2024- 12 - 25   |   بحث في الموقع  
logo استغل نزوح سكان راشيا الفخار في الحرب وهذا ما فعله.. قوى الأمن بالمرصاد logo البطريرك الراعي في عظة قداس الميلاد: ميلاد المسيح حدث تاريخيّ ذو مضمون لاهوتيّ logo البطريرك روفائيل بيدروس: الرجوع إلى انتمائنا وإلى وطنيتِنا رمز الانتماء logo زاخاروفا: نظام كييف يهدد الغرب logo بالفيديو: قتيل واصابات بانفجار في مركز تجاري جنوبي روسيا logo مقتل متظاهر ورجال أمن بتظاهرات الساحل السوري:المقطع المسرب قديم logo أبرشيّة أنطلياس المارونيّة: الأبرشيّة لا توافق على الطريقة التي اعتمدها الكاهن logo ماذا يجري في الناقورة؟ هذه آخر المعلومات
كيف انهار نظام الأسد في 11 يوماً؟
2024-12-09 00:25:40


قِيل الكثير عن أسباب الانهيار الدراماتيكي السريع لقوات النظام السوري خلال 11 يوماً، حتى فجر الأحد 8 كانون الأول/ديسمبر، الذي تبخر فيه النظام من العاصمة دمشق. فهذه القوات التي أذاقت السوريين صنوفاً شتى من الويل، على مدار 13 عاماً، منذ بدء ثورة العام 2011، وقبل ذلك في الثمانينات من القرن الماضي، كانت أشبه بورق مقوى خلال الأيام القليلة المدهشة، التي أسرَت ألبابنا بعيد صبيحة 27 تشرين الثاني/نوفمبر الفائت. وفيما شاع على نطاق واسع، التفسير القائم على نظرية التوافقات الخارجية، صوّب كثيرون على ملامح انهيار الروح المعنوية لمقاتلي النظام. حتى أشدهم تمثيلاً لحاضنته المقرّبة. انهيار لا يكفي تفسيره بانكفاء الحلفاء، ممثلين بحزب الله وإيران عن دعمه في التوقيت المناسب، وبالكم المناسب من الدعم، رغم أهمية هذا الانكفاء. كما لا يكفي لتفسيره، ذاك الدعم الروسي الخجول، عن قصد أو عن عجز، رغم أهمية هذا العامل أيضاً. ولا يكفي لتفسيره، كذلك، كفاءة أداء مقاتلي المعارضة ونضوجهم التنظيمي، وتسليحهم الملفت. إذ تبدو هذه عوامل مساعِدَة، كشفت مع تضافرها عن سبب عميق لهذا الإدبار الملفت عن القتال في أوساط شريحة من الموالين، سبق أن نذروا الغالي والرخيص فداءً للنظام ذاته، قبل 13 عاماً فقط.بدأ هذا السبب العميق يكشف عن رأس جبل الجليد منه، في صيف العام 2023، حينما انفجر نشطاء علويون موالون عبر وسائل التواصل، مهاجمين الأداء الاقتصادي لنظام الأسد، وصولاً إلى رأس الهرم وزوجته ودائرته المقرّبة. كانت أكثر ملامح ذاك الانفجار دراماتيكية، تسجيلات الناشطة لمى عبّاس، التي كانت قبل ذاك التاريخ بسنوات من أشرس الداعمين للنظام. والتي وصّفت أسباب الانهيار المعيشي غير المسبوق الذي وصل إليه السوريون، بثلاثية الحواجز وإتاوات "المكتب السرّي" والاحتكار. وهي الركائز الأساسية في استراتيجية جمع الثروة لصالح العائلة الحاكمة في رأس هرم النظام، والمقرّبين منها. وهو ما صوّب عليه نشطاء علويون آخرون أيضاً، من أشهرهم كان كنان وقّاف. قبل أن يتمكّن النظام من إخراس هذه الأصوات بأدواته الأمنية التقليدية. ورغم أن الرهانات يومها، أي في صيف 2023، كانت على انفجار الساحل، إلا أن الانفجار حصل في السويداء، التي كانت حتى وقت قريب قبل ذلك التاريخ، أميل بغالبية مكوناتها إلى عدم الصدام مع النظام، ولا حتى مع المعارضة.انفجار صيف 2023، الذي بقي "فيسبوكياً" في الساحل، فيما تحوّل إلى الشارع في السويداء، كان تعبيراً عن احتقان غير مسبوق وصلت إليه حواضن اجتماعية، كان من المفروض أنها موالية للأسد، أو في أقل الحدود محايدة. وكانت أسباب هذا الاحتقان، معيشية بصورة أساسية. وهو احتقان تفاقم مع تصاعد الانهيار المعيشي لعموم السوريين، في السنوات الثلاث التي تلت العام 2020. انهيار نتج أساساً عن إدارة مافيوية لاقتصاد منهك جراء الحرب التي شنها الأسد ضد الثائرين عليه في 2011. فالبلد الذي كان من المفترض أن يحظى بأقصى درجة ممكنة من الإدارة الرشيدة، بعد تدمير مقدراته بشراسة، في حربٍ لم تُراعَ أي حُرمة فيها، لا للدم، ولا للممتلكات العامة ولا الخاصة، حيث باتت حصيلة خسائرها الاقتصادية تُعد بمئات مليارات الدولارات، بإقرار من بشار الأسد ذاته، عام 2018، هو البلد ذاته الذي أداره الأسد ذاته، والدائرة الضيّقة المقرّبة منه، بعقلية الغنيمة. وكان العام ذاته، 2018، وهو العام الذي عدّه الأسد منعطف "انتصاره" على "الإرهابيين" و"المؤامرة الكونية"، كان المنعطف نحو "نيوليبرالية" متوحشة وأكثر شراسة من تلك التي عرفها السوريون قبل العام 2011، والتي كانت السبب العميق لتفاقم احتقان الموالين للأسد.ببساطة، كرّر الأسد أخطاء الماضي القريب ذاتها، التي أقرّ هو نفسه في إحدى كلماته التنظيرية قبل نحو عام من الآن، بأنها كانت مقدّمة لما حدث في العام 2011. وتحديداً في كلمة ألقاها الأسد خلال اجتماعات اللجنة المركزية لحزبه الحاكم. يومها قال الأسد، ما مفاده إن النمو قبل 2011، رغم أنه كان يحدث بنسب عالية نسبياً -وسطي 5.1% سنوياً- إلا أنه لم يؤدِ إلى تنمية شاملة. وهو ما أسس لحالة "الحرب" التي استغلها الغرب، حسب وصفه يومها. وبعيداً عن مدى وقاحة الأسد حينما يتحدث عن الفشل التنموي قبل 2011 وهو الذي كان الحاكم الأوحد والمطلق للبلاد، فإن المشكلة كانت أن الأسد لم يتعلّم شيئاً من تلك التجربة. بل كرّرها، وبحدة أكبر بعد العام 2020 تحديداً.
وفي كتابه الموسوعي، "العقد الأخير في تاريخ سورية، جدلية الجمود والإصلاح"، للباحث السوري محمد جمال باروت، نجد تشريحاً تفصيلياً للأسباب الاقتصادية والاجتماعية العميقة، التي تسببت في الانفجار الاحتجاجي الكبير في عموم سوريا عام 2011. إذ هيمن نموذج "اللبرلة الاقتصادية التسلطية" على السياسات الاقتصادية – الاجتماعية، واقترن التحرير التجاري بهدر التصنيع، وتم التركيز على الخدمات والسياحة على حساب القطاعات الإنتاجية، خدمةً لطبقة رجال الأعمال الجدد، الذين عبّروا عن مصالح العائلة الحاكمة والمقرّبين منها. وهو ما تكرّر مجدداً، بحذافيره، وبشدة أكبر، بعد نحو عقدٍ من ذلك الزمن.وفي تقرير صدر في أيلول/سبتمبر 2023، عن المركز السوري لبحوث السياسات، تم تقديم استعراض إحصائي رقمي مرعب، للانهيار الاقتصادي في سوريا، في الأعوام ما بين 2020 – 2023. وهي الأعوام التي تمتع فيها النظام بتأمين كامل من أي تهديد وجودي لكرسي الحكم فيه. إذ انكمش الاقتصاد 20%، وقفزت درجة اعتماد البلاد على المساعدات الخارجية إلى نسبة 30% من حجم الناتج المحلي الإجمالي. فيما وصل العجز التجاري إلى 70%، وبلغت المستوردات 6 أضعاف الصادرات، ووصل عجز الموازنة إلى 50% مقارنة بالناتج المحلي. والأبرز، أن مديونية سوريا تجاوزت 250% من الناتج المحلي الإجمالي عام 2022. وتصاعدت معدلات البطالة بين عامي 2021- 2022، إلى نسبة 43%. وارتفع الرقم القياسي العام للأسعار بأكثر من 8 أضعاف، ما بين 2019 و2022. وسجّل الرقم القياسي للأسعار تضخماً سنوياً بنسبة 113% في 2020، و110% في 2021، و85% في 2022.وكانت الحاضنة الموالية للنظام، تحديداً العلويون، من أكبر المتضررين جراء كل ما سبق، نظراً لانخراطهم الكبير في الوظائف الحكومية، التي باتت القيمة الحقيقية للراتب فيها لا تتجاوز 25 دولاراً شهرياً، ولقلّة المغتربين والمهجّرين خارج البلاد منهم، مما جعل نسبة الحوالات الدولارية الخارجية الموجّهة إليهم، أقل مقارنة بحواضن اجتماعية أخرى، أصبحت مُعالة بشكل كبير من هذه الحوالات.
كل ما سبق يضيء جانباً عميقاً من أسباب انعدام الروح القتالية لدى الوحدات العسكرية المقرّبة من الأسد. ومن دون أن نُغفل أثر العوامل الأخرى. ومن دون أن ننكر دور توافقات خارجية ما، على ترتيب عملية تسليم المدن بهذه السلاسة، ومن دون أن تتورط البلاد في حرب مدن مُكلفة. لكن تبقى كل العوامل الأخرى، مساعِدَة في كشف السبب العميق. ذاك الذي ما كان ليتحقق لو توافر لدى الأسد وحاشيته قدر مقبول من الرُشد، في إدارة الاقتصاد والدولة في سوريا، بعيداً عن عقلية الغنيمة.


المدن



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top