السجال الدائر بين إيران واالدول الغربية على خلفية تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ليس سوى صدى للتوتر الذي تعيشه طهران الآن، وهي تستعد للتعامل مع رئاسة ترامب الثانية. وطيلة السنوات التي أعقبت إنسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية "الصفقة النووية الإيرانية" عام 2018، لم تتوقف المفاوضات مع إيران لإحياء الصفقة بصيغة ما، وانتهت في العام 2022 من دون أي نتائج. على أنها تواصلت بين إيران والولايات المتحد منفردتين بصورة شبه دائمة وبوساطة سلطنة عُمان، وتوقفت إثر مقتل الرئيس ابراهيم رئيسي، ربيع العام الجاري.أثناء تواجد الوفد الإيراني في نيويورك للمشاركة في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر المنصرم، اقترح الرئيس الإيراني إحياء المفاوضات بشأن الصفقة النووية، ورحب الأميركيون والأوروبيون بهذا الاقتراح. وكان من الطبيعي أن تثير هذه الأنباء قلق الإسرائيليين، الذين كانوا يعارضون بشدة هذه الصفقة منذ أن تم التوقيع عليها العام 2015، وتذكر نتنياهو أن إسرائيل قصفت، من جملة المواقع الإيرانية التي قصفتها في 26 أيلول/سبتمبر المنصرم، موقع أحد مكونات المشروع الإيراني النووي الذي كان يعتقد الأميركيون والإسرائيليون أنه أقفل منذ العام 2003. لكن المخابرات الأميركية والإسرائيلية اكتشفت لاحقاً أن هذا المكون ينتج الجهاز المفجر للسلاح النووي. ومع أن نبأ قصف هذا المكون انتشر في الإعلام لاحقاً (موقع euronews الأوروبي 27 المنصرم، وسواه)، إلا أن نتنياهو لم يأت على ذكره حينها، حرصاً منه على تحاشي لوم بايدن الذي طلب منه عدم المس بالمنشآت النووية الإيرانية. ولم تأت إسرائيل رسمياً على ذكر قصف المكون هذا سوى في الأسبوع الماضي، بعد أن تزايدت شكوكها في إمكانية العودة إلى المفاوضات مع إيران لعقد صفقة نووية جديدة. فقد صرح وزير الدفاع الإسرائيلي الجديد، التابع لنتنياهو، أن إيران، وأكثر من أي وقت مضى، معرضة للهجوم على مشروعها النووي.بعد يومين من تصريح وزير الدفاع الإسرائيلي هذا، وصل في 13 الجاري في زيارة إلى طهران رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي، للتحقق من استعداد إيران للتراجع عن خرق شروط الصفقة النووية، بما فيها كمية اليورانيوم المخصب ونسبة التخصيب المرتفعة، التي تجعل إيران أقرب إلى إنتاج السلاح النووي.
بعد لقائه في طهران مع وزير الخارجية الإيراني ورئيس وكالة الطاقة النووية الإيرانية، رأى رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية بأن من الممكن عقد صفقة نووية جديدة مع طهران. ورد الإيرانيون على الزائر بإبداء الاستعداد للمفاوضات بهذا الشأن، "لكن ليس تحت الضغط".
بعد عودة رئيس وكالة الطاقة الذرية الدولية رافائيل غروسي من طهران، عقدت الوكالة في 21 الجاري اجتماعاً، اتخذت خلاله قراراً يدين إيران لعدم تعاونها الكافي مع الوكالة. ودعا الاجتماع الوكالة لنشر تقرير شامل عن نشاط إيران النووي، وألزم رئيسها بإعداد تقرير مفصل عن البرنامج حتى ربيع السنة المقبلة، حسب موقع الخدمة الروسية في دويتشه فيله DW في 22 الجاري.أشار الموقع الألماني إلى أن تقرير الوكالة الدولية أعدته كل من ألمانيا وفرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة. ولدى تصويت مجلس محافظي الوكالة، حصل النقرير على 19 صوتاً، وامتنع عن التصويت 12 صوتاً، وعارضه كل من روسيا والصين وبوركينا فاسو.
قال الموقع أن مفتشي الوكالة الدولية ما زالوا يحاولون منذ عدة سنوات الحصول من طهران على إثباتات بأنها غير عازمة على إنتاج سلاح نووي. وفي اجتماع 21 الشهر الجاري أعرب مجلس المحافظين عن "قلقه العميق" من رفض إيران التعاون مع الوكالة. وحذر دبلوماسيون غربيون من أنه في حال إصرار إيران على موقفها هذا، قد يصبح تقرير رئيس الوكالة أساساً لضم مجلس الأمن الدولي إلى حل المسألة.
ويشير الموقع إلى أن طهران سبق أن اقترحت صيغتين للتنازلات من جانبها: الحد من إنتاج اليورانيوم، ومنح تأشيرات دخول للمزيد من مفتشي وكالة الطاقة. وسبق لإيران أن اقترحت الحد من احتياطاتها من اليورانيوم عالي التخصيب، مقابل أن تتخلى الدول الغربية عن اتخاذ قرارات ضدها.
كما أشار الموقع الألماني إلى تصريح لوزير الخارجية الإيرانية عباس عراقجي في 21 الجاري قال فيه إن إيران ترغب في التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لكن خطوة أوروبا تتعارض مع هذه العملية. وأضاف الوزير، أن إيران سبق أن حذرت الغرب من أن "الضغط لن يؤدي إلى نتيجة جيدة".هيئة تحرير الموقع الروسي gosrf.ru نشرت في 22 الجاري نصاً بعنوان "أعلنت إيران عن إطلاق أجهزة طرد مركزي جديدة رداً على قرار الوكالة الدولية للطاقة الذرية". قال الموقع أن وزارة الخارجية ومنظمة الطاقة الذرية الإيرانية، وفي رد على قرار وكالة الطاقة الذرية الدولية، أعلنتا في تصريح مشترك عن خطة للبدء في استخدام كمية كبيرة من أنظمة الطرد المركزي الجديدة لتخصيب اليورانيوم. وبعد إدانته لقرار الوكالة الدولية للطاقة الذرية، أكد الجانب الإيراني أن أي إجراءات تهدف إلى المواجهة واستخدام مجلس محافظي الوكالة للترويج لتصريحات ذات دوافع سياسية، ستقابل بإجراءات مضادة. وأضاف التصريح المشترك، أن رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية أصدر أمراً بإطلاق عدد كبير من أجهزة الطرد المركزي الجديدة والمحدثة، ومن مختلف الأنواع، لحماية مصالح البلاد ومواصلة تطوير الصناعة النووية السلمية، بما يتوافق مع الاحتياجات الوطنية المتزايدة.
من جانب آخر، أكد التصريح أن إيران تعرب عن استعدادها للتفاعل البناء مع الشركاء الدوليين، على أساس القواعد والمعايير القانونية القائمة. وفي دفاعها عن نفسها، قالت وزارة الخارجية الإيرانية أن قرار الوكالة الدولية للطاقة الذرية كان "خطوة ذات دوافع سياسية وتؤدي إلى نتائج عكسية".ونقل الموقع عن رئيس الوكالة الدولية قوله إنه للتوصل إلى اتفاقية مع الغرب، تحتاج الوكالة إلى معطيات موثوقة عن البرنامج النووي الإيراني. بدوره، حذر مسؤول منظمة الطاقة الإيرانية من أن أي قرارات للوكالة الدولية تقضي بالتدخل في البرنامج النووي الإيراني "ستؤدي إلى إجراءات مضادة". وآخر قرار ينتقد أعمال إيران في إطار برنامجها النووي، كان محافظو الوكالة قد اتخذوه في حزيران/يونيو المنصرم.
إسرائيل التي كانت تتابع زيارة رئيس الوكالة الدولية إلى طهران وكذلك تقييم مجلس محافظي الوكالة لنتائج الزيارة، رأت أن الفرصة سانحة لاستغلال النتائج السلبية للزيارة، وقرار مجلس محافظي الوكالة الذي صاغته الترويكا الأوروبية والولايات المتحدة. وكانت قد أعلنت عن عدائها الشديد للمفاوضات منذ أن انطلقت بين الغرب وإيران بشأن البرنامج النووي الإيراني. وثارت ثارتها على إدارة الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما بعد توقيعها على اتفاقية "الصفقة النووية الإيرانية" العام 2015، ودعت باستمرار لإلغاء هذه الصفقة إلى أن تحقق لها ما تريده العام 2018، حين أعلن دونالد ترامب انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاقية.وفي سياق دعوتها الدائمة لحل مسالة البرنامج النووي الإيراني بالوسائل العسكرية، نقل في 21 الجاري موقع Vesti-Yneh التابع لمجموعة يديعوت أحرونوت عن مصدر رفيع المستوى في جهاز الأمن الإسرائيلي، تكراره لما سبق أن صرح به وزير الدفاع الإسرائيلي علناً، من أنه نشأت الآن ظروف مؤاتية للهجوم على المواقع النووية الإيرانية. وقال المصدر بأن هذه الفرصة قد ظهرت بعد هجوم إسرائيل على أنظمة الدفاع الجوي الإيرانية المتطورة وتدمير حزب الله. وأكد أن الجميع في المؤسسة الأمنية موافق على ضرورة وإمكانية تدمير التهديد النووي الإيراني.