عكس يوم الجنون التصعيدي الذي شنته إسرائيل امس على الضاحية الجنوبية وصور خصوصا ومناطق أخرى في الجنوب والبقاع المسار المعقد والصعب للمفاوضات التي يتولاها الوسيط الأميركي آيموس هوكشتاين لتسويق مشروع وقف النار الذي ابلغ إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري قبل أيام وينتظر رد لبنان رسميا عليه علما ان إسرائيل لم تعلن بعد ما اذا كانت توافق عليه او تتحفظ عن بعض بنوده قبل ان تتبلغ من الاميركيين الرد اللبناني.
وكتبت “النهار” إنّ الوتيرة النارية والتدميرية التصعيدية التي دفعت بالطيران الحربي الإسرائيلي الى شن عشرات الغارات المتلاحقة التدميرية على الضاحية الجنوبية وصولا الى الحدث ومدينة صور بدت اشبه باجتياح جوي قياسي في التدمير فيما كانت الجبهة البرية عند الحدود الجنوبية تسجل تصعيدا كبيرا في توسيع محاور الاشتباكات ومحاولات التقدم والتوغل الإسرائيلي.
هذه التطورات عكست معطيات متشائمة، عكس الانطباعات السائدة منذ يومين حيال المفاوضات حول الاقتراح الأميركي الذي وفق مطلعين على حقيقة مجريات التفاوض حوله يخشى انه يشكل اطارا لملء الوقت الفاصل عن بدء ولاية الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب وليس اكثر .
لكن التطور البارز تمثل في كشف هيئة البث الإسرائيلية إنه من المتوقع أن يصل المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين إلى إسرائيل الأربعاء المقبل بعد زيارة إلى لبنان.
ولم تكشف تفاصيل المقترح الأميركي رسميا، غير أنّ مسؤولا لبنانيا أوضح لوكالة الصحافة الفرنسية أنّه “في حال تم الاتفاق على وقف لإطلاق النار، فإنّ الولايات المتحدة وفرنسا ستعلنان ذلك في بيان”، مضيفا أنّه “سيكون هناك وقف لإطلاق النار لمدة 60 يوما وسيبدأ لبنان بنشر الجيش على الحدود”.
ورفض متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية التعليق على ما يتم تداوله بشأن مسودة الاقتراح. وأكّد “الالتزام بالتوصل إلى حل دبلوماسي يعيد الهدوء الدائم ويسمح للسكان في لبنان وإسرائيل بالعودة بأمان إلى منازلهم”.
من جانبه، أفاد مصدر حكومي آخر بأنّ “الصياغة المقترحة ناتجة من آخر لقاء بين بري وهوكشتاين، والذي حصل خلاله تفاهم على خارطة طريق لوقف إطلاق النار وتطبيق القرار 1701″، وأضاف: “تمّ بعد ذلك وضع مسودة أُرسلت إلى لبنان لدرسها وإبداء أي ملاحظات عليها، ليتمّ بعد ذلك الانتقال إلى المرحلة الثانية”.
وأعرب مصدر حكومي عن “تفاؤل بإمكان التوصل إلى نتيجة”، غير أنّه أشار في الوقت نفسه إلى أنّه “لا يمكن معرفة نوايا” الجانب الإسرائيلي.
وفي معلومات “النهار” أن الجانب اللبناني المفاوض ممثلا بالرئيس نبيه بري الذي سيبلغ الجانب الأميركي الاثنين أو الثلاثاء المقبل جواب لبنان الرسمي على الاقتراح لن يعمد الى التسبب باتهام لبنان بانه اسقط الاقتراح لعدم تحميله تبعة مضي إسرائيل في الحرب عليه. لكن ثمة رفضا لبعض البنود الواردة في الاقتراح سيطاول بند حرية الحركة للجيش الإسرائيلي في لبنان وبند توسيع آلية مراقبة التزام الافرقاء بالقرار 1701 لجهة ضم بريطانيا وألمانيا اليها علما ان لبنان سيوافق على ضم الولايات المتحدة وفرنسا الى اللجنة الثلاثية التي تضم لبنان والأمم المتحدة وإسرائيل.
ولذا ثمة شكوك وفق المطلعين ان تسلك الأمور طريق انجاز اتفاق على الاقتراح الأميركي لان إسرائيل بعد الجواب اللبناني المتوقع سيكون لها على الأرجح مزيد من الشروط غير القابلة للموافقة اللبنانية والإطار المطروح للاتفاق على وقف النار لا يعني ان نهاية وشيكة للحرب صارت في المتناول بل ان التطورات مفتوحة ميدانيا كما ديبلوماسيا ولا ضمانات لنهاية الحرب قبل تسلم ترامب مهماته في العشرين من كانون الثاني المقبل.
كذلك، فإن زيارة كبير مستشاري مرشد الجمهورية الإسلامية علي لاريجاني لبيروت قبل يومين ساهمت في إضفاء تعقيدات إضافية لجهة إمعان بلاده في إظهار وصايتها المباشرة على قرار المفاوض الشيعي اللبناني الرسمي والميداني وعبرهما التأثير على السلطة اللبنانية.
بدورها، كتبت “الشرق الاوسط” إنه “بينما يتوقع أن يرد لبنان على الورقة قريباً جداً”، تحدثت مصادر قريبة من رئيس البرلمان نبيه بري عن تقدم في مسار التفاوض بينما تحدثت مصادر أخرى عن نظرة إيجابية من قبل المسؤولين اللبنانيين إلى الورقة الأميركية التي أرسلت بوصفها مقترحاً للحل، مشيرة إلى أن المسؤولين اللبنانيين يدرسون تفاصيلها بعناية، وسيقدمون اقتراحات لنزع أي التباس في النصوص قبل المضي قدماً في التفاوض وصعدت إسرائيل بقوة ميدانياً.
وتحدث الإعلام الإسرائيلي عن قرار اتخذ بتنفيذ غارة كل ساعتين كان أول تداعياته استمرار الغارات على ضاحية بيروت الجنوبية.
وكتبت “الديار”: في قراءة للمشهد التفاوضي والموقف الاسرائيلي خلالها وقبلها، تقول مصادر ديبلوماسية، من خلال متابعة التحركات والمواقف الاسرائيلية الأخيرة، ان اسرائيل حاولت وتحاول ان تحصل على مكاسب خارج نص الاتفاق او مشروع الحل ومنها أنه خلال المهمة التي كلفه اياها نتنياهو، توجه وزير الشؤون الاستراتيجية الاسرائيلية بداية الى موسكو، طالبا ان تتعاون روسيا من خلال وجودها ونفوذها في سوريا “منع عمليات تهريب السلاح الى حزب الله عن طريق سوريا”.
ولم يحصل على جواب ايجابي من المسؤولين الروس الذين ابلغوه ان القوات الروسية موجودة في سوريا ومهامها محددة، وهي غير معنية بالقيام بمثل هذا العمل وليس حرس حدود.
وفي واشنطن حرص الوزير الاسرائيلي على اخذ رأي الرئيس المنتخب ترامب بشأن الصيغة التي ناقشها مع المسؤولين في ادارة الرئيس بايدن.
وحسب وسائل اعلام اميركية ومنها صحيفة وول ستريت جورنال، فان ترامب ابلغه انه يرغب في التوصل الى اتفاق لوقف النار في لبنان، مؤكداً أن “ليس لديه اعتراضات على المخطط الحالي”.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين اسرائيليين ان ترامب اعرب عن امله في تنفيذ التسوية في لبنان قبل موعد تنصيبه.
أيضا، حاول العدو الاسرائيلي ان يحمل سوريا مسؤولية العمل لمنع تهريب السلاح الى حزب الله، مطالبا روسيا بالضغط على القيادة السورية في هذا الاتجاه، لكنه اصطدم بموقف روسي سلبي باعتبار ان هذا امر سيادي يعود للحكومة السورية. من هنا يبرز في الايام الاخيرة التصعيد وتكثيف الغارات الجوية الاسرائيلية ليس على اهداف لحزب الله او الجهاد الاسلامي فحسب، بل ايضا على مراكز واهداف للجيش السوري، من اجل الضغط على دمشق لتنفيذ المطلب الاسرائيلي.
كذلك، فإن التصعيد الاسرائيلي الكبير الذي شهدناه امس والمرتبط بالغارات الكثيفة والعنيفة على الضاحية وصور والقرى الجنوبية، يُترجم الضغط بالنار على المفاوض اللبناني.
وتقول المصادر الديبلوماسية ان هذا الاسلوب والتحرك الاسرائيلي يزيد من الشكوك حول موقف نتنياهو من المفاوضات، ويشكل مصدر حذر شديد من قبل لبنان.
وفي المقابل يقول مصدر سياسي لـ “الديار” ان المفاوض اللبناني يستند الى مصادر ونقاط قوة عديدة ابرزها:
1- قدرة الرئيس بري وحنكته وتجربته في قيادة هذه العملية التفاوضية بالتعاون مع الرئيس ميقاتي، وثبات الموقف اللبناني بالمطالبة بوقف العدوان الاسرائيلي ووقف النار وتنفيذ القرار 1701 دون اي اضافة.
2- الميدان حيث اكدت المقاومة وحزب الله منذ بدء العملية البرية الاسرائيلية جهوزيتها وقدرتها على المواجهة في كل المحاور، ورفعت ووسعت هجماتها بالصواريخ والمسيرات حتى تل ابيب.
3- رغم الغارات الهمجية للعدو على المدن والقرى وارتكاب المجازر اليومي، بقيت البيئة الحاضنة المقاومة على التزامها معها رغم كل التضحيات. كذلك، برهن اللبنانيون عن وطنية عالية في احتضان النازحين رغم الاختلافات السياسية.
4- مع مرور الاسابيع الاخيرة بعد بدء العملية البرية، اخذ يظهر اكثر الانقسام في الرأي العام الاسرائيلي حول الحرب في لبنان، فبعد ان كان اكثر من ثلاثة ارباع الاسرائيليين يؤيدون الحرب، انخفضت نسبتهم الى 41 %، كما ورد في استطلاع نشرته صحيفة معاريف، بينما بلغت نسبة المؤيدين للتسوية مع لبنان 45%.