يحاول المحاميان المتهمان بمعاونة حاكم مصرف لبنان السابق رياض توفيق سلامة، في تهريب 44 مليون دولار أميركي من المصرف المركزي وتمريرها عبر حساباتهما المصرفية لتصبّ في حساب سلامة المصرفي، التنصّل من مسؤوليتهما. يسعى المتهمان أمام القضاء اللبناني، إلى التأكيد أن الأموال لم تكن أموالًا عامة، بل هي أموال خاصّة، وذلك لإبطال ورقة الطلب الواردة من النيابة العامة المالية على اعتبار أنها لا تملك صلاحية الادعاء عليهما، وأن العمليات المصرفية تمت خلال عامي 2015-2016، ما يعني أن القضية سقطت بمرور الزمن.
التنصل من المسؤولياتتستمر محاولات اثبات براءتهما من هذه القضية وتحميل المسؤولية الكاملة للحاكم ولمصرف لبنان المركزي، فاستأنفا قرار قاضي التحقيق الأول، بلال حلاوي، الذي بتّ سابقًا بالدفوع الشكلية المقدمة أمامه، وحُولت جميعها للهيئة الاتهامية للبت بها من جديد وحسم الخلافات.
إذن، بتت الهيئة الاتهامية بثلاثة استئنافات مختلفة، الأول من النيابة العامة المالية، أي من النائب العام المالي، القاضي علي إبراهيم، الذي اعترض فيه على قرار القاضي حلاوي الأخير، الذي اعتبر أن بعض الجرائم سقطت بمرور الزمن. بمنظور إبراهيم، فإن الجرم لا يسقط بمرور الزمن بسبب ارتباطه بجرائم أخرى مقترفة. والاستئناف الثاني قُدّم من المحامي مروان عيسى الخوري بعد اعتراضه على ملاحقته أمام القضاء اللبناني وفقًا لقانون الإثراء غير المشروع الجديد (أي بعد التعديل). في استئناف الخوري اعترض على تحقيق حلاوي معه في الجرائم الجديدة المنسوبة إليه من دون الحصول على إذن ملاحقة من نقابة المحامين. وفي استئناف المحامي ميشال تويني اعتراضٌ على تصنيف الأموال المحولة أنها أموال عامة، وأصرّ على ضرورة اعتبارها أموالا خاصة لا علاقة لها بمصرف لبنان.
تعدد الآراء القضائيةوفي مزيد من التفاصيل، اعتبر القاضي حلاوي خلال التحقيقات، أن بعض الجرائم المنسوبة إلى المحاميين، قد سقطت بمرور الزمن، وبذلك تسقط عنهما الملاحقة، فاعترض النائب العام المالي، معتبرًا أن الجرم هو اختلاس المال العام، وبالتالي لا تسقط بمرور الزمن. هنا، بتت الهيئة الاتهامية بهذا الخلاف القضائي لصالح القاضي إبراهيم، وفسخت قرار قاضي التحقيق الأول، وتم قبول الاستئناف المقدم من إبراهيم.
وأيضًا، وافقت الهيئة الاتهامية على الدفع الشكلي المقدم من المحامي مروان عيسى الخوري، بعد اعتراضه على التحقيق معه في عدد من الجرائم الجديدة من دون الحصول على إذن ملاحقة من نقابة المحامين. وطلبت الهيئة الاتهامية من حلاوي التقدم بطلب جديد لنقابة المحامين والحصول على إذن ملاحقة بالجرائم التي أضافتها النيابة العامة على ورقة الطلب، أي تلك المتعلقة بجرم الإثراء غير المشروع وجرائم التزوير واستعمال المزور.
يُطالب المحاميان بملاحقتهما وفقًا لقانون الإثراء غير المشروع القديم قبل تعديله. والسؤال الأهم: لم التمسّك بالقانون القديم؟ والجواب هنا أن القانون القديم بإمكانه أن يكون حبل النجاة لهما. وهذا القانون قبل تعديله، من الممكن أن يساعدهما في الخروج من هذه القضية من دون ملاحقة، لأنه يثبت للقضاء أن الجرم سقط بمرور الزمن، حيث أن الجرائم المنسوبة للمحاميين تعود لعامي 2015-2016، والنيابة العامة تحركت في العام 2024، ما يعني أن الملاحقة لن تتم لأن الجرم سقط بمرور الزمن. أما في حال تمت ملاحقتهما وفقًا للقانون المعدل، فإن الجرم لن يسقط هنا، وبالتالي تبقى ملاحقتهما سارية. وهنا، رأت الهيئة الاتهامية أن التحقيقات لم تنته بعد، ليتم التأكد إن كانت الجرائم قد اقترفت خلال العامين 2015-2016، وحينها يمكن اعتماد القانون الأصلح للمدعى عليهما.
في متن الاستئناف، اعتبر المحامي مروان عيسى الخوري، أن الأموال ليست عامة بل أموالًا خاصة، محملًا المسؤولية لمسؤولين في المصرف المركزي. قائلًا: "كيف يمكن لمالٍ يملكه مصرف لبنان أن يتحرك ويصبح مملوكًا من سواه من دون رقابة من أي لجنة أو مفوض رقابة؟"
سلامة وألاعيبه المصرفيةووفقًا لأقوال الخوري فما من علاقة تربطه بحساب الاستشارات، وتعرّف على هذا الحساب في العام 2015 حتى العام 2021.
ويزعم المحامي تويني أن ملاحقته هي افتراءات يتعمدها سلامة للنيل منه، فهو وكيل مصرف لبنان منذ العام 1997، وشارك في الكثير من الاجتماعات داخل المصرف المركزي، وقدم المشورة القانونية المطلوبة لمصرف لبنان، ويمثّل المصرف في عدد من الدعاوى، وكُلف في العام 2015 من الحاكم أن يكون وكيلاً ائتمانيًا لتنفيذ عملية تسديد شيكات مصرفية، مؤكدًا أنها أموال خاصة لا تعود للمصرف، باسم الوكيل القانوني لعملاء مستحقة لهم عمولات قانونية بذمة المصرف وهو المحامي مروان عيسى الخوري. آنذاك أبلغه سلامة أن عملية تحويل قيمة تلك الشيكات ستنفذ من حساب خاص مفتوح لدى المصرف، إلى حسابه المصرفي، لكنه لم يحدد قيمة المبالغ أو فترتها الزمنية. ولطمأنته أكثر، أكد سلامة، الحريص على المال العام، أن هذه العمليات ستتم تحت إشراف المجلس المركزي للمصرف. تجدر الإشارة إلى أن المجلس المركزي مؤلف من الحاكم ونائبيه الاول والثاني، ومدير عام وزارة المالية، ومدير عام وزارة الاقتصاد.
من جهته، ووفقًا لأقواله، اطمأن تويني لهذه العمليات لأنها نفذت تحت المراقبة، وأنه ينفذ ما يطلبه الحاكم الذي حصل على جائزة أفضل حاكم في العالم مع أوسمة الشرف. وأفاد أن المبالغ التي وصلت لحسابه المصرفي في العامين 2015 - 2016 تقدر بـ44 مليون دولار. وبناءً لتوجيهات الحاكم أصدر 18 شيكًا مصرفيًا مشطوبًا ومسحوبًا على مصرف لبنان لأمر المستفيد الأول المحامي مروان عيسى الخوري، وعند انتهاء كل عملية كان يطلب من سلامة براءة ذمة ما بين 2122015، و2362016، وفي العام 2016، طلب سلامة تنفيذ عملية مالية جديدة فوافق تويني، وأصدر 4 شيكات لصالح المحامي الخوري، وبرّر تويني أن جميع العمليات حصلت بصورة علنية وظاهرة وواضحة أمام الجميع، ومرت عبر مديرية القطع ومديرية العمليات والمالية والمحاسبة باشراف المجلس المركزي.
أقوال تويني يعني أن العمليات المشبوهة تمت بموافقة كل العاملين داخل مصرف لبنان. وشرح تويني أن هذا الحساب يسمى ESCROW ACCOUNT، لا يتغذى من أموال الدولة اللبنانية ولا يدخل في موازنة الدولة، وأن الحق الاقتصادي للأموال يعود لشركة أوبتيموم، وهي شركة خاصة، واستغرب من ادعاء مصرف لبنان في هذه القضية علمًا أن المصرف أشرف على جميع هذه العمليات ووافق عليها ودقق فيها، وتابع أن حساب الاستشارات "مصدر أمواله من أشخاص من القطاع الخاص".
إذن، هي مرحلة تقاذف الاتهامات بين الحاكم وأعوانه. وتساؤلات كثيرة تطرح في هذه القضية خصوصًا أن العمليات المصرفية خضعت لمراقبة المصرف المركزي. وإن كان تويني متيقنًا من قانونيّة التحويلات المصرفية، لم كان ملحًا في الحصول على براءات ذمة بشكل مستمر؟ وما أسباب الحاجة لوسيط مصرفيّ لتجيير هذه الشيكات؟ لماذا لم تحول بشكل مباشر لحساب الخوري؟ ومع الإصرار على اعتبار أن الأموال خاصة، والتأكيد أنها عمولات لأشخاص لم تذكر أي تفاصيل عنهم، تطرح الكثير من علامات الاستفهام حول طبيعة هذا الحساب والأشخاص المستفيدين منه، والمؤكد هنا، أن خفايا سلامة والتواطؤ مع مصرف لبنان سيكشف خلال التحقيقات المقبلة.