على وقع التصعيد العسكريّ جنوبًا، واحتدام الاشتباكات عند محاور التوغّل البريّ، وضمن الجهود الدبلوماسيّة الغربيّة الرامية لإيجاد حلٍّ للوضع الحالي، الخطير والمعقّد، أكّد مسؤول السّياسة الخارجيّة والأمن في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، بعد زيارته رئيس مجلس النّواب نبيه برّي في عين التينة، صباح اليوم الأحد، أنّه اختار أن يختتم تفويضه في بيروت، بسبب ما يحصل فيها وفي الشرق الأوسط، وهذا ما يضع المجتمع الدوليّ أمام امتحان. وأشار إلى أنّ هذا النزاع قد اتخذ نطاقًا دوليًا، وعلى المجتمع الدوليّ أن يتحركّ، وغياب السلام ثمنه ارتفع.
ودعا بوريل إلى "وقف إطلاق النّار فورًا وتطبيق القرار 1701 فورًا من الفرقاء جميعهم، وفي الوقت نفسه". وثمّن الجهود التي تقوم بها كلّ من أميركا وفرنسا، وحثّ الحكومة الإسرائيلية على "وقف قرارها في شأن منع الأونروا من القيام بدورها في غزة". كما حثّ الدول إلى "العمل على وقف المجازر في غزة أيضًا". وأعلن بوريل "الاستعداد لدعم الجيش اللبنانيّ بمبلغ 200 مليون يورو"، لافتًا إلى أنّ "الشعب اللبنانيّ أظهر كرمًا، خصوصًا بعد العدد الكبير الذي شهده من النازحين الهاربين من الجنوب"."البلد في خدمة المقاومة"في تصريحٍ لافت أشار رئيس "التيار الوطنيّ الحرّ" النائب جبران باسيل، إلى "أننا مرّرنا بمرحلة رفع فيها الثنائي الشيعيّ شعار عدم وقف إطلاق النار في لبنان من دون توقفه في غزة"، موضحًا أننا "لم نقتنع بهذا الموقف ولم نوافق عليه، بل وجهنا كتابًا خطيًّا في 8 نيسان نطالب فيه بقرارٍ أمميّ لوقف إطلاق النار". وقال في تصريحٍ له، إننا "قلنا للحزب: من قال لكم إن إسرائيل ستوقف النار على لبنان إذا توقفت الحرب في غزة؟"، موضحًا أن "هذا ما حدث؛ اليوم لبنان يطالب بوقف النار متأخرًا، وإسرائيل ترفض".
وتحدث باسيل عن مرحلة جديدة، مؤكدًا أنّه "اليوم، يرفع الثنائي شعارًا مفاده أنه لا انتخاب لرئيس للجمهورية في لبنان من دون وقف إطلاق النار"، قائلاً: "عادةً عندما تضع شرطًا لوقف إطلاق النار، يجب أن يكون هذا الشرط ضاغطًا على العدو". وأضاف باسيل: "أنتم تضعون هذا الشرط على لبنان واللبنانيين. هذا الانتخاب لمصلحة لبنان، هل تهددون إسرائيل بذلك؟". ورأى "لو قلتم إنه ممنوع على إسرائيل انتخاب رئيس لها من دون أن توقف عدوانها على لبنان، كنا فهمنا".
وسأل باسيل: "من قال لكم إنّه عندما تريدون انتخاب رئيس، ستسمح لكم إسرائيل؟"، معتبرًا أن "إسرائيل يمكن أن تهدد أو تستهدف نوابًا لبنانيين لمنع الانتخاب بمسيرة واحدة". ودعا إلى الكف عن "ربط لبنان ومصالحه بأمور خارجة عن إرادته"، سائلاً: ماذا لو لم تتوقف الحرب، هل نبقى بلا رئيس؟". وتابع باسيل: "لا وجود لجمهورية أو بلد من دون رئيس، البلد ومؤسساته أهم منا جميعاً". وشدد على أن "المقاومة يجب أن تكون في خدمة البلد، وليس البلد في خدمة المقاومة"."من يفاوض وقف النار وباسم من ولصالح من؟"في المقابل لفت البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، إلى أنّ "في ضوء البشارة بميلاد ابن الله إنسانًا، وهو حدث قسّم التّاريخ إلى إثنين: نهاية العهد القديم وبداية العهد الجديد، نتطلّع إلى واقعنا المؤلم: حرب بالأسلحة القتّالة، قتل مدنيّين وأطفال ونساء عزّل، دمار منازل ومؤسّسات لا يقدّر ثمنها، مليون ونصف المليون من النّازحين من دون مأوى".
وأشار، خلال ترؤّسه قدّاس الأحد في كنيسة السّيدة في الصّرح البطريركي في بكركي، إلى أنّ "فوق ذلك، دولة من دون رئيس منذ سنتين كاملتين، بشكل مقصود ومتعمّد، ومجلس نيابيّ فاقد هيئته التّشريعيّة، لكونه أصبح هيئةً ناخبةً لا تنتخب منذ سنتين، ومجلس وزراء لتصريف الأعمال منذ أكثر من سنتين، وفاقد كامل الصّلاحيّات ومنقسم على ذاته".
وتساءل الراعي: "لماذا كلّ هذا الخراب على مستوى الشّعب والمؤسّسات والدّولة؟ من يفاوض وقف إطلاق النّار، وباسم من، ولصالح من؟ وهي أولى صلاحيّات رئيس الجمهوريّة المغيّب قصدًا". وشدّد على أنّه "ما لم ينتخب المجلس النّيابي رئيسًا للجمهوريّة، لن يتمتّع مجلس النّواب والحكومة بصلاحيّاتهما، ويبقى كلّ عملهما منقوصًا وغير ميثاقيّ". ودعا الراعي أن يلهم الله "روح التّضامن والمحبّة تجاه النّازحين، ويدعو إلى إذكاء روح الوحدة الوطنيّة بين أبناء الوطن الواحد".استقلال اللبنانيين يتقهقرمن جهته، أشار متروبوليت بيروت وتوابعها للرّوم الأرثوذكس المطران إلياس عودة، إلى أنّ "منذ يومين، مرّت ذكرى الاستقلال حزينة، فارغة من معناها، لأنّ معظم اللّبنانيّين يشعرون بأنّ وطنهم يضيع واستقلالهم يتقهقر. لبنان مكبّل ضائع، بسبب النّزاعات والاختلافات والمصالح والتّدخّلات وعدم تطبيق الدّستور، وترك سدّة الرّئاسة خالية من رئيس هو بمثابة البوصلة والربّان".
ولفت، خلال ترؤّسه خدمة القداس في كاتدرائية القديس جاورجيوس، إلى أنّ "الرّبّ قال: "مرتا مرتا أنت تهتمّين وتضطّربين لأجل أمور كثيرة، ولكن الحاجة إلى واحد. فاختارت مريم النّصيب الصّالح الّذي لن ينزع منها" (لو 10: 41)"، مركّزًا على أنّ "النّصيب الصّالح هو ما يجب طلبه. لذا على اللّبنانيّين ألّا يصرفوا أنظارهم عن الأمر الوحيد الّذي يحميهم، وهو وجود دولة قويّة عادلة، ديمقراطيّة، دولة الدّستور والقوانين، دولة العدالة والمساواة بين المواطنين، واحترام الحقوق والواجبات. دولة يتولّى جيشها القيام بواجباته، دون أن يشكّك به طرف أو ينتقده آخر".إنهاء المغامرةوأوضح عودة أنّه "لكي تتحقّق هذه الدّولة، نحن بحاجة إلى رجال دولة يضعون مصلحة البلد فوق كلّ المصالح. نحن بحاجة إلى يقظة وطنيّة لنخلّص لبنان من الكارثة". وأكّد أنّ "إنقاذه وحمايته يبدآن بانتخاب رئيس يحمل صوت لبنان إلى العالم، وينتزع المبادرة من كلّ دخيل، ويعمل مع حكومته على تصويب الأوضاع وقيادة المفاوضات، ورسم خطّة الإنقاذ وبناء المؤسّسات وجمع اللّبنانيّين تحت كنف الدّولة الّتي وحدها تحمي أبناءها وتذود عنهم".
وشدّد على أنّه "حان وقت إنهاء المغامرة بهذا البلد من أجل أهداف لا تخصّه، وإيقاف آلة الموت والدّمار. حان وقت القرار الشّجاع يتّخذه الأمناء لهذا البلد، ويعملون على استرجاع الدّور، كي نستحقّ استقلالًا نحتفل به مرفوعي الرّأس، مرتاحي الضّمير. فلنتّكل على الله الّذي لا يخذل محبّيه، وعلى ذوي الضّمائر الحيّة والإرادة السّليمة".