فرضت الحرب الإسرائيليّة إجراءات قضائيّة "استثنائية" داخل قصر عدل بيروت بما يتعلق بتسليم المطلوبين دوليًا للسلطات الخارجية وترحيلهم. فالبعثات الدبلوماسيّة ترفض زيارة لبنان، وتخشى المجيء لقصر عدل بيروت، خشية الأوضاع الأمنية الراهنة في لبنان، والتي من الممكن أن تشكل خطرًا مباشرًا على حياتهم، فظهرت آلية استثنائية في القضاء اللبناني لتسهيل عملية تسليمهم، تقضي بترحيل المطلوب للإنتربول الدولي عبر طائرات تجارية، وعلى نفقته الخاصة، ويُسلّم للسلطات المعنية خارج لبنان.الخوف من الحرب
داخل السجون اللبنانيّة، يقبع عشرات المطلوبين للإنتربول الدولي، الذين جرى توقيفهم في مطار رفيق الحريري الدولي عبر الأمن العام أو داخل الأراضي اللبنانيّة. عادةً، يتم تسليمهم للقضاء الذي أصدر مذكرة توقيف دولية بحقهم وعممها عبر الإنتربول ليحاكمهم، في بادئ الأمر، يُطلب ملف الموقوف ويُحال لوزير العدل اللبنانيّ، ويُصدر قرار ترحيله بمرسوم وزاريّ، وبعد الحصول على موافقة، يحضر وفد دبلوماسي أو أمنيّ، ويُسلم المطلوب للبعثات الدوليّة، ويغادر الأراضي اللبنانيّة بطائرة خاصة وفق إجراءات أمنية مشددة.
ومع بدء العدوان الإسرائيليّ على الأراضي اللبنانيّة، توقفت البعثات الدولية عن الحضور إلى لبنان، أو بمعنى أوضح، تجنّبت المجيء لبيروت، خصوصًا أن العديد من الغارات الإسرائيليّة كانت تبعد أمتارًا قليلة عن مطار رفيق الحريري الدوليّ، هذا عدا عن القصف العنيف التي تعرضت له عشرات المباني القريبة في الغبيري والشياح، القريبة من قصر عدل بيروت، لذلك عمد القضاء اللبناني إلى تسليم المطلوبين (بعد موافقتهم) للأمن العام لترحيلهم بأساليب استثنائية تماشيًا مع ظروف الحرب. وحسب معلومات "المدن" فإن النيابة العامة التمييزية وافقت على ترحيل المطلوب (م.ك) من لبنان وتسليمه للسلطات الأميركية لتحاكمه، وهو المُلاحق بجرائم اختلاس ملايين الدولارات من الولايات المتحدة الأميركية، وبعد موافقته على الترحيل، غادر لبنان وحيدًا بعدما حجزوا له تذكرة سفر على نفقته الخاصة إلى الولايات المتحدة الأميركية حيث كانت بانتظاره هناك السلطات الأميركية لاستلامه، إلا أنه لم يغادر على متن طائرة تجارية، بل تم ترحيله على متن طائرة خاصة لنقل الرعايا الأجانب بسبب ارتفاع عدد المغادرين من لبنان بسبب الحرب، وصعوبة ايجاد تذكرة سفر على متن طائرة تجارية بسهولة. وأيضًا، تم ترحيل بعض المطلوبين إلى الجزائر والأردن والعراق، من دون أن يصدر أي مرسوم بحقهم، ومن دون حضور البعثات الدبلوماسيّة إلى لبنان، بذريعة أن بقاء الموقوفين داخل السجون قد يشكل خطرًا على حياتهم في ظل العدوان الإسرائيليّ على لبنان، كما أنهم في لبنان محرومون من المحاكمة، وقضوا أشهر طويلة داخل السجون اللبنانية. كيف تتم عملية الترحيل؟في البداية يتوجب على القضاء اللبناني الحصول على موافقة المطلوب لترحيله، ومن ثمّ تقوم البعثات الدبلوماسية بحجز تذكرة للمطلوب (على نفقته الخاصة) على متن إحدى الطائرات التجارية المتوجهة نحو البلد المعني، أي على متن طيران الشرق الأوسط (MIDDLE East Airlines) فقط، وهناك يُسلم للأجهزة الأمنية والوفود الدبلوماسية التي تنتظره في المطارات الدولية التي تقع خارج الأراضي اللبنانيّة. يُذكر أنه وفي ظل عدم توفر تذاكر للسفر مع بداية الحرب ، ونتيجة ارتفاع عدد المهاجرين من لبنان بشكل كبير، تم ترحيل أحد المطلوبين للولايات المتحدة الأميركية عبر طائرات مخصصة لإجلاء الرعايا الأجانب من لبنان، وهو إجراء استثنائيّ.
وعلى الرغم من أن هذا الإجراء القضائي ساهم في تسهيل عملية تسليم المطلوبين للقضاء الدولي، خصوصًا في ظل الاكتظاظ الحاصل داخل السجون اللبنانيّة، إلا أن هناك بعض الآراء القانونيّة التي اعترضت على هذا الأمر، بحجة أن وضع أي مطلوب دولي داخل طائرة من دون أي مؤازرة أمنية، وتحريره من الأصفاد الحديدية على يديه، قد يساهم في هروبه بعد وصوله لإحدى المطارات الدولية، خصوصًا إن كان للمطلوب سوابق في الاختلاس وقضايا الاحتيال أو القتل وبحقه العديد من مذكرات التوقيف، كأن يكون هذا المطلوب أحد أشهراً أفراد العصابة، وبالتالي من الممكن أن يتم تهريبه بأي أسلوب آخر. يذكر أن بعض الآراء القانونيّة وصفت هذا الإجراء بأنه يسهل التعاون مع القضاء الدولي، ولكنه غير قانونيّ، فلا يجوز تسليم أي مطلوب من دون صدور المرسوم الوزاريّ.وحسب مصادر قضائية لـ"المدن" فإن هذه الإجراءات الاستثنائية تهدف إلى تخفيف الاكتظاظ الحاصل داخل السجون اللبنانية، ولتسهيل التعاون مع القضاء الدولي، فلا ضرورة لاحتجاز أي مطلوب للإنتربول لفترة طويلة من دون محاكمته، والأجدى تسليمه للقضاء الدولي. كما لفتت مصادر أمنية لـ"المدن" إلى أن كل مطلوب للإنتربول يغادر لبنان على نفقته الخاصة، وأكد المصدر لـ"المدن" أن العديد من المطلوبين فضلوا مغادرة لبنان المأزوم، وتسليم أنفسهم للقضاء الدولي الذي يُلاحقهم لتتم محاكمتهم عوضًا عن المكوث داخل غرف ضيقة في السجن مليئة بالأمراض الجلدية، حيث تنحدر ظروف السجناء من السيء للأسوأ.