بعد مفاضلة الخيارات وحساب التكاليف، قررت أم أحمد حجز إحدى المزارع السياحية المعروضة للإيجار، قرب قرية عزيزة بريف حلب الجنوبي، لعقد قران ابنتها واغتنام الفرصة للترويح والترفيه عن أسرتها، بدلاً من إقامة حفل تقليدي داخل قاعة مغلقة.
وبدا خيار أم أحمد مناسباً، نظراً لتقارب أسعار الحجوزات بين صالات الأفراح والمزارع الترفيهية الخاصة، التي توفر معظمها أماكن مخصصة للمناسبات، إلى جانب وسائل ترفيه متعددة من مسابح وصالات ألعاب وأجواء الطبيعة، في المساحات الخضراء والبساتين.
المزارع متنفس الحلبيين
وساهم افتقار مدينة حلب لأماكن الترفيه العائلية المخصصة لذوي الدخل المحدود، وارتفاع أسعار الخدمات الفندقية والترفيهية، بزيادة الطلب على تأجير المزارع، وبالتالي زيادة أعدادها وتوسعها، حيث بدأت بالانتشار في معظم القرى والبلدات القريبة من المتحلق الجنوبي بريف حلب.
كل ذلك شجع أم أحمد التي تعيش في حي الفردوس، جنوب مدينة حلب، على اتخاذ قرارها، وتقول لـ"المدن": "إن الطريق بين منطقتنا والمزرعة لا يزيد على العشر دقائق بالسيارة، فضلاً عن توفير أصحاب المزرعة سيارات كبيرة لنقل المستأجرين وإعادتهم بسعر مناسب، ما قلل التكاليف على العائلات التي تحضر الحفل".
وتضيف أن "المميز في إقامة المناسبات في هذا النوع من المزارع، عدم اضطرار الأمهات للانشغال بصغارهم بسبب توافر الألعاب والمساحات المخصصة لهم، إضافة إلى أمر آخر كنا نفتقده في حلب، وهو ساعات الحجز الطويلة مع وجود مسابح وتوفر الكهرباء دون انقطاع، ما يمنحنا ساعات من الترفيه غير المكلف مقارنة بأسعار الفنادق والصالات التقليدية".
بدوره يشير عبد الرحمن، الذي يقصد إحدى مزارع قرية النيرب قرب مطار حلب الدولي، بشكل شبه شهري، إلى أن التوجه لقضاء الوقت مع العائلة أو الأصدقاء في المزارع، بات المتنفس الوحيد لكثير من أبناء المدينة، بسبب صعوبة السفر إلى الساحل من جهة، أو ارتياد المصايف والمشاتي السياحية بسبب ارتفاع تكاليفها من جهة ثانية.
الاهتمام بالترفيه
ومن الملاحظ أنه ومنذ انطلاقة هذا النوع من المشاريع الترفيهية، تركيز أصحابها على توفير الكثير من الخدمات، بما يجعل اختيار المزارع لإقامة الأعراس وأعياد الميلاد وعطلات نهاية الأسبوع، مفضلاً لدى الزبائن حتى في الشتاء.
وتوفر العديد من هذه المزارع أساليب ترفيه متنوعة، كالمسابح المغلقة وأكواخ الجلوس وحدائق حيوانات مصغرة، وألعاب أطفال، كل ذلك بأسعار تبدأ من 350 ألف ليرة للسهرة أو اليوم (الدولار يساوي 14 ألف و750 ليرة)، و750 ألف حتى 900 ألف للمبيت، وصولاً إلى مليون و100 ألف ليرة للحجز الكامل.
وبحسب عماد، الذي يعمل كوسيط تأجير المزارع السياحية جنوب حلب، فإن حركة الإقبال على الحجوزات لم تتأثر كثيراً بدخول فصل الشتاء، بسبب انتشار العروض على الأسعار، وأيضاً توافر الملحقات والمرافق الشتوية في معظم المزارع، وزيارات المغتربين.
ويوضح لـ"المدن"، أن الحجوزات مقسمة بنظام المناوبات، التي تبدأ من أربع ساعات، وتصل إلى حجز المزرعة ليوم كامل، بما يشمل المبيت ووسائل نقل، إلى جانب خدمات متنوعة مثل تجهيز قسم المناسبات حسب الحاجة.
ورغم ارتفاع سعر الحجوزات مقارنة بالمداخيل الشهرية للأسر، يرى الوسيط، أن الأسعار مناسبة إذا ما احتُسبت بسعر صرف الدولار، وأسعار المحروقات المشغلة لمولدات الكهرباء وتجهيزات الراحة والترفيه.
ويقول: :أكثر ما يجذب المستأجرين وجود مسابح دافئة ومعقمة، وصالات ألعاب تسمح بتشارك الأسر للمكان مع الحفاظ على الخصوصية، بالإضافة إلى الشاشات العملاقة، وهي خدمات مرتفعة التكاليف".
وهو ما أكد عليه إسماعيل، وهو مغترب في السعودية ويقضي إجازته في حلب، بالقول لـ"المدن"، إن "الأسعار مناسبة، مع توافر الخدمات الأساسية التي تفقدها منازل المدينة، وتقديم فرصة تقضية الوقت والترفيه مع العائلة، يجعلها خياراً أفضل من التوجه إلى الفنادق وتحمل تكاليف الفسحات في المطاعم ثم الانفصال عن العائلة ".
استثمار بديل عن الزراعة
من جانبه، يشير عبد العزيز، صاحب إحدى المزارع القريبة من قرية عزيزة، إلى أن فكرة إنشاء مزرعة سياحية، جاءت مع إقبال الناس على هذا النوع من الخدمات، وتوسع انتشارها في منطقته، ويؤكد أنه وجد فيها تعويضاً عن خسائره الكبيرة التي لحقت بأرضه وبستانه، الذي ظل لسنوات خط مواجهة بين قوات النظام والمعارضة.
ويضيف لـ"المدن"، أن "المردود المتوقع من عائدات البستان والأرض بعد استصلاحها، لن تغطي نفقات الترميم الضخمة، ما يجعل من الاستثمار السياحي فيها مشروعاً مربحاً، مع الاحتفاظ بمحاصيل الأشجار الموسمية".
ويرى أن الأسعار مناسبة إلى حد معقول، خصوصاً وأنهم يسمحون بدخول العائلات الكبيرة دون تحديد الأعداد، لتقليل النفقات عليهم، "لكن مع وجود أنظمة وقوانين خاصة تضمن سلامة المزرعة وملحقاتها من التخريب الذي يتحمله المستأجر".
بعد أن كانت خط مواجهة بين فصائل المعارضة وقوات النظام السوري لسنوات، تحولت قرى ريف حلب الجنوبي القريبة من مركز المدينة، إلى قبلة سياحية لكثير من أسر مدينة حلب الباحثة عن شيء من الترفيه، بعيداً عن قسوة الحياة، ما جعلها استثماراً بديلاً عن النشاط الزراعي بالنسبة لأغلب أصحاب الأراضي الزراعية القريبة من مركز المدينة.