آلاف الأطنان من المواسم الزراعية، بقيت «على أمّها» في البقاع الذي تشكّل أراضيه الزراعية أكثر من 40% من الأراضي المزروعة في لبنان، بفعل الحرب، ومغادرة اليد العاملة الأجنبية وخوف أصحاب شاحنات نقل المحاصيل من التجوّل، وإقفال معظم المحالّ التجارية وأسواق «الحسبة».
يقف المزارع البقاعي اليوم أمام رزقه بلا حولٍ ولا قوّة فيما موعد جني المحاصيل «اللقيسية»، التشرينية تحديداً، بات في نهايته (من منتصف أيلول إلى منتصف تشرين الثاني). معظم المزارعين تركوا المواسم «في أرضها»، متكئين على عبارة «الله بيعوّض»، كما يقول المزارع علي الديراني، ابن بلدة قصرنبا الذي خلّف 30 دونماً من العنب للتلف، إذ إن هذه الفاكهة «من المحاصيل التي لا يمكن التأخر في جني عناقيدها لأنها تتعفّن بسرعة وتصبح عرضة للحشرات».
قلّة قليلة سابقت الوقت والغارات لقطف ما تيسّر وبيعه، مثل حسين الديراني الذي عمل وعائلته، كلما سنحت فرصة هدوء، على قطف بين 20 و30 قفصاً. و«في أحيان كثيرة كنا نقطف 10 أقفاص فقط، أنقلها بسيارتي إلى حسبة الفرزل ويدي على قلبي من الخوف»، لتأمين «ما نحتاج إليه من مصاريف». رغم ذلك، «آلاف الأطنان من العنب لا تزال على أمها والخسارة وقعت»، إذ إن أصحاب كروم العنب في قصرنبا وتمنين وحوش الرافقة والعقيدية وكفردبش ونيحا وطاريا والفرزل والبقاع الغربي – وهي مناطق تشتهر بزراعة الكرمة – لم ينقلوا إلى الأسواق أكثر من 30% من مجمل الإنتاج، «ففي الأيام العادية، نقطف بين 50 و60 طناً يومياً، ننقلها إلى أسواق الجنوب وبيروت والشمال»، يقول علي السيّد أحمد من بلدة تمنين.
البطاطا والبصل أيضاً من الزراعات البقاعية، وحالهما ليس أفضل، خصوصاً أن «القلع» لا يمكن أن يتم على مراحل، إذ يحتاج إلى «ورشة جرارات زراعية وعمال للجمع والتوضيب والتحميل وسيارات نقل»، كما يشرح المزارع علي زعيتر. بعض المزارعين قرّروا البقاء لـ«قلع» الموسم، إلا أنهم اصطدموا بعدم وجود عمال وسيارات نقل «بسبب الخوف من الاستهداف كما حصل في أكثر من مكان». أما «إذا حظينا بعمال وآليات، فإن ما يطلبه هؤلاء من إيجار يجعلهم شركاء في المحصول»، لذلك «كان خيار التخلّي عن الموسم أفضل الممكن. فطالما أن الخسارة حاصلة، الأفضل عدم المخاطرة». رغم أن الخسارة في البطاطا والبصل «كارثية»، وفق علي الحاج يوسف، من بلدة السعيدة، إذ إن «كلفة دونم البطاطا أو البصل تبلغ نحو 600 دولار، ومن زرع 50 إلى 100 دونم اخترب بيته». وحدهم بعض كبار مزارعي البطاطا استبقوا الأحداث وعمدوا إلى قلعها مبكراً وتوضيبها وتخزينها.
ومن المواسم التي لا يمكن التأخّر في قطافها البندورة والخيار، وهذان «يصعب التعامل معهما لأنّهما يحتاجان إلى قطافٍ يومي وإلّا سيتحولان بسرعة من باب أول إلى باب ثان وثالث. لذلك، تركنا المحصول للصامدين في البلدة والقرى المجاورة».
تنسحب خسائر المزارعين على التبغ أيضاً، وإن كانت أخف وطأة. فموسم قطاف شتول التبغ بدأ منذ الصيف و«استطعنا اللحاق بجزء من المحصول، ولكن مع بدء الحرب ومغادرة العمال السوريين وعائلاتهم خسرنا الجزء الآخر من الموسم»، يقول كاظم حيدر، من بلدة كفردان.