دائماً ما يضع الأميركيون Plan A و Plan B، والهدف ضمنياً في منطقتنا هو “شرق أوسط جديد”.
برز هذا المصطلح لأول مرة في عام ١٩٩٣ خلال فترة مفاوضات أوسلو لكنه اكتسب شهرة أوسع عام ٢٠٠٦ عندما استخدمته وزيرة الخارجية الأميركية آنذاك كوندوليزا رايس أثناء الحرب الاسرائيلية على لبنان.
ولكن ليس بالضرورة اعتبار الشرق الأوسط الجديد كناية عن توسيع الرقعة الجغرافية لاسرائيل، بل تطبيقاته الحديثة تشير إلى رؤية أوسع تشمل تعزيز النفوذ الأميركي والاسرائيلي في الشرق الاوسط، وتعزيز سيطرتها على المجالات الاستراتيجية مثل النفط، المياه، الغاز، والنفوذ العسكري، وأهمها دحر القوى الروسية عن هذا الكنز المتوسطي المحفور بالأيديولوجيا الغربية منذ الإمبراطورية الرومانية، تحت مصطلح “Mare Nostrum” أي هذا البحر خاصتنا.
ومن هذا المنطلق، بدأت خطوات التغيير تبصر النور في دول الخليج المنفتحة نوعاً ما على التطبيع مع اسرائيل، فالإمارات والبحرين أقامت علاقات رسمية مع اسرائيل في إطار إتفاقيات ابراهيم عام ٢٠٢٠، هذه الإتفاقيات وصفت بالتاريخية وأظهرت تحولاً في أولويات بعض الدول الخليجية نحو مواجهة التحديات الإقليمية، مثل النفوذ الإيراني.
في المقابل مواقف كل من السعودية وقطر والكويت فيها نوع من التحفظ، فعملية التطبيع بالنسبة لها مرتبطة بتسوية عادلة في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، تقوم بالنسبة للمملكة العربية السعودية على مبادرة السلام العربية لعام ٢٠٠٢.
ومنذ السابع من أكتوبر، بدأ فصل جديد من التوترات حيث شهدت المنطقة تصعيداً غير مسبوق مع اندلاع الحرب في غزة، ثم امتدادها إلى لبنان واليوم إلى سوريا، وعلى الرغم من أن هذه الصراعات تبدو في ظاهرها ردود فعل على الأحداث الجارية، إلا أن خلفياتها تعكس محاولات لإعادة ترتيب الأولويات الإقليمية والدولية.
فما نشهده اليوم في سوريا هو امتداد لتقطيع أوصال محور الممانعة وإضعافه، إضافة إلى تقويض النفوذ الروسي، ولعلّ حلب التي اعتبرها قائد الحرس الثوري الايراني في العام ٢٠١٦ حسين سلامة “مفتاح السيطرة على شمال سوريا”، هي خير مثال على الأهمية الاستراتيجية لهذه المناطق في المعادلة الإقليمية.
في هذا السياق، إن الصراع في الشرق الأوسط لا يمكن فهمه في معزل عن التنافس الروسي الأميركي، فروسيا التي تعدّ أحد أبرز داعمي النظام السوري، تدرك أهمية تعزيز وجودها في البحر المتوسط، حيث أعلنت وزارة الدفاع الروسية يوم الثلاثاء الماضي عن مناورات بحرية في الجزء الشرقي من البحر المتوسط، وأطلقت صواريخ “تسيركون” المضادة للسفن والأسرع من الصوت.
هذه التحركات تقلق الولايات المتحدة وحلفائها، خاصة مع تصاعد النفوذ الروسي في المنطقة، ومن هذا المنطلق أشعلت الولايات المتحدة جبهات متعددة في وجه روسيا بدءاً من أوكرانيا وصولاً الى الشرق الأوسط، فالتنافس الأميركي الروسي في الشرق الأوسط يعكس مخاوف كلا الطرفين من فقدان النفوذ في المنطقة، وهذا التنافس يتزايد كلّ ما قويت القوى البحرية الروسية التي لا يرغب بها إطلاقاً الخصم الأمريكي.
هذا التنافس يعكس أيضاً التحولات في النظام العالمي، حيث تتراجع فكرة القطب الواحد لصالح عودة صراعات القوى الكبرى لتصفية حساباتها في الميدان العربي.
ولكن، تبقى التحديات الفكرية، الاجتماعية، والسياسية التي تواجه دول المنطقة تضعف قدرتها على الاستفادة من موقعها الجغرافي ومواردها الطبيعية. هذه “الشوائب” تجعل من الشرق الأوسط أكثر عرضة للتدخلات الخارجية بدلاً من أن يكون لاعباً أساسياً في صياغة مستقبله.
إذاً، بات من الواضح أن الشرق الأوسط يمرّ بمرحلة دقيقة، وبالتالي تحقيق السلام يعتمد على قدرة دول المنطقة على تجاوز خلافاتها وبناء تحالفات تحمي مصالحها على مختلف الأصعدة.