عين الجيش اللبناني اليوم على الحدود الممتدة من العريضة شمالًا حتّى مزارع شبعا المحتلة في أقصى الشرق الجنوبي، على الرغم من انشغاله في الجنوب وتعزيز انتشاره تدريجيًا هناك.
يخشى الجيش تكرار تجربة ما عاشه لبنان بعد اندلاع الحرب في سوريا في العام 2011 عندما منعه القرار السياسي بسبب الانقسام الحاد في البلد آنذاك بين مؤيد للنظام وبين مؤيد للمعارضة، من ضبط الحدود وضبط تدفق النازحين السوريين إلى لبنان، حيث، بحجة النزوح والهرب من الحرب، دخلت مجموعات إرهابية من تنظيم داعش وجبهة النصرة إلى البلد وتمركزت في جرود السلسلة الشرقية، واختطفت عناصر من الجيش وقوى الأمن الداخلي وأعدمت وذبحت وأرسلت انتحاريين نفذوا عمليات في مناطق لبنانية مختلفة.خارطة الانتشار والمخاوفاليوم، وبما أنّ يده مطلقة، وبما أنّ القرار السياسي يغطّيه، أخذ الجيش المبادرة وعزّز انتشاره على طول تلك الحدود كما كثّف جهوده الاستخباراتية. "المدن" اطّلعت على خارطة هذا الانتشار: من الحدود الشمالية في عكار وصولًا إلى عرسال ومنطقة البقاع الشمالي، حيث تنتشر أفواج الحدود البرية الأربعة، كثّفت دوريات الجيش على الحدود القريبة مع حمص، كما أقيمت الحواجز الظرفية تحسّبًا لأيّ تسلّل عبر الحدود إلى داخل الأراضي اللبنانية. كما دُعمت الأفواج البرية بوحدة من قوات النخبة. قوات اللواءين والفوج البري التي تنتشر بين عكار والهرمل ورأس بعلبك، رفعت جهوزيتها بين الحدود والداخل، وإلى هناك أُرسلت سرايا قوات خاصة من المشاة والمدفعية ونصبت راجمات صواريخ، تحسبًا لأيّ محاولة تسلّل عبر الحدود.ولا تنفي مصادر أمنية لـ"المدن" مخاوف الجيش من تمدد النيران السورية إلى لبنان، وتقول "لهذا تم اتخاذ إجراءات احترازية على الحدود مع سوريا ولاسيما عند النقاط التي قد تشكّل الخاصرة الرخوة لتسلل مسلحين وإرهابيين، كما عودة تدفق نازحين مدنيين".هذا النزوح الذي ترجّح التقارير أن يكون غالبًا باتجاه العريضة والمصنع أي بمسافة تقريبية تمتد نحو 300 كيلومتر .الجماعات المسلحة عند الحدود؟مع دخولها إلى حماة ووصولها إلى ريف حمص تصبح الجماعات المسلّحة على بعد حوالي 45 كيلومترًا من مدينة حمص و100 كلم من الحدود اللبنانية السورية لناحية معبر جوسيه في القاع.هذا على صعيد المعابر الشرعية. لكن على الحدود المتداخلة وطبيعتها الوعرة المتعرّجة هناك 32 معبرًا غير شرعي قبالة محافظتي بعلبك الهرمل وعكار. هذه المعابر أصبحت تحت أنظار الجيش عسكريًا ومخابراتيًا. وتلفت المصادر إلى "أنّ المهمّة غير سهلة. فعلى الرغم من وجود أبراج للمراقبة، إلّا أنّ إمكانات الجيش تبقى غير كافية للإمساك بالحدود مع سوريا، وحماية الداخل اللبناني من أيّ مستجد من شأنه أن يأخذ البلد إلى انفجار أمني عنوانه الإرهاب". مع العلم، وبحسب المصادر المصادر الأمنية، "أن لا معطيات مؤكّدة حتّى الآن عن أنّ المجموعات المسلّحة ستعمل على التسلّل إلى لبنان."على مدى ستين يومًا من الحرب مع إسرائيل، لم تكن الحدود اللبنانية مع سوريا خارج دائرة الاستهداف الإسرائيلي، تحت عنوان قطع الطريق على خطوط الإمداد العسكرية الإيرانية لحزب الله. فقصف الطيران الإسرائيلي مرّات عدّة المعابر الشرعية وغير الشرعية ولا سيما في الليلة الأخيرة من الحرب في السابع والعشرين من تشرين الثاني، ما تسبّب بقطع القسم الأكبر منها قبل إعادة فتح بعضها. مجددًا اليوم تقطّعت كلّ الأوصال عند المعابر الشرعية باستثناء معبر المصنع بعد إعادة قصف المعابر من قبل إسرائيل بموازاة تقدم المجموعات المسلّحة في الداخل السوري. فهل ما يجري في سوريا اليوم من تدحرج متسارع للأحداث، ومعه لما تبقى من سلطة للنظام على الأرض السورية، سيكمل تدحرجه إلى لبنان؟ ماذا عن دول الجوار ولاسيما الأردن والعراق والمحيط العربي برمّته الذي عاد وقبل عودة بشار الأسد الى حضن الجامعة العربية، هل ستتفرج على إسقاطه وتخاطر بتمدد نيران انهيار النظام إلى ساحاتها لصالح مجموعات إسلامية إخوانية هي على عداوة تاريخية مع العديد من الأنظمة العربية؟ أم أنّ ما يجري هو مخاض ولادة لدولة ما بعد النظام والعالم ينتظر قطع حبل السرة للمولود الجديد؟