مع إعلان وقف إطلاق النار، انطلقت ورش إعادة الإعمار وبدأت العمل على رفع الركام وفتح الطرقات المغلقة، في محاولة لإعادة الحياة إلى طبيعتها. ولطالما شكّلت الردميات أزمة مزمنة في لبنان، بما تحمله من أعباء بيئية وصحية. ومع عودة الأهالي إلى منازلهم، بدأ التذمر من أكوام الركام في الأزقة، وسط سؤال عن مصيره وأين سيدفن.سحب غبار سوداءاستبشر المواطنون خيراً بعودة الهدوء إلى لبنان. لكن الفرحة لم تدم طويلاً بسبب كميات الغبار وسحبه السوداء الكثيفة، التي وصلت إلى المنازل. وقد تواصلت "المدن" مع عدد من المواطنين في برج البراجنة وحارة حريك والنبطية، وهي من المناطق التي تعرضت لدمار كبير، فكانت الشكاوى واحدة ومعاناتهم مع غبار الردم أيضاً. ولا تقتصر المشكلة على غبار الردميات التي تتصاعد من أعمال فتح الطرق، بل ثمة غياب لأي رؤية حول مصير هذه الردميات، وأين ستنقل، وهي راهناً تُجمع بين المنازل. يشرح رئيس بلدية برج البراجنة عاطف منصور لـ"المدن"، أن حجم الدمار الناتج عن القصف الأخير كان هائلاً، ما جعل التعامل مع الأزمة تحدياً كبيراً يفوق إمكانيات البلدية المحدودة". ويقول: "منذ انتهاء الحرب، باشرت البلدية، ضمن الإمكانيات المتاحة والآلات الموجودة، بفتح الطرقات ووضع الركام جانباً. لكن المتعهدين، الذين بدأوا عملهم بشكل جدي هذا الأسبوع، يتولون الآن إزالة الركام وفق خطة تهدف إلى إنهاء العملية خلال أسبوع".
وعن مصير الركام، يوضح منصور أنه لا توجد معلومات تفصيلية حتى الآن حول الوجهة النهائية لهذه الكميات الضخمة. إلا أن المرحلة الأولى تتضمن تخصيص موقع مؤقت في منطقة "الكوستا برافا" لوضع الركام".في حارة حريك تبدو الصورة مشابهة لتلك في برج البراجنة. رئيس البلدية أحمد حاطوم يعتبر أن التحديات المحيطة بإدارة الركام تفوق بكثير الإمكانيات المحلية المتاحة. ويضيف أن "الأماكن المتاحة لوضع الردم محدودة جداً، وتقتصر على "الكوستا برافا" حالياً".ويشكو حاطوم من غياب خطة واضحة للتعامل مع الركام، الذي يمكن الاستفادة منه من خلال الفرز وإعادة التدوير، مشيراً إلى أنه لا يوجد قرار نهائي حول المصير الأخير لهذه الكميات الضخمة ولم يتبلغ رسمياً بأي أمر متعلق بها بعد. وهو يتعاون مع اتحاد بلديات الضاحية لفتح الطرق، حيث "يجمع ركام الدمار في بُوَر مؤقتة بانتظار إيجاد حل شامل ومناسب".النبطية مثل بيروتخلفت الحرب على لبنان ملايين الأطنان من حطام المباني المدمرة في محافظتي الجنوب والنبطية حيث قُدرت الكميات بنحو 8 ملايين طن، ناتجة عن استهداف أكثر من 15,633 مبنى. ويعاني السكان من سحب غبار الردم المتصاعد من أعمال فتح الطرق. وهنا يسلط مختار النبطية، محمد إبراهيم، الضوء على الانقسام بين السكان قائلاً: "من لديه القدرة على الإقامة خارج المنطقة بانتظار رفع الركام فهو يفعل. لكن هناك أناس ما عادوا قادرين على ذلك". وأسوة بعدم وضوح الرؤية في الضاحية حول مصير الردميات، يؤكد إبراهيم أنه "لا توجد معلومات نهائية بعد. لكن من المرجح أن يتم وضعه في منطقة وادي الكفور، كونها واسعة ولا تسبب ازعاجاً لأحد". وهنا يوضح رئيس بلدية الكفور، خضر سعد أن لا قرار نهائياً بعد حول نقل الركام. لكنه أشار إلى أن البلدية على تواصل مع الجهات المعنية، ومن الممكن استخدام وادي الكفور كموقع لتجميع الحطام.فوضى في البلدياتوفق تقرير الأضرار والخسائر الصادر عن البنك الدولي، هناك حوالي 99 ألف وحدة سكنية في لبنان تضررت بدرجات متفاوتة جراء العدوان الأخير. وفي حديثه لـ"المدن"، أوضح حسن دهيني، مستشار وزير البيئة ناصر ياسين، أن الوزارة تسعى لتجنب تكرار تجربة عام 2006 فيما يتعلق برمي الردم في البحر. وقال دهيني، المشارك في دائرة الصحة البيئية في الجامعة الأميركية: "الوزارة بصدد تحديد مواقع مؤقتة لتجميع الردم بطريقة لا تضر بالبيئة، حيث سيتم الاستفادة من كسارات قديمة لهذا الغرض، مثل تلك الموجودة في منطقة القليلة في صور.وحول عدم وضوح الرؤية في البلديات عن مصير الردم، أكد أن الوزارة ستصدر تعميماً يتضمن قائمة بجميع المواقع المحتملة في مختلف المحافظات لتجميع الردم. ففي الوقت الحالي تقوم البلديات بجمع ركام الدمار بشكل عشوائي ومن دون التنسيق مع الوزارة المعنية.وأوضح دهيني، أن الهدف من هذه المبادرة هو تجميع الردم وإعادة تدويره، مشيراً إلى أن الوزارة تعمل حالياً مع خبراء في هذا المجال، سواء عبر مشاركة القطاع الخاص أو من خلال محاولة الحصول على هبات من الدول المانحة التي تعهدت بمساعدة لبنان. فأحد الأهداف الأساسية لاهتمام الوزارة بموضوع الردم، عدا عن تجنب تأثيراته السلبية، تخفيف الكلفة البيئية لإعادة الإعمار. فإعادة تدوير المواد سيقلل من تكاليف البناء بشكل كبير.
التسمم باليورانيوم المنضبحول المخاوف من استخدام إسرائيل اليورانيوم المنضب، بما له من انعكاسات صحية وبيئة مستقبلية، أوضح الدكتور بلال نصولي، رئيس الهيئة اللبنانية للطاقة الذرية، أن الهيئة بالتعاون مع الجيش اللبناني أجرت فحوصات ميدانية في ثمانية مواقع متضررة شملت مناطق حارة حريك، الغبيري، الحدث، المريجة، بالإضافة إلى مواقع في البقاع وبيروت. وأخذت عينات لتحليلها بهدف تحديد احتمال استخدام اليورانيوم.وأكد نصولي أنه "لم تظهر النتائج أي دليل على استخدام اليورانيوم في المواقع التي زُرناها"، لكنه شدد على أن هذه النتائج لا تعني بشكل قاطع أن هذا العنصر لم يُستخدم في مناطق أخرى، قائلاً: "لا يمكننا الجزم بناءً فقط على هذه المواقع، التي شملت أبرز المناطق المتضررة والمحتمل تعرضها لهجمات شديدة".
وأضاف: "في منطقة الغبيري، قمنا بفحص الهواء بشكل يومي على مدى 45 يوماً، ولم نجد أي أثر لليورانيوم في الجو. ومع ذلك، غياب الأدلة في هذه المواقع لا يعني بالضرورة استبعاد احتمال استخدامه فيها".مخاطر صحية وتداعيات بيئيةحول الأثار الصحية للردميات وما ينتج عنها من غبار بما تحمله من مواد سامة، تؤكد جويس حداد، مديرة الوقاية الصحية في وزارة الصحة العامة، أن التعرض المفرط للغبار الناتج عن الركام يشكل تهديداً خطيراً على صحة الجهاز التنفسي ويمكن أن يؤدي إلى أمراض مزمنة لا بل قد يتسبب بالإصابة بسرطان الرئة. وتشير حداد إلى أن الخطر يمتد إلى التلوث الكيميائي المحتمل في مواد البناء المدمرة، فالتعرض طويل الأمد لها قد يسبب تسمماً بالمعادن الثقيلة.من ناحيته يشير حسن حجازي، رئيس جمعية "فكر وإنسان" البيئية، إلى أن "التصرف بالركام في لبنان يتم بطريقة عشوائية عبر رميه في الوديان والجبال، في حين أن المعالجة الصحيحة تستدعي جمعه في أماكن مفتوحة، وفرزه، والاستفادة منه في إعادة الإعمار".ويحذر حجازي من تسرب المواد الكيميائية الناتجة عن الركام إلى التربة وتلوث المياه الجوفية، ما يهدد البيئة الزراعية في لبنان، فتفقد التربة خصوبتها وتتدهور الزراعة في المناطق المتضررة، ويصبح استعادة الإنتاج الزراعي أمراً بالغ الصعوبة. أما المياه الجوفية الملوثة، فتصبح غير صالحة للشرب، مما يعرض السكان لخطر التسمم والأمراض المرتبطة بتلوث المياه".وتتعدى الآثار البيئية التلوث المباشر للهواء والتربة والمياه، حيث تشمل أيضاً تدمير التنوع البيولوجي. ويشرح حجازي أن النباتات والحيوانات البرية تتعرض لخطر الانقراض في المناطق المتضررة بسبب اضطراب النظام البيئي الناتج عن التلوث. هذا التأثير طويل الأمد يقلل من قدرة الكائنات الحية على البقاء والتكاثر، ما يؤدي إلى إلحاق ضرر كبير بالموارد الطبيعية للبنان".