"صباح الخير.. للمرة الأولى من دون صافرات إنذار منذ 14 شهراً".. هكذا احتفى مراسل الإذاعة العبرية الرسمية في الجبهة الشمالية، باتفاق وقف إطلاق النار في لبنان، وذلك بإفادته خلال النشرة الصباحية، بعد مضي الساعات الأولى على بدء تنفيذ الاتفاق "بلا قذائف ولا صواريخ ولا صافرات إنذار"."اختبار صعب"
لكن المراسل "المحتفي" بدا حذراً أيضاً، إذ قال: "أمامنا فترة اختبار ليست سهلة"، في حين ارتأت معظم التلفزيونات والإذاعات والصحف في إسرائيل، أن تعنون المرحلة الأولى لاتفاق لبنان وإسرائيل، برعاية وضمانة أميركية، بـ"هدوء حذر" و"استراحة محارب" و"هدنة معقدة"، في إشارة إلى أنّ انتكاسة الهدنة التجريبية مدة شهرين، تبقى قائمة كلَّ لحظة، وتحت أي حجة، ناهيك عن ربط إسرائيل "نجاح" الاتفاق، بخطوات واتفاقات سياسية لاحقة ومتوازية، تصب باتجاه تكريس "واقع جديد" في المنطقة برمتها، كما تنشده الولايات المتحدة والدولة العبرية.لكن نقطة تُعدّ رئيسية، باعتبار أن إسرائيل اتخذتها عنواناً لشرعنة شن عدوان واسع على لبنان، بقيت بلا إجابة حاسة من ساسة تل أبيب، ولا إعلامها، وهي "إعادة سكان الشمال الإسرائيلي إلى منازلهم وبلداتهم المحاذية للحدود".لا عودة قريبة لسكان الشمال
وسلطت هيئة البث العبرية الضوء على شعور رؤساء السلطات المحلية في "البلدات الواقعة على خط المواجهة"، بـ"خيبة أمل وإحباط"، بعد اجتماعهم مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الثلاثاء، ليشرح لهم الاتفاق، لكنه أخبرهم أنه لا عودة قريبة؛ لأنها مرهونة بصياغة خطة في الأسابيع المقبلة.وقال رؤساء السلطات المحلية إن نتنياهو أبلغهم أن الخطة ستستهدف "البلدات الحدودية" الواقعة على الخط من "صفر إلى 9"، حيث تتضمن إعادة بنائها مادياً ومجتمعياً، وتخصيص موازنات مالية لذلك.ونوه مراسلون إسرائيليون بأن المناطق المحاذية لحدود لبنان، مدمرة، ولا يمكن العودة بهذه السرعة، عدا عن أن العودة مرهونة بترتيبات لوجستية وأمنية، إضافة إلى سبب آخر أشار إليه الإعلام العبري، وهو أن إسرائيل لا تستعجل عودتهم في هذه المرحلة، كونها تريد أولاً مراقبة كيفية سير الأمور، وما إذا سيصمد الاتفاق مع لبنان أم لا.ولعلّ هذه النقطة تعزز بطريقة أو بأخرى، الاستنتاج القائل إن "إعادة السكان" كانت مجرد ذريعة إسرائيلية للعدوان على لبنان، لتمرير أهداف عسكرية وسياسية أوسع، بالنسبة لليمين الحاكم في إسرائيل، وخصوصاً في ما يتعلق بنسف المبدأ الإيراني بـ"وحدة الساحات والجبهات"، فكرة ونهجاً.وبالنسبة للنازحين اللبنانيين، سارع جيش الاحتلال إلى تحذيرهم من العودة إلى البلدات والمناطق التي تتواجد فيها قواته، وأن تتم عودتهم عند إبلاغهم بذلك، بموجب التدرج المنصوص عليه في الاتفاق.الانسحاب التدريجي يبدأ "قريباً".. بوتيرة مشروطة
وفي إجابته على سؤال بشأن ما إذا كان انسحاب الجيش الإسرائيلي من المناطق اللبنانية سيكون سريعاً أم بطيئاً، قال المراسل العسكري لتلفزيون "مكان" العبري، إيال عاليما، إن الأمر منوط بدرجة كبيرة بما سيحدث في الطرف اللبناني، بدعوى أن هدنة "الستين يوماً" تعطي القيادة العسكرية الإسرائيلية، الفرصة لمراقبة طريقة تطبيق "الطرف الآخر" للاتفاق، سواء من ناحية انتشار أفراد الجيش اللبناني، والمرافقة الأميركية. ونوه عاليما بأن النقطة الأكثر أهمية بالنسبة لتل أبيب، هي أن الاتفاق شكل بنهاية الأمر "نظاماً للمراقبة والتطبيق"، وهو ما يُفترض أن يكبح إمكانية عودة مقاتلي حزب الله إلى المنطقة الحدودية، ومنع عودة تهريب السلاح إليه، وكذلك الحال بالنسبة لعودة قدراته العسكرية. وبهذا المعنى، فإن الفترة الزمنية المنصوص عليها تمنح الجيش الإسرائيلي فرصة الانسحاب التدريجي والتطبيق المتدحرج للإتفاق، بوصفها "وسيلة لتأكد قيادة الجيش الإسرائيلي من تطبيق الاتفاق فعلاً، ووفق شروطه". واللافت هنا، هو ما كشفه عاليما نقلاً عن مصدر عسكري، ومفاده أن القوات الإسرائيلية ستبدأ عملية الانسحاب التدريجي "قريباً"، إلا أنه لم يحدد وقتاً بعينه.جدل إسرائيلي حول "فوائد الاتفاق"
في السياق، سأل الإعلام العبري جنرالات وخبراء استراتيجيين، عما إذا كان يعتبر الاتفاق "جيداً لإسرائيل؟"، فكانت إجابة الجنرال بالاحتياط كوبي لافي، بأنه "لا يعلم تماماً.. لأن الأمر متوقف على الحاجة إلى التأكد من أن الاتفاق لن يساعد حزب الله على العودة إلى الحالة التي كان عليها قبل الحرب، وعندها سيكون الاتفاق إنجازاً للجميع"، وفق تعبيره.في حين رأى المحلل العسكري لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، يوسي يهوشع، أن اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان، يثير جدلاً، من منطلق أن "إسرائيل حققت انتصار عسكرياً على حزب الله، لكن الاتفاق يمنح الحزب فرصة لإعادة قوته"، على حد قوله. وبمنظور يهوشع، فإن الاتفاق حينما حدد "التهديدات الفورية"، لم يقم بتعريفها، وهي ما ستشكل "ثغرة سيستغلها الحزب لإعادة ترميم نفسه". أما الجنرال احتياط أودي أفنتال، فقد رأى أن الاتفاق حقق "10 فوائد" لإسرائيل: حرية حركة في تطبيق الاتفاق، إنهاء فكرة وحدة الساحات، إطلاق مشروع إعمار الشمال وعودة السكان، منع الانزلاق إلى حرب استنزاف، تحول حزب الله إلى موقف "دفاعي" في الساحة الداخلية اللبنانية، عودة التركيز على ملف إيران النووي، تخفيف العبء عن الاقتصاد وقوات الاحتياط، تجديد مخازن الذخيرة، المس بخط تهريب السلاح من سوريا، إنعاش الجهود لتوسيع التطبيع.بينما اعتبرت مقالات عبرية أن الاتفاق "ليس نهائياً"، وأن العبرة بنجاح الستين يوماً.. وما بعدها. ولم ينسَ الإعلام العبري أن يسأل أيضاً عن كيفية انعكاس الاتفاق في الشمال على بقية الجبهات التي "تواجهها" إسرائيل.الاتفاق.. للتحول نحو إيران
وتوقف التلفزيون العبري "مكان" عند خطاب نتنياهو الذي سوق فيه الاتفاق، حيث قال مراسله العسكري إنّ نتنياهو غيّر الرسائل، وعاد إلى "التهديد" القديم الجديد، ألا وهو الملف النووي الإيراني. ولفت مراسل "مكان" العسكري بأن جملة نتنياهو عن إيران، سبقها بأيام تأكيد مصدر أمني "كبير" له بأنه يجب التركيز في هذه المرحلة على قضية "تهديد إيران.. وضرب منشآتها النووية".وبهذا المعنى، عاد نتنياهو مرة أخرى إلى الشعار التقليدي، لدرجة أن المراسل الإسرائيلي أوضح أنه "ليس صدفة" أن يحاول نتنياهو بهذه الطريقة، تغيير الانتباه الإعلامي بشأن كل ما يحدث في هذه المرحلة. وهنا، أشار المراسل العسكري إلى نقطة أخرى مرتبطة برسالة نتنياهو بشأن إيران، وهو أنه يريد استباق انتقادات داخلية محتملة، عبر قوله إنه "بدأ بغزة.. ثم انتقل إلى لبنان، وبعدها سيركز على إيران".ترامب.. كدافع للاتفاق!
وفي ما يتعلق بارتباط العاملين المتمثلين بـ"إنهاك القوات ونقص الذخيرة"، بوقف إطلاق النار، شددت مصادر عسكرية في تسريبات للإعلام العبري، على أنه بغض النظر عن ذلك، فإن قيادة الجيش دعت إلى الاتفاق مع لبنان، باعتباره "أمراً صحيحاً في هذه الظروف، ومن دون الاتفاق كانت هناك خشية من ضياع الإنجازات العسكرية التي حققها الجيش حتى الآن، والانجرار في حرب استنزاف".مع ذلك، رأت بعض التقديرات الإسرائيلية أن عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض كانت سبباً رئيسياً آخر في تسريع الاتفاق، بحجة أن إيران وحلفاءها "خائفون من ترامب ومرحلته"، وهو ما دفع إلى ترويج أوساط سياسية في تل أبيب إلى أن "نجاح" الاتفاق النهائي، يكمن في "اليوم التالي لمنطقة جديدة"، وأن هذا سيُحسم في عهد ترامب، بناء على قراراته وخطواته المرتقبة، بدعوى أنه "سيُنعش" المشروع المأمول للمنطقة، وفق ادعائها.