بقدر ما تتعدد القراءات حول إقدام شركة "الفاضل للحوالات المالية"، على إغلاق أكبر فروعها في سوريا، إلا أنها تتفق على أن مصير التركة المالية لحزب الله في سوريا، بات على المحك، فمن جهة تهدد الاستهدافات الإسرائيلية المحتملة استمرارها، بينما تخضع من جهة أخرى لضغوط وربما ابتزاز النظام السوري، الذي يضع عينه على التركة، تمهيداً لوضع يده عليها.
وكانت شركة الفاضل قد أغلقت فرعها في المزة، بعد أيام من تلقيها تهديدات إسرائيلية عبر اتصالات وردت لإدارة الفرع من أرقام مجهولة، من قبل أشخاص يتحدثون لغة عربية غير متقنة (مكسّرة)، حمّلوا خلالها إدارة الفاضل مسؤولية المساهمة بتمويل ميليشيا حزب الله، وفقاً لما نقله موقع "صوت العاصمة" المعارض.خطة مسبقةتزامن الإغلاق مع بيان رسمي للشركة، يقضي بتحويل عملائها إلى فرع المحافظة الذي يقع في ساحة المحافظة، إلى جانب سينما الفردوس، كما نقل موقع صوت العاصمة عن مصادر خاصة، أن التهديدات الإسرائيلية للشركة سبقها نقل كميات ضخمة من الأموال من فرع المزة بسيارات تتبع لحزب الله، نحو جهة مجهولة.ويبدو أن إغلاق فرع المزة كان مخططاً له منذ فترة، حيث عملت إدارة الفاضل منذ أواخر أيلول/سبتمبر الماضي، على تصفية الأمور المالية الكبيرة في الشركة قبل إغلاق فرع المزة وخروج إدارتها من دمشق.وكانت وزارة الخزانة الأميركية قد أدرجت في أيار/مايو 2023، شركة الفاضل على لائحة العقوبات الأميركية، لتقديمها المساعدة للنظام السوري وحزب الله والحرس الثوري الإيراني. وتعود ملكية الشركة إلى ثلاثة أشقاء من عائلة بلوي، المنحدرة من مدينة نبّل، في ريف حلب. هل تصفى الشركة؟وبالرغم من إغلاق فرع المزة والتقارير التي تؤكد مغادرة عائلة بلوي الأراضي السورية، إلا أن مراقبين يشككون في كون هذه الخطوات تمثل عملية تصفية للشركة. ويوضح الباحث ومدير منصة "اقتصادي" يونس الكريم، أن عملية كهذه بحاجة إلى قرار من جهات أكبر، تتمثل بحزب الله وإيران. ويضيف لـ"المدن"، أن الشركة "تشهد صراعات متعددة الأقطاب، الأول بين التيارات الداخلية للحزب، والثاني بين الميليشيات الإيرانية التي تسعى إلى الاستيلاء على التركة المالية لحزب الله، في سوريا". ويلفت الكريم إلى أن إدارة الشركة حاولت تهريب قسم من أموال الشركة نحو الإمارات تلافياً لأي تداعيات محتملة، موضحاً أن "الخطوة كانت بتوجيه من النظام السوري الذي يحاول تحييد القيادات العسكرية والأمنية والمالية المقربة من إيران، عبر إغلاق المنشآت التي يديرونها كنوع من الحفاظ على أرواحهم وتجنيبهم رياح الحرب العاتية".وبما أن إغلاق فرع المزة جاء نتيجة التهديدات الإسرائيلية المتواصلة، يرى الكريم أن الإغلاق مؤقت ولن تتم أي عملية نقل ملكية الشركة إلى شخصيات أخرى، مرجحاً أن يتم تغيير اسم الشركة للإيحاء بانعدام وجودها الفعلي وبالتالي تحييدها عن القصف والاستهداف. مستقبل غامضويلفّ الغموض مصير شركة الفاضل، لاسيما في ظل تضارب الروايات حول قرار إغلاق فرع المزة، إذ هناك قراءة مغايرة تؤكد أن الإغلاق جاء على خلفية ضغوط من النظام السوري، بعد تحول الفرع إلى مركز لإدارة شبكة حزب الله المالية في سوريا، وفيه تتم اجتماعات لكبار مسؤولي الحزب ومتعاونين سوريين كآل القاطرجي.ويرى الباحث في الاقتصاد السياسي والمحليات في مركز "عمران" للدراسات أيمن الدسوقي، أن هذه الضغوط -على افتراض صحتها- هي بمثابة "رسالة للخارج بأن النظام يتخذ خطوات جدية ضد حزب الله في دمشق، أو لتحييد منطقة المزة التي تضم مراكز أمنية ودبلوماسية عن الاستهداف الإسرائيلي".ومن جهة أخرى، يعتقد الدسوقي في حديث لـ"المدن"، أن رواية تهريب شركة الفاضل أموالها إلى الإمارات، خشية استيلاء النظام عليها ضعيفة، بالرغم من أن هذا الاستبعاد لا ينفي وجود شبكات مالية للحزب ونشاط لأفراده في الخارج، ومنها دول الخليج العربي.ويتابع أن "نقل الأموال إلى الإمارات فيه مخاطر عالية، فهناك تدقيق إقليمي ودولي على أنشطة حزب الله، لا سيما بعد أحداث 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، وبالتالي نقل الأموال بكميات ضخمة أمر قد يلفت الانتباه ويعرض الأصول المالية للحزب للخطر"، لافتاً إلى أن "الإمارات ليست المكان المناسب لنقل أموال حزب الله، لكونها تمتلك علاقات مع تل أبيب ومع النظام السوري، الأول عدو مباشر للحزب، والثاني يتخوف الحزب منه بحسب هذه الرواية".