تحركات إيرانية سورية: تسليم واستلام رسائل!
2024-11-19 18:25:48
شهدت العاصمة السورية دمشق تحركات دبلوماسية بارزة في الأيام القليلة الماضية، مع زيارات متتالية لمسؤولين إيرانيين وسوريين، وسط أجواء مشحونة بتطورات الإقليمية.
والزيارتان الأخيرتان لوزير الدفاع الإيراني، العميد عزيز نصير زاده، إلى دمشق، وكذلك زيارة وزير خارجية النظام السوري، بسام صباغ، إلى طهران، أظهرتا تحركات دبلوماسية يُعتقد أنها تهدف إلى "تسليم واستلام رسائل" تتعلق بمستقبل العلاقة بين طهران ودمشق في ظل الأوضاع الإقليمية المتقلبة.
ورغم غياب التفاصيل الدقيقة حول محتوى هذه "الرسائل"، يرى مراقبون أن التوقيت والتطورات المرتبطة بتصاعد الصراع في المنطقة، لا سيما على الحدود اللبنانية-الإسرائيلية، تجعل هذه التحركات ذات أهمية خاصة، فقد بات النظام السوري، بقيادة بشار الأسد، في وضع حساس، مع تعاظم دوره كـ "ورقة رابحة" بين المحور الإيراني والمحور العربي.
والعلاقة بين إيران وسوريا ليست جديدة، فقد تمتد لسنوات طويلة، لكن التحركات الأخيرة تُظهر أن هذه العلاقة تشهد مرحلة من التقلبات، قد تكون مرتبطة بتطورات النزاع في المنطقة. وزير خارجية النظام السوري، بسام صباغ، الذي زار طهران الثلاثاء الماضي، أكد على عمق العلاقات الاستراتيجية بين البلدين، مشيراً إلى "مباحثات إيجابية" جرت بين الجانبين، في وقت أكدت فيه طهران التزامها بتعزيز التعاون مع دمشق في جميع المجالات.
وتأتي زيارة صباغ بعد يومين من وصول وزير الدفاع الإيراني إلى دمشق، في وقت حساس، تزامن مع "رسالة" أرسلها مستشار المرشد الإيراني، علي لاريجاني، إلى القيادة السورية. وفي ظل هذه الزيارات المتتالية، يطرح الخبراء تساؤلات حول دوافع هذه التحركات المتسارعة، خاصة وأنها تأتي في وقت يشهد تصعيدًا عسكريًا في لبنان بعد الهجمات الإسرائيلية الأخيرة على غزة.
وعلى الرغم من أن الزيارات بين الجانبين ليست جديدة، إلا أن توقيتها في غضون 48 ساعة فقط جعلها محط اهتمام. زيارة لاريجاني إلى دمشق، والتي التقى خلالها الرئيس الأسد، تلتها زيارة وزير الدفاع الإيراني بعد عودته إلى طهران. هذه الزيارات المتتالية قد تحمل رسائل مشفرة، حسبما يعتقد الخبراء.
وفي حين تتبنى إيران في خطابها الرسمي موقفًا يؤكد أن سوريا "حلقة في سلسلة المقاومة"، يشير مراقبون إلى أن طهران ربما تكون قد أرسلت تحذيرات مبطنة للأسد بشأن ضرورة الالتزام بالمحور الإيراني. التحذيرات الإيرانية، التي نقلتها وسائل الإعلام، تتضمن رسائل تهديد واضحة تتعلق بالمساعدات التي قدمتها إيران للنظام السوري، وخاصة بعد تمهيد الأسد الطريق نحو التقارب مع بعض الأطراف العربية، وهو ما قد تعتبرته طهران بمثابة خرق للولاء الكامل.
ومع تزايد التوترات على الحدود اللبنانية-الإسرائيلية وتصاعد الهجمات الجوية الإسرائيلية ضد الأهداف المرتبطة بإيران في سوريا، يواجه النظام السوري تحديات كبيرة. إسرائيل ركزت في هجماتها الأخيرة على أهداف عسكرية في دمشق، بما في ذلك ضربة جوية استهدفت قياديين في حركة "الجهاد الإسلامي" الفلسطينية. وتُعتبر هذه الضربات بمثابة رسالة من إسرائيل تحذر النظام السوري من استمرار التعاون مع إيران وحزب الله.
وفي هذا السياق، تظل تساؤلات عديدة مطروحة حول موقف النظام السوري: هل سيظل متمسكًا بعلاقته مع طهران أم أنه قد يبدأ في إعادة النظر في تحالفاته الإقليمية؟ بينما تواصل إسرائيل تنفيذ ضرباتها ضد المواقع الإيرانية في سوريا، يعاني النظام السوري من ضغوط اقتصادية خانقة، وهو ما يزيد من تعقيد خياراته.
والنظام السوري يجد نفسه الآن في موقف دقيق. من جهة، يتلقى الدعم العسكري من إيران وحزب الله للبقاء في السلطة، ومن جهة أخرى، يواجه ضغوطًا متزايدة من إسرائيل وأميركا للابتعاد عن طهران ومحور المقاومة، لكن، كما يوضح الباحث الأكاديمي خالد خليل، فإن الأسد بحاجة إلى تعزيز موقفه الجيوسياسي في هذه اللحظة الحرجة.
ورأى خليل أن "الأسد في مرحلة تفاوض"، مضيفاً أن "موقعه الجيوسياسي أعاده كورقة رابحة لمحورين"، في وقت تتشكل فيه تحالفات جديدة في المنطقة. وبالرغم من تأكيد الأسد على موقفه الحيادي في النزاع بين إسرائيل وحماس، يبقى الدور السوري حاسمًا في تحديد موازين القوى في المنطقة.
من جانبها، ركزت إيران على دعم النظام السوري من خلال توسيع انتشارها العسكري في سوريا، بما في ذلك "حرسها الثوري" والميليشيات الموالية لها. بينما لم تخرج دمشق عن موقف الحياد بشأن الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة، فإن المنطقة اليوم أمام معادلات جديدة قد تشهد إعادة تشكيل العلاقات الإقليمية.
وفي هذا الإطار، أشار الخبراء إلى أن دمشق قد تكون أمام فرصة للتفاوض على تسوية تخرجها من العزلة الدولية، وتوفر لها بعض المكاسب الاقتصادية في مقابل تراجعها عن بعض الانحيازات العسكرية التي قد تضغط عليها إسرائيل والولايات المتحدة لتبنيها. وبينما يبقى الأسد في موقف تفاوضي حساس، فإن تحركاته السياسية والدبلوماسية قد تحدد بشكل كبير مصير علاقته مع إيران والمجتمع الدولي.
وكالات