بغضّ النظر عن ماهية الاقتراح الأميركي للبنان الرسمي لوقف إطلاق النار، سواء كان عبر مسودة أعدّها آموس هوكشتاين وأرسلها بواسطة السفيرة الأميركية ليزا جونسون، أو مجرد أفكار يتم التداول بها، فإن الثابت في الأمر، هو أن الرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي لن يفرطا بسيادة لبنان ولن يوافقا على أي بند يعطي إسرائيل الحق في إنتهاك السيادة أو القيام بخروقات جوية وبرية وبحرية.
هذا يعني أن لبنان متمسك بالموقف الذي سبق وأعلنه بري وكرسّه ميقاتي في مؤتمر باريس أمام ٧٠ دولة وفي القمة العربية الاسلامية أمام ٥٧ دولة، وهو وقف إطلاق النار بشكل فوري، وتطبيق القرار ١٧٠١ بكل مندرجاته وبانتشار الجيش اللبناني في منطقة جنوب الليطاني بقوة تتراوح بين خمسة إلى ثمانية آلاف جندي يتم على مراحل.
لذلك، فإن الأمور ستخضع إلى نقاشات مستفيضة، حيث سيضع لبنان ملاحظاته على الاقتراحات الأميركية والتي لن تخرج عن موقفه الرسمي والتي تحفظ سيادته وأمنه.
جاءت الاقتراحات الأميركية، بعد اللقاء الذي جمع الرئيسين جو بايدن ودونالد ترامب في البيت الأبيض، وبعد إعطاء الأخير الضوء الأخضر لهوكشتاين لاستكمال مهمته، وهو إعتمد دبلوماسية الإتصالات مع عدد كبير من المعنيين في لبنان والكيان الإسرائيلي ودول المنطقة لبلورة الاقتراحات التي تضمنتها هذه المسودة، وهو ينتظر ما ستؤول اليه الأمور، فإذا كانت إيجابية فإنه سيقوم بزيارة سريعة إلى الشرق الأوسط لإنجاز التسوية، واذا كانت سلبية فإنه سيبدأ محادثات جديدة من واشنطن لتقديم إقتراحات جديدة أو إجراء تعديلات عليها.
لا شك في أن إعطاء إسرائيل الحق في شن هجمات على لبنان، سيبقي الجبهة مشتعلة ولن يعيد المستوطنين إلى شمال فلسطين المحتلة، لأن ذلك سيكون كفيلا بإبقاء المقاومة على سلاحها وهي ستتدخل حتما للتصدي والرد على أي عدوان جديد، ما سيجعل أي إتفاق بحكم المنهار سلفا، لذلك فإن النقاشات تتمحور حول إمكانية تشكيل لجنة دولية تضم أميركا وفرنسا وبريطانيا وربما دولة عربية أو روسيا للإشراف على تنفيذ الاتفاق، على غرار لجنة “تفاهم نيسان” التي تشكلت غداة عدوان “عناقيد الغضب” في العام ١٩٩٦، واللجنة الثلاثية التي كانت تجتمع بعد عدوان تموز للبحث في الخروقات التي تحصل، وهذا أمر قد لا يجد معارضة لبنانية، خصوصا أن اللجنة ستراقب أيضا الخروقات الاسرائيلية، حيث أن تطبيق القرار ١٧٠١ سيكون أيضا بكل مندرجاته من الجانب الاسرائيلي.
لم يعد خافيا، أن لبنان يسعى بكل جدية لوقف العدوان الاسرائيلي، أولا لوقف الوحشية والمجازر الصهيونية وإستهداف الآمنين، ولمعالجة أزمة النزوح، ولقطع الطريق على الفتن التي تحاول إسرائيل ومن يلف لفها من أدوات خارجية وداخلية بثها في المجتمع اللبناني، خصوصا ان العدو يهدف إلى نقل النار من الحدود إلى الداخل اللبناني بهدف الإرباك وتوتير الأجواء بما يوفر له الراحة في إستكمال عدوانه، فضلا عن ضرورة إنتخاب رئيس للجمهورية يتولى إستكمال المفاوضات.
لذلك، فإن الغرق في التفاصيل والاجتهادات والتسريبات والمعلومات لن يجدي نفعا، بل المطلوب شيئا من السرية التي يسعى الرئيسان بري وميقاتي للحفاظ عليها، على أن تكون بنود الاتفاق في حال أبصر النور ضمن السقف اللبناني والثوابت والمسلمات التي لا يمكن لأي كان أن يحيد عنها.
وعلى وقع النقاشات الجارية، يفترض أن يشهد الميدان تصعيدا كبيرا، حيث سيمارس الاسرائيلي المزيد من الوحشية في المناطق الآمنة وبحق المدنيين من أجل الضغط على لبنان للقبول بالشروط التي يضعها، في حين ستلجأ المقاومة إلى تصعيد عملياتها وهي بدأت بذلك منذ بداية الأسبوع الحالي، بهدف إيلام العدو ودفعه إلى القبول بالرؤية اللبنانية لتطبيق القرار ١٧٠١.
وفي كل الأحوال، يبدو واضحا، أنه لو لم يكن العدو قد إستشعر بأن عمليات المقاومة بدأت تشكل خطرا على المجتمع الاسرائيلي الذي بدأ بالانقلاب وممارسة الضغوط على نتنياهو وحكومته، لما سارع الأميركي إلى ممارسة كل هذا النشاط في إعداد المقترحات، علما بأن التصريحات الاسرائيلية المتناقضة حول نظرته إلى لبنان وحزب الله تؤكد ذلك، وهي وصلت يوم أمس إلى تخفيض السقف عبر لسان وزير الخارجية ساعر الذي أكد أن “إسرائيل لا تريد القضاء على الحزب وإنما نزع سلاحه من جنوب الليطاني لتأمين عودة آمنة للمستوطنين”.
تشير المعلومات إلى أن الرئيس بري لم يقدم جوابا على المقترحات التي تسلمها من السفيرة الأميركية، خصوصا أن الأمور لن تكون سهلة كما يتوقعها البعض، بل هي تحتاج إلى كثير من الأخذ الرد على وقع نتائج الميدان في الأيام القليلة المقبلة والتي حتما لن تكون لمصلحة العدو الاسرائيلي الذي إستنفد بنك أهدافه، ويتجه شيئا فشيئا إلى أن يستنفد خياراته، والى دفع المزيد من الأثمان، الأمر الذي سيجعله أكثر واقعية للنزول عن شجرة الشروط الممنوعة من الصرف لبنانيا.
The post الاقتراحات الأميركية قيد النقاش.. ولا حلول خارج السقف اللبناني!.. غسان ريفي د appeared first on .