اعتلى الأمين العام لحزب الله الشهيد السيد حسن نصر الله في ٢٢ من أيلول ٢٠٠٦ المنبر ليعلن “الانتصار الالهي والاستراتيجي” بعد ٣٣ يوماً من حرب تشكيل “الشرق الأوسط الجديد” حسب تعبير وزيرة الخارجية الامريكية كونداليزا رايس.. كانت حرباً شعواء أخفقت “إسرائيل” فيها ورئيس حكومتها إيهود أولمرت في تحقيق المشروع الامريكي، وسقط أولمرت وحكومته، ولكن واشنطن وتل أبيب باشرتا في اليوم التالي لوقف إطلاق النار التحضير لحرب جديدة من أجل تنفيذ المشروع نفسه، وفي المقابل بدأ تبلور تشكيل جبهة المقاومة ومحاورها.
دامت “الهدنة” ١٨ عاماً تخللتها حروب كثيرة في المنطقة خططت لها واشنطن وقادتها وموّلتها وجهّزت أدواتها السياسية والاقتصادية وحشدت لها القوى العسكرية والأمنية فكانت معارك قطاع غزة المتتالية وصولا إلى “طوفان الأقصى” الذي استبق تنفيذ الخطة الاسرائيلية لإعدام القطاع، وكانت معارك التكفيريين في سوريا التي هدفت إلى إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد واستبداله بنظام حليف يقطع خطوط إمداد المقاومة في لبنان ويطبق الحصار على مجتمعها وبيئتها الحاضنة، واستكملت واشنطن خطتها بضرب النظام اللبناني الهشّ بمختلف مستوياته السياسية والاقتصادية والاجتماعية وبكل قطاعاته ومؤسساته الرسمية والخاصة، سعيا لتحويله إلى أرض خصبة للاستثمار الاستخباري والأمني والإمعان في تفكيك مفاصل استقراره ووجوده.
ترافق كل ذلك مع حملات منظّمة لتحقيق هدفين رئيسيين، الأول: تكريس مشروع التطبيع مع الدول العربية بالتوازي مع تسويق فكرة “الدين الابراهيمي” الذي يسوّغ مساعي التطبيع ويغطّيها.
والثاني: تصوير إيران والحركات المنضوية في جبهة المقاومة في فلسطين ولبنان والعراق واليمن على أنها المحور المخرّب للسلام في المنطقة، وأنها العدو الفعلي للعرب وليس “إسرائيل”.. وعليه فإن أي كيان أو دولة عربية تطمح لأن تلتحق بركب الدول الكبرى المتقدّمة يجب عليها أن تنضم إلى المشروع الأمريكي وتناصر أداته التنفيذية “إسرائيل”.
وقعت الحرب على الجبهة اللبنانية على مدى ٧٢ يوماً كان الشهيد السيد نصر الله يردّد خلالها وقبلها أنها حرب لا نريدها وهي مفروضة على لبنان، وأن المقاومة ملتزمة بحكم التاريخ والجغرافيا والقضية والانتماء العربي والاسلامي بدعم وإسناد الشعب الفلسطيني في غزة، وأننا جاهزون لدفع الأثمان الغالية في هذا الخيار والطريق، وهذا ما حصل في اغتيال السيد نصر الله ومجموعة كبيرة من القيادات السياسية والعسكرية للمقاومة اعتقاداً من العدو بأن ذلك سيحسم المعركة وفق ما كان مخططاً له بدءا بمجزرة “البيجر”، وهي واقعة أقرّ العدو بأنها كانت تشكّل الخطوة الأولى التي تمهّد لبدء تنفيذ خطة القضاء على حزب الله كمقدّمة لتغيير الشرق الأوسط.
كان رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو واضحاً في إعلان أهداف الحرب وكذلك أركان مجموعته الإرهابية وبسقوف عالية جداً، وهو الذي كان تبجّح بأنه يخوض الحرب نيابة عن العالم كلّه..
إذن فقد كانت حرباً عالمية ضد المقاومة، ولم تكن ذا طابع خارجي فقط بل آزرها معاونون من الداخل في فلسطين ولبنان، انشغلوا بمهمة الترويج لمرحلة ما بعد المقاومة.. ولكن الذي حصل – كما في حروب ١٩٩٣ و١٩٩٦ و٢٠٠٦ – أن المقاومة هشّمت المشروع الأمريكي وبعثرت خطواته وأجبرت واشنطن ونتنياهو على وقف إطلاق النار على جبهة لبنان وفق القرار ١٧٠١ الذي لم تلتزم “إسرائيل” بتطبيقه وأمعنت في خرقه باعتداءاتها المستمرة.
وثمة من يسأل: ما الذي حققته المقاومة مع هذا الكم الكبير من الشهداء والجرحى، والتدمير الهائل في قرى المواجهة والمناطق المحسوبة على مجتمع المقاومة وبيئتها على امتداد الوطن!؟ الجواب هو في إعلان نتنياهو نفسه، على الرغم من تبجّحه المعهود والكاذب، بأن وقف إطلاق النار فرصة لاعادة تأهيل الجيش وتجهيزه للمعركة التالية، وهذا يعني أنه لم يعد بمقدوره الاستمرار في الحرب مع جيش منهك لم يستطع بكل مقدراته الهائلة والمدعومة من العالم كلّه أن يثبّت له موطئ قدم في أي بلدة جنوبية حدودية، دون ان نستغرق في تعداد أزماته الداخلية فضلاً عن استمرار الشتات اليهودي من مستوطنات الشمال الفلسطيني، وفي المقابل يُطرح سؤال آخر: لو كان نتنياهو قادراً على الاستمرار في الحرب فلماذا يقبل مذعناً بوقف إطلاق النار!؟ ولماذا سارع آموس هوكستين بتسويق هذا القرار بعد فشله في فرض طروحاته الاستسلامية على لبنان!؟
إنه الميدان الذي راهن عليه الشهيد السيد نصر الله وأبدع فيه أبناؤه ومجتمعه وبيئته وشارك في دعمه الشرفاء من اللبنانيين الذين أسهموا في معركة الاحتضان والإيواء والضيافة لأخوانهم النازحين، فصنعوا الانتصار مرة جديدة على خطوط الجبهة، ويبقى صنع الانتصار الآخر في إعادة بناء لبنان الدولة ومؤسساته السيادية بحق، وليس بالتبعية للسفارات.
موقع سفير الشمال الإلكتروني