“البلاك فرايداي”، الذي يُطلق عليه “الجمعة السوداء”، هو تقليد تسويقي بدأ في الولايات المتحدة، ويوافق الجمعة التي تلي عيد الشكر مباشرة. يعود أصله إلى أوائل القرن العشرين، عندما استُخدم المصطلح للإشارة إلى اليوم الذي تحقّق فيه المتاجر أرباحًا ضخمة بعد موسم ركود المبيعات. الاسم يعكس الانتقال من الخسائر المالية (المُشار إليها باللون الأحمر) إلى الأرباح (المُشار إليها باللون الأسود) في سجلّات الحسابات.
أهداف الـ”بلاك فرايداي”
“البلاك فرايداي” ليس مجرّد موسم للتسوّق، بل هو استراتيجية اقتصادية تهدف إلى تحقيق أهداف متعدّدة من أبرزها نذكر زيادة المبيعات، حيث تقدّم المتاجر خصومات جذابة لتحفيز العملاء على الشراء بكميات كبيرة. كما يُعدّ فرصة لتصفية المخزون وبالتالي التخلص من المنتجات القديمة، ما يتيح المجال لإطلاق منتجات جديدة. ومن خلال العروض المغرية، تسعى الشركات إلى كسب رضا العملاء وتشجيعهم على العودة إلى التسوّق، وبالتالي تعزّز ولاء العملاء. كما يُسهم الـ”بلاك فرايداي” في زيادة الإنفاق الاستهلاكيّ، ما ينعكس إيجابًا على النموّ الاقتصادي، ويحفّز النشاط الاقتصادي.
في هذا الإطار يقول جو يرق، رئيس قسم الأسواق العالمية في شركة “Cedra Markets”، في حديثه لـ”النهار”، إنّ “حجم مبيعات التجزئة خلال الجمعة السوداء يُعدّ ضخماً للغاية. في عام 2023، بلغت قيمة المبيعات حوالي 20 مليار دولار، مقسّمة بشكل متقارب بين المبيعات الإلكترونية (9.8 مليارات دولار) والمبيعات التقليدية في المتاجر (10.2 مليارات دولار)”.
وأضاف يرق: “هذا الرقم يوفّر مؤشّراً مهمّاً على توجّهات إنفاق المستهلكين ويمنحنا تصوّراً واضحاً حول الأداء المتوقّع لمبيعات التجزئة خلال فترة أعياد الميلاد. فكلّما كانت مبيعات الجمعة السوداء قوية، كلّما انعكس ذلك على قوّة الإنفاق الاستهلاكي، ما يعدّ دليلاً على أداء اقتصادي قوي في الولايات المتحدة، حيث يُظهر المستهلكون قدرة شرائية كبيرة”.
أهميته الاقتصادية
يُعتبر الـ”بلاك فرايداي” موسمًا محوريًا في دورة الاقتصاد الاستهلاكي. وفقًا للإحصاءات، تحقّق العديد من المتاجر جزءًا كبيرًا من إيراداتها السنوية خلال هذا الموسم. كما يساهم في زيادة الطلب، فالخصومات تجذب العملاء، ما يؤدّي إلى ارتفاع حجم المبيعات. كما يساهم في خلق فرص عمل، حيث تحتاج المتاجر إلى توظيف عمالة إضافية لتلبية الطلب المرتفع.
ويعمل الـ”بلاك فرايداي” على تعزيز الاقتصاد الرقم، فازدهار التجارة الإلكترونية في هذا الموسم يعزّز نموّ القطاع الرقمي، خاصة مع اعتماد المستهلكين على التسوّق عبر الإنترنت.
وشرح يرق أنّ ” شركات التجزئة تعتبر الجمعة السوداء فرصة جوهرية، إذ تعتمد بشكل كبير على هذا اليوم لتحديد توقعاتها للمبيعات المستقبلية. إضافة إلى ذلك، تعزّز هذه الفترة الاقتصاد من خلال خلق فرص عمل مؤقّتة نظراً إلى ازدياد الطلب، ما يدعم حركة السوّق”.
بالنسبة إلى التخفيضات، يقول يرق، فهي تلعب دوراً أساسياً في جذب المستهلكين، على الرغم من وجود حالات يتم فيها تضخيم الأسعار قبل تقديم الخصومات. ومع ذلك، يظلّ يوم الجمعة السوداء فريداً من نوعه بسبب الإقبال الكبير مقارنة بالأيام العادية، حيث تقف الحشود في صفوف طويلة انتظارًا لفرص الشراء.
تأثيره على الشركات والأسواق
يحقّق الـ”بلاك فرايداي” أرباحًا هائلة للشركات، سواء عبر المبيعات التقليدية أو الرقمية، فيساهم في زيادة الإيرادات، كما يعزّز المنافسة، حيث يتسابق التجار لتقديم أفضل العروض، ما يخلق بيئة تنافسية تدفع الابتكار في استراتيجيات التسويق. وفيما يحفز الـ”بلاك فرايداي” الاستهلاك، حيث يؤدّي الخصم الكبير على السلع إلى زيادة الإقبال، ما يُحدث حراكًا في الأسواق المحلية والدولية، هو أيضًا يعطي دفعًا للتسويق الذكي، حيث تعتمد الشركات على الإعلانات الرقمية، من خلال التسويق عبر وسائل التواصل الاجتماعي، واستراتيجيات الترويج المبتكرة لجذب العملاء.
هذا اليوم يمثّل بارومتر لقوّة المستهلك وأدائه في السوق، بحسب رئيس قسم الأسواق العالمية في شركة “Cedra Markets”، الذي لفت إلى أنّ “التوقّعات تشير إلى استمرار النموّ، حيث حقّقت المبيعات في العام الماضي نسبة نمو بلغت 7.6 في المئة ومن المتوقّع أن يشهد العام الحالي نموًّا إضافيًّا بفضل قوة الاقتصاد الأميركي وزيادة الإنفاق الاستهلاكي”.
الـ”بلاك فرايداي” عالميًّا
رغم أنّه بدأ في الولايات المتحدة، إلّا أنّ تأثير الـ”بلاك فرايداي” امتدّ عالميًّا. العديد من الدول تبنّت الفكرة، مع تكييفها لتناسب خصوصيات أسواقها. مثلًا، في العالم العربي، انتشر المفهوم تحت مسمّى “الجمعة البيضاء”، ويُحقّق نجاحًا كبيرًا بفضل زيادة الوعي الاستهلاكي والثقة بالتجارة الإلكترونية.
ورغم النجاحات الكبيرة، يواجه الـ”بلاك فرايداي” انتقادات، منها الاستهلاك المفرط، فهو يُشجع المستهلكين على الشراء غير الضروري.، كما يساهم في الضغط على الشركات الصغيرة، فالشركات الكبرى تقدّم تخفيضات ضخمة يصعب على الصغيرة منافستها. وهو يضرّ بالقضايا البيئية، حيث أنّ زيادة المشتريات تؤدّي إلى ارتفاع استهلاك الموارد والنفايات.
في المحصّلة، “البلاك فرايداي” ليس مجرّد حدث تسويقي، بل هو ظاهرة اقتصادية تترك أثرًا عميقًا على الأسواق والشركات. ورغم التحدّيات التي يواجهها، يبقى فرصة حقيقية لتحقيق النمو وزيادة المبيعات، خاصة للشركات التي تستغلّ هذا الموسم بحكمة عبر تقديم عروض مبتكرة وتلبية احتياجات العملاء.