عند كلام الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم الأخير، وفي شقّه المتعلّق بمساهمة حزب الله الفعالة في انتخاب رئيس للجمهورية بعد وقف إطلاق النار، إذا كُتب للمفاوضات الحالية النجاح، توقّفت أوساط مقرّبة من رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، لتؤكد رفض "كلّ منطق يربط استحقاق الرئاسة بوقف الحرب أو بانتظار الأجندات الخارجية". بكلام أوضح قالت الأوساط "إنّ الرئاسة في لبنان لا يمكن أن تكون ورقة تمتلكها أيّ دولة أو جهة خارجية لتعطّلها أو لتفاوض عليها، لا شرقًا ولا غربًا".
وبالتالي، وبموازاة مفاوضات وقف إطلاق النار، قالت الأوساط عينها "نطالب رئيس مجلس النواب نبيه بري بعقد جلسة لانتخاب رئيس الجمهورية، مع تمنياتنا أن يكون هناك توافق على الرئيس، إذا توافرت الظروف لهذا التوافق، وإلّا احترام الآليّة الدستورية في العملية الانتخابية. وبهذا المعنى نرى ما قاله الشيخ نعيم قاسم إيجابي لجهة تأكيده على الآلية الدستورية".مسار الحرب وانتخاب الرئيسشدّدت أوساط باسيل، على أن غياب رئيس الجمهورية يجعل "الدولة جسمًا مقطوع الرأس". ولذا وبغضّ النّظر عن وقف إطلاق النار، وما يجري من عدوان على لبنان، فإنّ مسار الحرب وانتخاب رئيس للبلاد منفصلان، لجملة من الأسباب:
أوّلًا، لكون هذا الاستحقاق دستورياً، ومن دونه لا ينتظم عمل مؤسسات الدولة.
ثانيًا، إنّه استحقاق ميثاقي يعكس حضور المسيحيين في الشراكة الوطنية على مستوى النظام.
ثالثًا، انتخاب الرئيس هو حاجة ضرورية تأخّرت طويلًا، وتحديداً منذ انتهاء ولاية الرئيس العماد ميشال عون، لاسيما بوجود حكومة مستقيلة لم تتمكن من القيام بمهام الرئيس.
رابعًا، وهو ما يتصل بالحرب، حيث تؤكّد اوساط باسيل، أنّ التيار يضع كلّ ذلك جانبًا وهو يدعم مفاوضات وقف إطلاق النار تحت سقف احترام السيادة اللبنانية وعدم المسّ بها وعدم الرضوخ لأيّ ضغط او ابتزاز إسرائيلي.
في ما خصّ التفاوض، تقول الأوساط المقرّبة من باسيل إنّ "الضرورة الآن هي لوقف إطلاق النار وأنّ التيار يتجاوز في موقفه هذا الكثير من الإشكاليات، فوقف إطلاق النار هو حاجة لوقف آلة القتل والتدمير، ووضع حد لأزمة التهجير الداخلي ورسم أفق العودة، على الرّغم من كلّ صعوبات هذه العودة الناتجة عن حجم الدمار"، ولوقف إطلاق النار أساس قانوني دولي هو القرار 1701 الذي "لا يحتاج لا إلى إعادة نظر ولا إلى استكمال، وبالتالي ليس هناك من مسؤولية قانونية تترتب على لبنان لبحثها مع الأمم المتحدة".مفاوضات "سياسية"وبالنسبة إلى تلك الاوساط التي تعكس موقف التيار ورئيسه، فـ "المفاوضات الحاصلة تكتسب طابعًا سياسيًا وليست ذات طابع قانوني، ولذلك هي مفاوضات بين إسرائيل من خلال الدولة الأميركية، ومكوّنات من الدولة اللبنانية، وليست مفاوضات بين لبنان والأمم المتحدة".
ووتابع الأوساط قولها: "فلو كان الأمر متصلًا بمفاوضات بين الأمم المتحدة ولبنان لكنّا عندها اعترضنا على الآلية الحالية، ورفضنا أيّ تفاوض بغياب رئيس للجمهورية، المنوط به دستوريًا صلاحية التفاوض."
وتابعت الأوساط: "ما يجري اليوم هو تفاوض بين متقاتلين: العدو الإسرائيلي الذي ينقل وجهة نظره الأميركي، وفريق المقاومة ومن خلفه إيران الذي ينقل موقفه الرئيس بري، ليس من موقعه كرئيس للمجلس النيابي بقدر ما هو ممثل لطرف من أطراف النزاع". وهذا الواقع "يفسر انكفاء رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي عن دوره على هذا المستوى."
على أن رئيس التيار الوطني الحر، المدرك لكلّ هذه الحقائق، لا يرى التصويب منطقيًا على الجهة التي تتولّى التفاوض اليوم، كما الاعتراض على الدور الذي يقوم به الرئيس نبيه بري: "صحيح أنّ الحرب هي بين إسرائيل وبين جزء من لبنان، وصحيح أنّ المفاوضات هي بين اسرائيل وبين جزء من لبنان، إلّا أنّ هذه الحرب هي حرب على كلّ لبنان، ونتائجها إذا فشلت المفاوضات أو نجحت تنعكس على كلّ لبنان، فلماذا تحويل المواجهة إلى الداخل وإلى معارك إذا اندلعت تجعل كلّ لبنان خاسرًا"؟
بهذا التساؤل ترسم الأوساط رؤيتها لطبيعة الحرب وتأثيراتها وتحسم الجدل بشأن طبيعة المفاوضات ومن يتولّاها بغياب رئيس للجمهورية، من دون أن تغفل التأكيد على أنّ شغور موقع الرئاسة لا مبرر له، بل إنّ الإسراع بانتخاب رئيس واجب اليوم قبل الغد، ومن دون رهانات من هنا أو أجندات من هناك".