بعد مضي سنة على بداية الحرب في لبنان، بين إسرائيل و"حزب الله"، وتوسع نطاقها في أيلول/سبتمبر الماضي ما أدى إلى ارتفاع وتيرة التغطية الإعلامية لها والتركيز على الخسائر البشرية والمادية للحرب، أطلقت منظمة "أبعاد" حملة بعنوان "الإعتداء ما بغطي إعتداء"، لتسليط الضوء على حماية النساء من العنف خصوصاً في وقت الحروب، حيث تتعرض النساء بشكل مستمر للخطر والتهديد والتمييز.
وقالت مديرة "أبعاد"، غيدا عناني، في حديث مع "المدن": "اليوم وكل يوم، في كل الظروف ومهما اشتدت الأزمات، نضالنا مستمر لإعلاء أصوات النساء المعرضات للعنف صاحبات الحقوق، إلى كافة المعنيين والرأي العام وتسليط الضوء على حقوقهن الإنسانيّة".وأشارت عناني إلى أن حماية النساء من العنف ليست "امتيازاً" بل هي حق، وتتضمن خطط الاستجابة للحماية من مختلف أنواع التمييز والإساءة. علماً ان منظمة "أبعاد" هي مؤسسة مدنية غير طائفية وغير ربحية تأسست العام 2011 بهدف تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عبر تكريس مبادئ المساواة والعدالة الجندرية وتوفير الخدمات المباشرة والحماية والتمكين. وتسعى المنظمة الى تعزيز المساواة وتفعيل مشاركة النساء من خلال تطوير السياسات، والإصلاح القانوني ودمج مفهوم النوع الاجتماعي وإلغاء التمييز وتمكين النساء وتعزيز قدراتهن للمشاركة بفاعلية في مجتمعاتهن.وتقدم المنظمة، كل عام، حملة توعوية حول العنف ضد المرأة، لمدة 16 يوماً، من 25 تشرين الثاني/نوفمبر حتى 10 كانون الأول/ديسمبر. وهذا العام، ركزت الحملة بشكل خاص على التغطية الصحافية لقضايا العنف ضد النساء في أوقات النزاعات، حيث برزت مشاركة الصحافيات اللواتي أشرن إلى أنواع العنف المختلفة التي قد يتعرضن لها أثناء ممارستهن عملهن.
View this post on Instagram
A post shared by Youmna Fawaz (@yumnafawaz)
صحافيات مشاركات في الحملة
وعلى امتداد شهرين، قامت المراسلات بتغطية الأحداث العاجلة والبث المباشر على الأرض، ورغم ارتدائهن السترات الواقية لحماية أجسادهن في المناطق المعرضة للقصف، إلا أنها لم تكن كافية لحمايتهن من العنف البعيد من العناوين الاخبارية والتغطية الميدانية المرئية.وشاركت صحافيات في الحملة، وظهرت 8 صحافيات بالسترات الواقية، كُتب عليها رقم الخط الساخن لـ"أبعاد"، للتذكير بأن حماية النساء هي دائماً أولوية ولا يجب أن تغيب عن الأذهان أمام أي خبرٍ آخر.وتحدثت المراسلة لارا الهاشم، من المؤسسة اللبنانية للإرسال انترناشيونال "LBCI" لـ"المدن" عن أسباب مشاركتها في الحملة، وأوضحت: "نحن الصحافيين والصحافيات من واجبنا أن ندعم القضايا الانسانية والاجتماعية والقضايا التي تعنى بالفئات المهمشة"، مشيرة إلى أن حالات العنف في الحرب قد تزداد نتيجة الضغوط النفسية وسوء الأوضاع الاجتماعية، لكن الأحداث المحيطة بالسيدات لا يجب أن تعيقهن عن التحدث عن العنف الذي يتعرضن له، أو اللجوء للجهات المعنية.وفي فيديو لافت في مواقع التواصل الاجتماعي، ظهرت مراسلة "التلفزيون العربي"، جويس الحاج خوري، وهي تتحدث عن ضرورة عدم تجاهل أصوات النساء المعنفات، قائلة: "أصوات النساء المعنفات لا يجب أن تخفت لتعلو أصوات أخبار أخرى، رقم الخط الآمن موجود على سترتي".
View this post on Instagram
A post shared by Joyce El Hajj (@joeykh)
المحطات المحلية جزء من الحملة الوطنية
وشاركت محطات لبنانية محلية عديدة في الحملة الوطنية لمنظمة "أبعاد" التي بدأت أواخر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، من بينها قناة "الجديد" التي أطلقت في مقدمة النشرة المسائية دعوة إلى "وقف إطلاق النار ضد النساء"، باعتبار أن تغطية قضايا العنف ضد المرأة يجب أن تبقى خبراً عاجلاً، في ظل الحروب والنزاعات كما في أوقات السِّلم. وذكرت قناة "OTV"، في مقدمة نشرتها المسائية، أن "أهمية حماية النساء في كافة المواقع، يجب أن تكون أولوية حتى في أوقات الحروب". من جهتها، دعت "LBCI" في مقدمة نشرتها الإخبارية، إلى تكثيف الجهود لتوفير الحماية للنساء من كل أشكال العنف والتمييز أولاً، وتوفير الدعم النفسي الاجتماعي والطبي والإغاثي لهن، خصوصاً بعد سريان اتفاق وقف إطلاق النار في البلاد.أرقام مؤسفة
قتلت 85 ألف امرأة وفتاة على الأقل عن سابق تصميم، في مختلف أنحاء العالم العام 2023، معظمهن على أيدي أفراد عائلاتهن، بحسب إحصاءات نشرتها الأمم المتحدة قبل أيام، ورأت فيها أن بلوغ جرائم قتل النساء "التي كان يمكن تفاديها" هذا المستوى "ينذر بالخطر". وفي لبنان، تبقى الإحصاءات الموثوقة بهذا الخصوص نادرة. وبحسب بيان سابق لمنظمة "أبعاد"، ارتفعت نسبة جرائم قتل النساء في لبنان في العام 2023 بمعدل 300%، أي بمعدل امرأتين شهرياً، بحسب بيانات المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، فيما يعتقد أن الأرقام الحقيقية قد تكون أعلى من ذلك.والجدير بالذكر أن ظروف الحرب الأخيرة، لا سيما ما نتج عنها من حركة نزوح إلى مراكز الإيواء حيث تكاد تنعدم شروط الخصوصية، إضافة إلى مشاكل الاكتظاظ والمعاناة النفسية، زادت من احتمالات التحرش وأنواع الاعتداءات الجنسية والعنف ضد الفتيات والنساء.
View this post on Instagram
A post shared by Lara El Hachem (@elhachemlara)
وخلال العام نفسه، بلغت نسبة التبليغات على الخط الساخن التابع لوزارة الداخلية 767 شكوى، بمعدل 64 شكوى شهرياً. وقالت مديرية قوى الأمن الداخلي حينها، أن نسبة ضحايا الإعتداء الجنسي من النساء والفتيات ارتفعت أيضاً خلال العام 2023، مقارنة بالعام 2022، وبلغ عددهن 172 ضحية.وخلصت دراسة أجرتها "مؤسسة الفرح الاجتماعية" العام 2022 بدعم من سفارة الولايات المتحدة في بيروت، من خلال مبادرة الشراكة الشرق أوسطية (MEPI)، إلى ضعف في المعرفة والوعي المجتمعي حول العنف القائم على النوع الاجتماعي وسبل وأهمية التبليغ ودعم الناجيات، وضعف الثقة في الجهات المعنية بالمحاسبة على العنف، وفي المعرفة بكيفية التواصل مع هذه الجهات وبشكل أساسي الشرطة والمنظمات غير الحكومية.وخلال الحرب الأخيرة، أعرب "صندوق الأمم المتحدة للسكان"، عن قلقه البالغ إزاء سلامة 520 ألف امرأة وفتاة تأثرن بتصاعد حدة الصراع في لبنان منذ 27 أيلول/سبتمبر الماضي، من بينهن أكثر من 11 ألف امرأة حامل، في حاجة ماسة إلى الرعاية الصحية وخدمات أساسية أخرى.