فيما تؤكد الأرقام الرسمية حول حجم الاستثمار في مناطق النظام السوري، فشل مساعي الأخير في تحريك عجلة الاستثمار المتوقفة منذ أكثر من عقد كامل، يحاول النظام تقديم صورة أكثر إيجابية عن الوضع، تزعم نجاحه في خلق بيئة استثمارية آمنة وتنافسية، الأمر الذي تدحضه المعطيات الميدانية.
ووفقا للأرقام الرسمية، وصل عدد الإجازات الممنوحة بموجب القانون 18 لعام 2021، إلى 196 إجازة في قطاعات النقل والطاقات المتجددة والسياحة والصناعة والزراعة والصحة، بتكلفة تقديرية 65 تريليون ليرة، وتؤمن ما يقارب 17 ألف فرصة عمل.
لكن في المقابل، بلغ عدد المشاريع التي بدأت بالإنتاج الفعلي بشكل (جزئي- كلي)، 30 مشروعاً استثمارياً، بنسبة 15% من العدد الإجمالي للمشاريع الحاصلة على إجازات استثمار، بتكلفة استثمارية بلغت ألفاً و205 مليارات ليرة، وأمنت فرص عمل لألفين و95 شخصاً.
فشل ذريع
وبغض النظر عن حقيقة الأرقام الرسمية التي تفتقر إلى الدقة، يلاحظ الباحث ومدير منصة "اقتصادي" يونس الكريم، أن قانون الاستثمار الجديد فشل في توفير بيئة استثمارية تنافسية لجذب رؤوس الأموال.
ويضيف الكريم لـ"المدن"، أن هناك أسباباً عديدة أدت إلى فشل القانون، منها حصر الخلافات البينية بين المستثمرين والحكومة بالمحاكم المختصة داخل سوريا، ما يعني رفض أي تحكيم خارجي عند نشوب الخلافات، ويعتبر المستثمرون هذه النقطة نوعا من تضييع الحقوق.
وينتقد الكريم فكرة النافذة الواحدة التي تتمثل بهيئة الاستثمار السورية، والتي "لا تزال تسيطر على عقل المشرّع السوري، ويعدها أحد الأسباب التقنية لفشل قانون الاستثمار، نظراً لحجم العراقيل التي تواجه عمليات الترخيص عبر النافذة الواحدة التي تشكو من غياب التخطيط والأتمتة ودراسة المشاريع بالشكل الأمثل".
ويرى أن هناك مشكلة جذرية في قانون الاستثمار، تتمثل في غياب الواقعية لدى المشرع السوري، حيث "يفترض القانون وجود بيئة سياسية واستثمارية مستقرة، بخلاف الواقع على الأرض فمثلاً، يحاول القانون تشجيع الزراعة، بينما تقع معظم الأراضي الخصبة في مناطق خارجة عن سيطرة النظام".
وبناء على ما سبق، يجمل الكريم أسباب توقف عجلة الاستثمار في مناطق النظام، بعدم وجود بيئة آمنة، وغياب الدعم الحقيقي من مؤسسات الدولة لإنجاح المشاريع، وتجريم التعامل بغير الليرة السورية الذي يمنع حيازة والتعامل بالدولار، وتأثير العقوبات المفروضة على البنك المركزي، يضاف إلى ذلك استمرار النظام في صناعة وتصدير المخدرات ما يتسبب بوضع عراقيل أمام البضائع ذات المنشأ السوري، مثل تقييد الوصول والتفتيش المستمر، وهذه النقطة تعد من أكبر معوقات جذب رؤوس الأموال الخارجية.
سن القوانين لا يكفي
ولا يكفي مجرد إصدار القوانين وإدخال التعديلات عليها للنهوض بالبيئة الاستثمارية المتآكلة، بل تحتاج العملية إلى التطبيق العملي للقرارات والقوانين، وهو ما تفتقده مناطق النظام التي تتحكم باقتصادها مافيات مقربة من القصر، وفقاً لحديث وزير الاقتصاد في الحكومة المؤقتة عبد الحكيم المصري.
ويلفت المصري في حديث لـ"المدن"، إلى أن "وجود ما يمكن أن نطلق عليه الشريك بالجهد، في مناطق النظام، يتسبب في عزوف المستثمرين، حيث يصطدمون بمن يشاركهم مشاريعهم دون ضخ رؤوس أموال، على غرار ما كان يفعل رامي مخلوف ثم الطبقة الاقتصادية التي حلت مكانه".
ويوضح أن عوائق نجاح الاستثمارات في مناطق النظام كثيرة جداً، منها "عدم القدرة على شراء المواد الأولية، صعوبة تحويل السيولة النقدية، الضغوطات التي تطاول القطع الأجنبي، العقوبات المفروضة على حيازة القطع الأجنبي، وغياب السوق الاستهلاكي الداخلي بسبب ضعف القدرة الشرائية نتيجة محدودية المداخيل".
ويتابع المصري أن قانون الاستثمار بحد ذاته ليس فاشلا، لكن المشكلة تتمثل في التطبيق وفي غياب ثقة المستثمرين بالنظام، خصوصاً مع اتباعه سياسة قص الأجنحة التي طاولت عدداً من كبار طبقة رجال الأعمال، مثل مخلوف وقاطرجي، والتي أدت إلى انعدام الثقة التي تصعب استعادتها في الوقت الراهن.