التدمير المنهجي الذي لحق قرى وبلدات بنت جبيل ومرجعيون لا يوصف. يصعب تقدير الخسائر والأضرار، التي تحتاج الى وقت لاحصائها، وقد لحق القطاع الصحي خسائر كبيرة بملايين الدولارات، إسوة بالكثير من القطاعات. فبعد أن تطور هذا القطاع على مراحل متعددة بدءاً من يوم التحرير في العام 2000، دفع اثماناً باهظة في الحرب الأخيرة.فبعد التحرير بادرت الهيئة الصحية الاسلامية إلى إنشاء "مستشفى الشهيد صلاح غندور"، في منطقة (صفّ الهوا) في بنت جبيل، في المركز العسكري الاسرائيلي، المعروف بمركز الـ17 ليتحول الى أكبر مركز للخدمات الصحية والاستشفائية في المنطقة المحرّرة، يحمل اسم "الشهيد صلاح غندور"، الذي نفّذ عمليته الاستشهادية بالقرب منه، في دورية اسرائيلية.
وبعد سنوات طويلة من الحرمان الطويل الذي عانته قرى وبلدات بنت جبيل ومرجعيون، من عدم وجود المستشفيات القريبة، شيّدت تباعاً، منذ العام 2006، ثلاثة مستشفيات حكومية، في بلدات (ميس الجبل- بنت جبيل- تبنين)، إضافة الى مستشفى مرجعيون الحكومي. وقد استطاعت جميعها، تخفيف أعباء مالية عن كاهل الأهالي، اضافة الى انقاذ حياة العشرات من المرضى. وقد جهّزت هذه المستشفيات بأحدث الأجهزة الطبية، وحظيت بدعم وتمويل جهات مانحة متعددة.
وبحسب مصدر بلدي فان "جميع المراكز الصحية في منطقة بنت جبيل ومرجعيون تعرّضت لأضرار متفاوتة وبعضها دمّرت كلياً بانتظار الاحصاءات الدقيقة، وعددها كبير جداً وموزعة كالتالي: عدد المستوصفات الرسمية التي تديرها وزارة الشؤون الاجتماعية او البلدية 18 مستوصفاً، عدد المستوصفات الخاصة التي تديرها المؤسسات الاهلية 26 مستوصفاً، عدد المراكز الصحية الرسمية مركز واحد، عدد المراكز الصحية الخاصة 6 مراكز، عدد المستشفيات الرسمية 3 مستشفيات، عدد المستشفيات الخاصة مستشفى واحد".واقع المستشفيات قدّرت كلفة تجهيز مستشفى بنت جبيل الحكومي بعشرة ملايين دولار أميركي، على نفقة الحكومة القطرية، شملت "قسم الطوارىء والعيادات الخارجية وقسم العناية الفائقة الخاص بالأطفال والكبار، وأقسام للأمراض الداخلية والعلاج الكيميائي والقلب والجراحة النسائية وجميع أقسام الجراحة الأخرى، إضافة الى قسم خاص ومتطوّر جداً للعلاج الفيزيائي، وثلاث غرف كبيرة للعمليات الجراحية"، لتصبح المستشفى قادرة على استيعاب 120 مريضاً. توقفت هذه المستشفى عن العمل خلال الحرب وقد تعرض محيطها للقصف ما أدى الى الحاق الضرر بالعديد من أقسامها. وقبل أيام على حرب تموز تم افتتاح مستشفى ميس الجبل الحكومي الذي "توقف عن العمل أثناء الحرب بعد أن تعرض للقصف والتهديدات الاسرائيلية، وأستأنف العمل مباشرة بعد توقف اطلاق النار". واستطاع هذا المستشفى القيام بخدمات طبية لافتة، لكنه اليوم متوقف كلياً عن العمل بعد أن تعرض للقصف المباشر، ويصعب احصاء الأضرار التي لحقت بأقسامه لعدم إمكانية الوصول إليها.
في منطقة "صفّ الهوى"، مدخل مدينة بنت جبيل، كانت عجقة السير لافتة للإنتباه، قبل بدء الحرب الأخيرة، أمام مبنى يعجّ بالزوار، يقصده المئات يومياً للحصول على الخدمات الصحية والاستشفائية. وهو نفس المبنى، الذي كان أشبه بمستوصف صغير، كانت وزارة الصحة اللبنانية قد شيدته في العام 1978. أعيد تأهيله واستحدثت غرف جديدة، إضافة الى كافتيريا ومطبخ، مع تزويد المستشفى بمعدات وتجهيزات جعله قادراً على استقبال ما يزيد على 200 مريض يومياً. في حرب العام 2006 أستهدف المستشفى من طائرات العدو، لكن سرعان ما أعيد ترميمه. وافتتح قسم التمييل في العام 2009، استطاع المستشفى انقاذ حياة ما يزيد على 200 مريض سنوياً، وبعد العام 2019 ازدادت نسبة اشغال الأسرّة لتصل الى 76%، حتى بات المستشفى يستقبل شهرياً ما يقارب 19000 مريض ومن كل المناطق وصولاً الى بيروت، بسبب بدلات الاستشفاء المخفّضة". كما أصبح المستشفى جاهزاً لاجراء كل العمليات الجراحية، باستثناء عمليات القلب المفتوح. وتم بناء مبنى جديد من أربع طوابق، كل طابق بسعة ألف متر مربع، وكان من المفترض افتتاحه لو لم تقع الحرب. تعرض هذا المستشفى للقصف، وبات متوقفاً عن العمل ولحقت الأضرار بمعظم أقسامه، لاسيما قسم العيادات الذي دمّر بالكامل اضافة الى المبنى الجديد، وتعمل ادارة المستشفى اليوم على ترميم واعادة تجهيز قسم الطوارىء ليبدأ بالعمل قريباً، على أمل أن يتم البدء بترميم ما تيسّر من الأقسام الباقية. كما تعرّض محيط مستشفى تبنين الحكومي للقصف عدة مرات ما أدى الى الحاق الضرر بأقسام المستشفى المختلفة، التي بقيت أبوابها مفتوحة وتستقبل الحالات المرضية المختلفة.المراكز الصحية والعلاجيةبعد التحرير، بدأت المستوصفات والمراكز الصحية الرسمية والخاصة (44 مستوصف و7 مراكز صحية)، والتي منها التابعة للهيئة الصحية الاسلامية، بالانتشار في كل القرى والبلدات الحدودية، لتبدأ معها حملات الوقاية الصحية والتلقيح والتوعية من الأمراض والآفات المختلفة. وكان للبلديات والاتحادات دور لافت من خلال الجولات الميدانية المنظمة، على المستوصفات والمراكز الصحية لتأمين الحاجات الضرورية بالتعاون مع وزارة الصحة العامة والهيئة الصحية. وما هو واضح حتى الأن أن معظم هذه المستوصفات والمراكز تعرضت للقصف المباشر والتي من بينها مركز الهيئة الصحية في بلدة الطيبة المؤلف من ثلاث طبقات، ومجهز بمختلف الآلات الطبية والعيادات الطبية والذي كان يقصده المرضى من جميع القرى المحيطة وتم تدميره تدميرا كاملاً.تدمير أهم مركز للطوارىء خلال الحرب استهدف العدو الاسرائيلي "مركز طوارىء برعشيت" الذي يعد "المركز الأكبر والأهم للطواريء واطفاء الحرائق في الجنوب وربما في لبنان". ويقول رئيس اتحاد بلديات بنت جبيل رضا عاشور أن "العدو تمادى كثيراً في مخالفة كل القوانين والأعراف الانسانية والدولية، فالمركز معروف بعمله الانساني والبيئي والمدني في مكافحة الحرائق، وهو منذ بدء الحرب عمد الى اطفاء أكثر من ألف حريق وفي أكثر من منطقة. من جهته يشير محمود كركي أحد العاملين في المركز والذي كان قد انتقل قبل أيام من قصفه الى مركز آخر، الى أن "شهداء المركز كانوا يتسابقون على العمل في اطفاء الحرائق رغم تعرضهم لاعتداءات متكررة أثناء عملهم، أما المركز فهو يتبع لاتحاد بلديات بنت جبيل ووزارة الداخلية والبلديات وبداخله أحدث الأجهزة و8 سيارات اطفاء متطورة وسيارات خاصة للاسناد وانقاذ المصابين".
وبحسب عاشور "يعدّ مركز طوارئ برعشيت العلامة الفارقة في منطقة الجنوب، فخلال 10 سنواتٍ من العمل، استطاع المركز أن يسهم في التخفيف من امتداد الحرائق التي تندلع في فترات الصيف الحار". دار المسنين: ركاممن جانب آخر، حظي المسنون في المنطقة الحدودية باهتمام خاص من قبل البلديات، التي حرصت على تخصيص أوقات معينة للاهتمام بهم وتنظيم حملات ترفيهية لهم، وقد عمدت بلدية عيترون الى انشاء دار للمسنين في وسط البلدة، في العام 2006 ليصبح مقصد كبار السنّ حيث يجتمعون فيه صباحاً ومساءً، بعيداً عن أعين المارّة وضجيج السيارات. ويقول رئيس البلدية سليم مراد "لقد تمّ افتتاح النادي قبل حرب تموز باسبوع واحد لكن الحرب دمّرت جزءاً كبيراً منه، فاضطررنا لاعادة ترميمه وتجهيزه بما يلزم"، وقد بات حلم المسنين في عيترون في خبر كان، بعد أن تم تدمير المركز وما حوله من الأبنية، بما فيهم مبنى البلدية الذي يضم مركزاً للاسعاف والطوارىء.