقرار والتصرف بمقدرات تعود إلى الدولة مجتمعة وإلى اللبنانيين مجتمعين، والغرور المتمادي من جراء احتكار السلطة من دون مقاومة فعلية من أي من اللبنانيين، دفعا بحزب الله إلى ارتكاب خطأ استراتيجي آخر، لا بل خطيئة مميتة، مميتة له ولقيادته أولاً. ها هو، في اليوم التالي لعملية طوفان الأقصى، التي تستحق تقييماً آخرَ مستقلاً، ينخرط في حرب أخرى، من خارج سياق الدولة اللبنانية وخلافاً لمصالح لبنان ولإرادة معظم اللبنانيين. نعرف جميعاً ويعرف حزب الله بأي طريقة مذلة انتهت هذه الحرب منذ أيام قليلة. ما لم يدركه حزب الله بعد، أن نتائج هذه الحرب والمعادلات الإقليمية التي أسفرت عنها كانت هي المحرك الأساس للاندفاعة المتجددة للمعارضة العسكرية السورية وللحملة الصاعقة التي مكنت الشعب السوري خلال 11 يوماً من انتزاع الانتصار المشروع الذي حرمه منه حزب الله منذ 11 سنة.11 يوماً أقوى من 11 سنة. خطأ استراتيجي كبير في تقدير قوة العدو جبّ الظلم المتمادي من خطيئة استراتيجية وأخلاقية كبرى حيال شعب شقيق. ليست سخرية القدر، إنها عدالة التاريخ!