بشرى غير سارة زفها يوم الخميس الماضي كبير مستشاري وزير الخارجية الإيرانية، علي أصغر حاجي، مفادها أن طهران "لم تتخذ أي قرارات لتغيير عدد قواتها في سوريا، في ضوء التوترات في الشرق الأوسط"، حسبما نقلت وكالة "نوفوستي" الروسية. وقال حاجي إن "وجود مستشارينا العسكريين في سوريا مستمر، ولا قرارات بشأن تغييرات في عدد قواتنا وأفرادنا حتى الآن"، مؤكداً أن "كل شيء ما زال على حاله".
جاء تصريح المسؤول الإيراني في معرض الرد على تصريحات لمبعوث الرئيس الروسي إلى سوريا ألكسندر لافرنتييف، قال فيها عكس ذلك، حيث أفاد بأن إيران والتشكيلات الموالية لها، قلّصت وجودها العسكري في سوريا، قبل بدء الحرب الإسرائيلية على إيران. وجاء ذلك خلال مقابلتين مع قناة "روسيا اليوم" ووكالة "نوفوستي"، عقب انتهاء الجولة الـ22 لاجتماعات مسار "أستانة" الخاص بسوريا، بمشاركة روسيا وإيران وإيران، في عاصمة كازاخستان يومي 11 و12 من الشهر الحالي.
ولم يأت حديث لافرنتتيف من فراغ، أو من دون هدف محدد. وقد أراد أن يؤكد معلومات سبق وأن تناقلتها مصادر سورية، ووسائل إعلام، تفيد أن الحرس الثوري الإيراني سحب كبار ضباطه من سوريا، بسبب سلسلة من الضربات الإسرائيلية، استهدفت كبار المستشارين الإيرانيين، كان أعنفها في نيسان الماضي، حين قصفت القنصلية الإيرانية في حي المزة بدمشق، ما أدى إلى تدميرها بشكل كامل، ومقتل جنرالين بارزين في "الحرس الثوري" الإيراني، و5 مستشارين، وعدد من الأشخاص من جنسيات سورية وغير سورية على ارتباط بالحرس. وحينها، قالت المصادر إنه فيما يطالب المتشددون في طهران بالانتقام، كان قرار إيران سحب كبار ضباطها جزئياً، يعود إلى رغبتها في تجنب الانجرار مباشرة إلى صراع محتدم في الشرق الأوسط.
جرى الحديث في حينه عن أن طهران ستعتمد بشكل أكبر على الميليشيات المتحالفة معها المنتشرة في مناطق مختلفة من سوريا، من أجل الحفاظ على نفوذها هناك، لكن يبدو أن هذا التوجه تغير بعد شن إسرائيل الحرب ضد حزب الله في أيلول الماضي، وتوجيه ضربات قاسية لقيادته، مما جعل إيران تعيد النظر، وتزيد من حضورها العسكري في سوريا ولبنان. وهذا ما يفسر كثافة العمليات العسكرية الإسرائيلية داخل سوريا، التي باتت تتكرر بشكل يومي وفي مناطق مختلفة، خاصة في داخل دمشق وضواحيها كما هو حال السيدة زينب، ومنطقة القصير في ريف حمص، حتى صارت تستهدف الفرقة الرابعة المعروفة بعلاقتها الجيدة مع إيران، والتي تتبع لماهر الأسد. وقد سرت شائعات في نهاية أيلول الماضي بأن إحدى الغارات الإسرائيلية على فيللا في منطقة يعفور بريف دمشق الغربي، كانت تستهدف اغتياله، لكنه نجا منها، ونقل بعدها مقر إقامته إلى قاعدة حميميم الروسية، ومعه عدد من المسؤولين العسكريين والسياسيين المعروفين، بعلاقاتهم الوثيقة مع إيران.
اللافت في حديث لافرنتييف هو إنها المرة الأولى التي ترفع فيها روسيا رسمياً الغطاء عن الوجود العسكري الإيراني في سوريا، وقد أوضح المسؤول الروسي البارز في حديثه نقطة مهمة من قواعد الاشتباك بين روسيا واسرائيل في سوريا، حيث كشف أن رغبة إسرائيل في الحصول على ضمانات لمنع العبور المحتمل لشحنات الأسلحة إلى لبنان عبر سوريا، ليست ضمن نطاق تفويض العسكريين الروس. وهذا يعني من الناحية النظرية أن الأمر يخص التفاهم بين إيران والنظام السوري، ومن ناحية أخرى، على إسرائيل أن تعالج هذه المسألة بنفسها، ولن تتدخل روسيا في هذا الشأن.
من المعروف أن النظام السوري يحظى بحماية روسيا المباشرة، وهي وحدها القادرة على أن تملي عليه ما يفعل. لكن مسألة الوجود العسكري الإيراني في سوريا، سواء المباشر، أو من خلال الميليشيات الموالية، على درجة مهمة من التعقيد، ليس النظام في وضع يمكنه من حلها حتى لو أراد ذلك، لأن طهران تتحكم فيه من خلال التغلغل الأمني في بنية النظام، وعبر نفوذ حزب الله الأمني والعسكري في سوريا، وعن طريق الميليشيات العراقية والأفغانية والباكستانية، التي تنتشر إلى جانب قواته على عدد من خطوط المواجهة مع الفصائل المسلحة، التي تدعمها تركيا في ريفي حلب وأدلب.
استمرار تحكم إيران والميليشيات التابعة لها بسوريا، يفسر في جانب منه فشل الرهان على ابتعاد رئيس النظام بشار الأسد عن النظام الإيراني، واستمرار طهران في استخدام سوريا من أجل أهدافها الخاصة، وهناك مؤشرات إلى أن إتجاه هذا الوضع سيتضح جيداً في الفترة القريبة القادمة، تبعاً لما سوف تسفر عنه الحرب الإسرائيلية من جهة، ومن جهة أخرى حسم الإدارة الأميركية قضية تمديد العقوبات ضد الأسد، من عدمه.
في نهاية المطاف تستخدم إيران الأراضي السورية من أجل تحقيق أهدافها، لكنها لا تستطيع منع الإعتداءات الإسرائيلية من انتهاك السيدة السورية، واستهداف مبانٍ سكنية وبنى تحتية، وخصوصاً الطرق والجسور، فتوقع أضراراً مادية كبيرة في الممتلكات الخاصة والمباني المجاورة والمستهدفة. ويُشار إلى أن القصف على حي المزة- فيلات غريبة، الذي وقع يوم الخميس الماضي، استهدف مبنى بالقرب من مجمع كان علي لاريجاني، مستشار المرشد الإيراني علي خامنئي، يعقد فيه اجتماعاً مع رئيس المجلس الأعلى للأمن القومي السوري في دمشق، اللواء علي مملوك.