بينما كان وقف إطلاق النار أقرب إلى التحقُّق كان هناك من يسعى إلى ترجمة الأجواء الإيجابية بالتحضير لإعادة الإعمار، ومَن استَبَقَ وقف الحرب مستعيناً بـ"عقلية المتموّلين"، وفق أحد المقاولين الذين جرى التواصل معهم من قِبَل بعض المتموّلين الجنوبيين للتحضير لإعادة بناء قصورهم التي دمّرتها الحرب كلياً أو جزئياً.ميس الجبل مؤشِّر الخروج والعودة
قبل نحو شهر من انفلاش رقعة الحرب وتصاعد حجم الدمار الذي سبّبه العدوان الإسرائيلي، اتّخذَ تجّار قرية ميس الجبل قرارهم الحاسم بتفريغ مخازنهم ونقل بضائعهم خارج الجنوب. وكان لهذه الخطوة العاجلة والتي وثّقتها كاميرات الهواتف يومها، دلالة على أنّ الحرب التي اندلعت قبل نحو عام، ستشتدّ وتُنهي اقتصاد الجنوب بعد إفراغه من سكّانه. (راجع المدن).
اليوم، تعود الأنظار مجدداً إلى ميس الجبل من خلال تواصل عدد من متموّليها مع مقاولين للتحضير لإعادة إعمار قصورهم. إذ يؤكِّد أحد المقاولين أن "عدداً من المتموّلين في ميس الجبل اتّصلوا قبل نحو أسبوعين، للاطمئنان على جهوزيّتنا لإعادة بناء قصورهم فور انتهاء الحرب". ويشير المقاول في حديث لـ"المدن"، إلى أن المتموّلين الذين تواصلوا معه، أكّدوا أنهم "لن يتنظروا قرارات رسمية أو غير رسمية بالكشف عن الأضرار والتعويض لاحقاً. بل يريدون رفع الأنقاض وتحضير المساحات الموجودة لإعادة بناء ما جرى هدمه". وبنظر المقاول "سعي المتموّلين لإعادة بناء قصورهم، يشير إلى أن وقف إطلاق النار سيدوم".إعادة الإعمار مرهونة حتماً بقرار رسمي يؤكِّد لسكّان الجنوب عموماً، والقرى الحدودية خصوصاً، امكانية العودة بأمان. فالدمار الهائل في المناطق الحدودية يعرقل عملية المسح والتحضير لإعادة الإعمار. لكن ما يسعى له المتموّلون هو "حجز أماكن لهم استباقاً لكثافة طلبات البناء التي تنهال على المقاولين". علماً أن "بعض متموّلي ميس الجبل يتعاقد مع مقاولين تربطهم علاقة تعود إلى فترة إعادة الإعمار بعد حرب تموز 2006، ومنهم مقاولون سوريون بنوا قصوراً لمتموّلين في ميس الجبل وضواحيها، ويُعاد التواصل معهم اليوم". وعليه، فإذا كانت شارة الخروج الكبير انطلقت سابقاً من ميس الجبل، فإن مؤشّرات العودة تُلتَمَس منها.إعادة البناء "واجبة"ستعيد عملية إعادة الإعمار تنشيط سوق قطاع البناء، لكن المتموّلين سيستفيدون من "خطوة إضافية" يسبقون عبرها باقي المواطنين. فيرى أحد رجال الأعمال في منطقة صور أن "توفُّر المال يساعد في إعادة البناء سريعاً، وهي خطوة مطلوبة لاستعادة الاستقرار المفقود منذ أكثر من سنة". ويشير رجل الأعمال في حديث لـ"المدن"، إلى أن "إعادة الإعمار السريعة واجبة لأنها ردّ مباشر على العدوان الإسرائيلي الذي أراد تهجير الجنوبيين من قراهم. وإذا كانت عملية إعادة الإعمار لكل الجنوبيين، تستغرق وقتاً بسبب بعض الترتيبات الإدارية والرسمية واللوجستية، فإن قدرة أصحاب رؤوس الأموال على إعادة بناء منازلهم ومؤسساتهم سريعاً، هي رسالة للعدو بأن الجنوبيين يعيدون سريعاً ترتيب أوضاعهم في أرضهم. وفي الوقت نفسه، قد تكون رسالة إلى المعنيين في لبنان لتسريع إعادة الإعمار".
لا يعني سباق المتموّلين مع الوقت لإعادة بناء قصورهم ومؤسساتهم، تخلّيهم عن حقّهم في التعويضات التي يجب أن تقدّمها الدولة أو أي جهة أخرى معنية بهذا الملف، لأن "امتلاكنا المال لا يعني أننا لسنا بحاجة لمن يتحمَّل مسؤولية دمار ممتلكاتنا". ويقول رجل الأعمال إن "المنازل والمؤسسات والأراضي الزراعية المتضرّرة بفعل العدوان، هي خسائر تسجَّل علينا ولسنا مجبرين على تحمّلها طالما أن هناك قرارات اتُخِذَت خارج إرادتنا. وبالتالي، فإن إعادة البناء السريعة التي سيقوم بها كلّ شخص قادر مادياً، لا تلغي وجوب التعويض. فالقدرة المادية لا تعني التنازل عن الحقّ".الإمكانيات المالية للمتموّلين وقدرتهم على تدبير أمورهم سريعاً بعد قرار وقف إطلاق النار "لا يعني أنّهم لا يشعرون مع أهاليهم في القرى الجنوبية. بل على العكس، ما نملكه هو ملك الجميع، وما نستطيع تقديمه لن نبخل به".تحمل الحرب الكثير من المآسي التي قد يصل المرء أمامها إلى مرحلة العجز، لكن بعض الأنشطة تعطي تفاؤلاً وإن كانت محدودة مقارنة بحجم الدمار والخراب. وكما كان لخروج التجّار والمتموّلين دلالة سلبية على ما قد يشهده الجنوب، تُظهر عمليات البناء التي يتحضّر لها المتموّلون، أن إعادة تنشيط الحياة في الجنوب، ضرورية، سيّما وأن عمليات البناء تستتبع تحريك دورة اقتصادية يستفيد منها المقاولون وأصحاب مؤسسات بيع مواد البناء وكل ما يرتبط بمراحل البناء. وبالتالي، فإن عمليات البناء مهما كانت محدودة في كل قرية، ستسهِّل على الكثير من العائدين إيجاد فرص عمل هُم بحاجة إليها لاستعادة الحياة في الجنوب.