بمنظور إسرائيل، يكمن "التقدم الفعلي" في مسار الجهود السياسية الرامية إلى وقف إطلاق النار في لبنان، في ولادة مسودة لمقترح الاتفاق، الآن، أي بعد أكثر من سنة على اندلاع القتال على ما يسميها الاحتلال بـ"الجبهة الشمالية".
وبذلك، تتمحور مفاوضات "الأخذ والرد"، الآن، حول نصوص مكتوبة، إيذاناً بانكفاء مرحلة الرسائل الشفوية المتناقلة عبر الوسيط الأميركي، وإن تخللها تحديات وصعوبات، وفق التلفزيون العبري الرسمي.تبادل المسودات
واعتبرت معظم القراءات العبرية أن المفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل ولبنان، دخلت مرحلة تبادل المسودات، غير أن الاحتلال يلقي الكرة في ملعب لبنان، عبر الزعم أن حزب الله لن يوافق "من دون ضوء أخضر إيراني".
وفي غمرة ترقب رد بيروت بشأن المقترح الذي تسلمته من واشنطن أخيراً، يمعن جيش الاحتلال في ضرب لبنان جواً وبراً، وكأنه سباق مع الزمن لتسجيل نقاط على الأرض، لـ"فرضها" على طاولة المفاوضات هي الآخرى.
وهذا ما يُستنتج من إفادات عسكرية للإعلام العبري، بتأكيدهم أن الجيش الإسرائيلي يستغل كل لحظة، ويعمل الآن في الخط الثاني لقرى جنوب لبنان الحدودية، بحجة مواصلة "تفكيك بنية حزب الله العسكرية".
وهي قراءة تطرق إليها أيضاً مراسل تلفزيون "مكان" العبري الموجود في الجبهة الشمالية، إذ قال إن القصف لا يتوقف على جانبي الحدود، وأنه كلما تأخر التوصل إلى اتفاق بين حزب الله وإسرائيل، "ازدادت الأمور تعقيداً على الأرض".
وبينما أطلق رئيس الأركان الإسرائيلي هرتسي هليفي من بلدة كفركلا جنوبي لبنان، تهديده لحزب الله بمواصلة التقدم، وضربه بـ"قسوة"، بموجب خطة "لم تنفد بعد".. رأى المراسل الإسرائيلي لـ"مكان" أن الباب ما زال مفتوحاً للتوصل إلى الاتفاق، وأن كل ما يُسجّل ميدانياً، سيطرح على طاولة المفاوضات في حال جرى تطور فيها خلال الأيام المقبلة، وفق قوله.
"حل وسط" أميركي تلقّفه بري
في غضون ذلك، توقف الإعلام العبري عند تصريحات رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري بشأن مسودة الاقتراح للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في لبنان، وخصوصاً ما يتعلق بخلو المسودة من أي إشارة مباشرة لـ"حرية العمل العسكري الإسرائيلي" في لبنان، بحجة خرق حزب الله للتفاهمات.
وهنا، تباين المحللون الإسرائيليون في أحاديثهم للإذاعات والتلفزيونات العبرية، في الإشارة تارة إلى بلورة "وثيقة جانبية" بين واشنطن وتل أبيب، وتارة أخرى بإصرار إسرائيل عليها، وأحياناً بوصفها "رسالة ضمانات أميركية" لتذليل مخاوف إسرائيل من الاتفاق.
واعتبرت هيئة البث الإسرائيلية أن الولايات المتحدة نجحت في تقديم "حل وسط"، من خلال عدم تضمين مسودة مقترح الاتفاق أي إشارة مباشرة إلى "حرية العمل العسكري الإسرائيلي في لبنان إذا حدث انتهاك للاتفاق"، ولكن في المقابل قدمت أميركا "ضمانات طمأنة" لإسرائيل بخصوص ذلك، وفق الادعاءات الواردة من تل أبيب.
وأضافت الهيئة الإسرائيلية أن حزب الله غير ملزم بالموافقة أو الرفض فيما يتعلق بهذه الضمانات؛ لأنها خارج مسودة الاتفاق. لكن القراءات العبرية نوهت في الوقت ذاته، الى أن انتهاك إسرائيل لسيادة لبنان، سيكون مقيداً بآليات حددها المقترح، حيث أن اللجنة الدولية التي يطالب المقترح الأميركي بتشكيلها، بوصفها "جهة رقابية لتنفيذ الاتفاق المأمول"، يجب أن يتم العودة إليها إذا حدث اختراق من أي جهة، على أن تتواصل بدورها مع اليونيفيل والجيش اللبناني لمعالجة الموضوع، وفي حال "فشل" الجيش اللبناني بالمعالجة، عندها تخترق الطائرات الإسرائيلية المجال الجوي اللبناني، وتنفذ هجمة ضد بنى تحتية لحزب الله في المنطقة الحدودية.
حرية الحركة
بدورها، ذكرت القناة "12" العبرية أن إسرائيل أبلغت الولايات المتحدة بأنها "لن تتنازل عن حرية العمل في لبنان"، مدعية أن الإدارة الأميركية تدعم الطلب الإسرائيلي. وأضافت القناة العبرية أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير جيشه يسرائيل كاتس، "توافقا على تكثيف الضغط العسكري على حزب الله".
وفي حين، ذكرت صحف عبرية أن الاتفاق يمكن أن يكون مرحلياً أو دفعة واحدة، أشار محللون إسرائيليون إلى أنه في حال التوصل إلى الاتفاق، فإنه ستجري مفاوضات بخصوص التفاصيل خلال هدنة الستين يوماً، وعندها سيصعب على الطرفين (إسرائيل وحزب الله) العودة للقتال؛ خصوصاً أن الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب سيكون قد استلم مهمته مع انقضاء الهدنة المذكورة.
"رد لبنان.. بداية لمفاوضات طويلة"
بدورها، قالت صحيفة "يديعوت أحرونوت" إن رد بيروت على مقترح وقف إطلاق النار، يمثل "مجرد بداية لمفاوضات قد تكون طويلة"، معتبرة أن "رد لبنان ليس كافياً"، وأن الأهم هو "رد إسرائيل"، ما يثير تساؤلات بشأن البنود التي توافق عليها تل أبيب، كلياً أو جزئياً، وتلك التي ترفضها.
وأضافت الصحيفة العبرية أن المسؤولين الإسرائيليين أوضحوا "مراراً وتكراراً"، أن القضية الرئيسية ستكون "تطبيق الاتفاق"، بذريعة "شكوكها" حيال تطبيق الاتفاق على نحو يفيد حزب الله، ويسبب انتكاسة ل"الإنجازات العسكرية التكتيكية".
ونقلت "يديعوت أحرونوت" عن مسؤول إسرائيلي، قوله إن "الوثيقة الجانبية" التي تطالب بها إسرائيل لضمان حرية عملها العسكري، بحجة "الانتهاكات"، تُعدّ "الشيء الأكثر أهمية" بمنظور الدولة العبرية. وهنا، طرحت الصحيفة تساؤلاً: "كيف سيكون رد الفعل على وثيقة لن تكون بالضرورة جزءاً رسمياً من الاتفاق؟".
كفاءة الجيش اللبنانيوفيما يتعلق بنص الاقتراح المطروح لإنهاء الحرب، تحدثت "يديعوت أحرونوت" عن مدى "كفاءة" الجيش اللبناني للقيام بمهمته بموجب الاتفاق. وزعمت أقلام عبرية أن إسرائيل وافقت على تسليح الجيش اللبناني من قبل ثلاثة أطراف (أميركا وفرنسا وبريطانيا)، وهي أطراف ستكون أيضاً ضامنة للاتفاق، وجزءاً من آلية تنفيذه، وفق الإعلام العبري.
وكعادتها، تجيد إسرائيل وضع العصي في الدواليب، حيث قالت إنها لا تثق بالجيش اللبناني، وأن لديها شكوكاً إزاء قدرته على "التحرك ضد نشاط حزب الله في المنطقة الحدودية"، لكن واشنطن ردت على تل أبيب، بأن لديها "ضمانات بأن الجيش اللبناني سيؤدي مهمته بالفعل".
إسرائيل متوجّسة من المقترح
واللافت أن ثمة أصواتاً إسرائيلية، وخصوصاً يمينية، تحرض على الاتفاق، بدعوى أنه يثير قلقاً بخصوص مدى ضمانه للمصلحة الأمنية الإسرائيلية، حيث رصدت "المدن" تغريدة للمحلل السياسي يوني بن مناحيم، على موقع "إكس"، اعتبر فيه أن الاتفاق المحتمل بين إسرائيل ولبنان، "سيء لإسرائيل"، لدرجة اعتباره الورقة التي كتب عليها المقترح "لا قيمة لها".
كما قالت تغريدات عبرية أخرى إن إسرائيل "على وشك تفويت فرصة تاريخية لسحق القوة العسكرية لحزب الله وتعزيز القوى الأخرى في لبنان".
في حين، سلطت الإذاعة العبرية الرسمية، الضوء على تساؤلات "سكان الشمال" بخصوص مدى تذليل الاتفاق المحتمل لخشيتهم من "تهديدات" حزب الله مستقبلاً.
مع ذلك، تأمل إسرائيل الرسمية في تحقيق اتفاق يضمن شروطها، قبل تنصيب الرئيس في 20 يناير/كانون الثاني، لكن إعلامها غير متيقن من التوقيت الدقيق لإبرام الاتفاق المحتمل، وسط توقعات بأن تضمّن بيروت في "ردها الإيجابي" حيال المقترح، مطالبات بـ توضيحات لبعض بنوده، وتغييرات لأخرى.
علاقة الاتفاق.. بإيران؟
ولم ينسَ إعلام إسرائيل أن يثير تساؤلات عن مدى حضور إيران في الاتفاق، ومدى دعمها لاتفاق من شأنه أن يحد من تأثير "فرعها المركزي في الشرق الأوسط"، بحسب قراءات إسرائيلية، وهو أمر عدّته مطروحاً على "صناع القرار".
بينما رأى المحلل العسكري لصحيفة "هآرتس"، تسفي هرئيل، أن إيران تعيد حساباتها بعد أن "تخلت عن غزة في مفاوضات لبنان".
وتابع هرئيل أن طهران "تبدو" أنها وافقت على فصل الساحات بين غزة ولبنان بهدف "المحافظة على قوة حزب الله في لبنان، وتحسين قوتها في الإقليم أمام إدارة ترامب الجديدة".
ورغم المكابرة الاسرائيلية، تخرج أصوات قلقة من سيناريو "الاستنزاف في لبنان"، حيث تساءل الكاتب الإسرائيلي ناحوم برنياع في مقاله ب"يديعوت أحرونوت": "ماذا تبقى للجيش سوى الخسائر وحرب الاستنزاف؟ " وقال برنياع إن الجيش يدرك أنه ينجر إلى حرب استنزاف، وبأن الأثر الذي تحقق في تصفية قيادة حزب الله وعملية أجهزة "اللاسلكي" آخذ في فقدان مفعوله. واعتبر برنياع أن القوات البرية "تواصل التقدم ليس لأن هذا سيغير كثيراً، بل لأنه لا صيغة تعيدهم إلى الديار"، حسب قوله.