شاركت صنعاء في الحرب ضد إسرائيل بطرق مختلفة، وعلى نحو مؤثر، ولكنها بقيت شبه منسية في الإعلام. هناك تعتيم مطبق على دورها، ولا توجد معلومات تفصيلية أو حتى تقديرات تقريبية حول مشاركتها، أو الضرر الواقع عليها، خاصة وأن الفضائيات لم تستضف خبراء أو متخصصين من اليمن، كي يعرضوا الصورة، على غرار الذين ازدحمت بهم الشاشات من لبنانيين وعراقيين. وقد بدا غياب اليمن في الإعلام ملحوظاً على نحو كبير في الأسابيع الأخيرة، مع التراجع في العمليات من هناك. وربما عاد إلى الأضواء في حال تنشيط إيران لجبهة صنعاء، بعد وقف إطلاق النار في لبنان.
التحقت جماعة "أنصار الله" اليمنية (الحوثيون) بالحرب، من ضمن ما بات يُعرف بجبهة المساندة لغزة، التي شملت كذلك لبنان والعراق. وتعدّدت واختلفت أشكال العمليات التي تنطلق من اليمن، لكن الإعلام الذي يتابع الحرب، لا يوفر تغطية وافية سواء لمدى أهمية هذه الجبهة، أو للأضرار التي تتعرض لها بفعل العمليات العسكرية الإسرائيلية والأميركية والبريطانية.
تارة يحتجز الحوثيون سفينة في البحر الأحمر، وهي متوجهة إلى ميناء إيلات في إسرائيل، ويقصفون أخرى من بعيد من أجل إعطابها، وحصل أنهم قاموا بإنزالات على بعضها، ومصادرتها، واعتقال طاقمها، كما حدث للسفينة "غالكسي ليدر" في تشرين الثاني من العام الماضي، والتي لاتزال قيد الاحتجاز، مع طاقمها المكون من 17 شخصاً، ومن حين لآخر يضربون أهدافاً داخل اسرائيل بصواريخ بالستية وطائرات مسيّرة.
بدا من ردود الفعل الإسرائيلية والأميركية والبريطانية أن بعض العمليات التي قام بها الحوثيون ذات تأثير مهم. وهناك آثار منظورة على الاقتصاد، بسبب تضرر الملاحة التجارية في البحر الأحمر، التي تمر من مضيق باب المندب باتجاه قناة السويس، ولكن العمليات الاسرائيلية والأميركية لم تستهدف الرد على ذلك بالدرجة الأولى، بل الانتقام نتيجة آثار القصف بالصواريخ والمسيّرات، التي تأتي من المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون في شمال اليمن.تنبهت واشنطن إلى مخاطر عمليات الحوثيين في البحر الأحمر منذ بداية الحرب الإسرائيلية على غزة، وحاولت إنشاء آلية مراقبة دولية اقليمية في كانون الأول الماضي تحت اسم "حارس الازهار"، وكان الهدف من ذلك تدويل أمن البحر، ومنع الهجمات التي يقوم بها الحوثيون على السفن المتجهة نحو ميناء إيلات الاسرائيلي، لكن المشروع بدأ أعرج واستمر كذلك، بسبب انسحاب فرنسا وأسبانيا وإيطاليا من القوة، وعدم استجابة الدول العربية المتشاطئة على البحر للمشاركة فيها، وقد شكل ذلك رفضاً صريحاً للاصطفاف إلى جانب الولايات المتحدة في هذه المعركة، والسبب الرئيسي هو أن واشنطن شكلت التحالف من أجل حماية اسرائيل، وليس من أجل أمن حركة الملاحة البحرية التجارية في البحر الأحمر. وأكدت الدول الأوروبية أن هذه المهمة الخاصة، يجب أن يكون لها نطاق عملها، ووسائلها، وأهدافها الخاصة، التي تحددها الهيئات المختصة في الاتحاد الأوروبي، بالشراكة مع دول المنطقة.
وفي اعتبار أن دعم الحوثيين يأتي من طهران، باتت قضية أمن البحر الأحمر مفتوحة بين الولايات المتحدة وإيران، التي تعتبر على لسان حلفائها الحوثيين، أن الوجود الأميركي في البحر الأحمر غير مشروع. وعززت طهران وجودها هناك بدخول واحدة من أهم مدمراتها الحربية عبر مضيق باب المندب الاستراتيجي، لتنضم إلى عدة سفن من البحرية الإيرانية الموجودة في المنطقة، وتزايد عددها بقوة منذ عام 2009. وهي اليوم في حساب رصيد إيران الاستراتيجي، على مستوى اختراق هذه المنطقة البعيد كلياُ عن مجال أمنها الحيوي.
لا أحد يعرف تفاصيل دقيقة عن الآثار الذي أحدثتها عمليات الحوثيين ضد اسرائيل، والتي تبدو أنها على خلاف نظيرتها العراقية الرمزية جدا، نظراً لحرص طهران على عدم إحراج الحكومة العراقية من جهة، ومن جهة أخرى التخوف من عمليات عسكرية انتقامية اسرائيلية تخلط الأوراق، بسبب حالة الانقسام بين الحكومة التي تحرص على علاقة جيدة مع واشنطن، وفصائل الحشد الشعبي التي توالي طهران وتعمل وفق أجنداتها.
لا أحد يعرف، في الوقت ذاته، مدى تأثير الغارات الإسرائيلية والأميركية والبريطانية على اليمن، كل ما صدر يقدم معلومات عامة، خالية من التفاصيل. المعلوم هو أن بعض الغارات استهدف ميناء مدينة الحديدة ومحطة توليد الكهرباء وبعض المعسكرات والمطارات العسكرية في صنعاء وصعدة معقل الحوثيين الحصين والرئيسي. ويقف الأمر عند المعلومات العامة من دون تفاصيل.
البنية التحتية في اليمن هشة بالأصل، وساهمت حرب الأعوام العشرة الأخيرة في إضعافها، وها هي تتعرض لعمليات عسكرية، ما يعني أن الوضع في تفاقم مستمر، ويزداد سوءا، ونظراً لأن صنعاء مغلقة، وتحكمها القبضة الأمنية الحوثية، المعززة بخبرات إيرانية، فإن ما يتسرب من معلومات شحيح جداً، ولكن المؤكد أن اليمنيين يدفعون ضريبة عالية على غرار اللبنانيين والسوريين والعراقيين، الذين لا تعنيهم حروب إيران، التي حولت هذا البلد إلى معسكر كبير، وهذا يمكن ملاحظته من خلال الحرب التي خاضها الحوثيون ضد قوات الشرعية والتحالف، وعمليات القصف للمطارات والمنشآت الاقتصادية في الامارات والسعودية، والتي لم تكن بسيطة، بل مؤثرة وكبيرة، وكادت تصل إلى تعطيل المطارات المدنية ومصافي النفط ومحطات تصديره.